في مشهد سينمائي جديد بدأت السينما المستقلة في مصر تشق طريقها بقوة نحو دور العرض التجارية، بعد أن كانت قد اكتفت بالمهرجانات، محطمة الحواجز التقليدية التي طالما قيدت صناعة الأفلام المحلية. هذه الأعمال، رغم اختلافها عن السائد، فإنها نجحت في جذب الأنظار بمحتواها الإبداعي وطرحها الفكري العميق؛ مما جعلها تجد لنفسها مكانًا ليس فقط في المهرجانات السينمائية الدولية، ولكن أيضًا في دور العرض المصرية.
"رفعت عيني للسما" من الجوائز العالمية إلى قاعات السينما
أحد أبرز الأمثلة على نجاح السينما المستقلة مؤخرًا، فيلم "رفعت عيني للسما"، الذي بدأ عرضه التجاري في مصر بعد أن حصد سلسلة من الجوائز، أبرزها العين الذهبية كأفضل فيلم وثائقي في مهرجان "كان"، وجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الجونة. ورغم صعوبة المنافسة أمام الإنتاجات الضخمة، حقق الفيلم إيرادات بلغت 215 ألف جنيه خلال 17 يومًا فقط من عرضه، معززًا بذلك مكانة السينما المستقلة على الساحة المحلية.
الفيلم، الذي ترشح لأكثر من 20 جائزة دولية، يعتبر شهادة على قدرة الأفلام الوثائقية على التغلغل في الوجدان الجماهيري، لا سيما أنه استعرض قصصًا إنسانية بعمق وإبداع فني بعيد عن السطحية التجارية.
"يوم الدين".. عندما يصبح الألم بوابة للأمل
في عام 2018، نجح فيلم "يوم الدين" في جذب الانتباه له بعد مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، ليصبح أول فيلم مصري يحقق هذا الإنجاز منذ سنوات، ويقرر صناعه وقتها طرحه في دور العرض السينمائي.
الفيلم، الذي أخرجه أبو بكر شوقي، تناول قضية مرضى الجذام بأسلوب يجمع بين الكوميديا والمأساة، مسلطًا الضوء على معاناة شريحة مجتمعية مهمشة، ومقدمًا تجربة إنسانية مؤثرة.
قصة الفيلم، المستوحاة من تجربة حقيقية، تتبع رحلة رجل شفي من الجذام، لكنه لا يزال يحمل آثاره، ليقرر البحث عن جذوره وماضيه برفقة صبي يتيم وحمار بسيط. حظي الفيلم بإشادات عالمية واسعة، حيث وصفته صحيفة الجارديان بأنه عمل مميز يجمع بين الفكاهة والدراما، فيما أشارت "فرانس 24" إلى أن المخرج يمثل أملًا جديدًا للسينما المصرية.
طارق الشناوي: تسعى للتوسع تجاريًا
يؤكد الناقد المصري طارق الشناوي أن الأفلام المستقلة بدأت تخطو خطواتها الأولى نحو الاندماج في السينما التجارية، مشيرًا إلى أهمية استمرار هذا المسار لتحقيق تواصل أعمق مع الجمهور.
وأوضح الشناوي لـ"موقع القاهرة الإخبارية" أن هذه النوعية من الأفلام، مثل فيلم "رفعت عيني للسما"، تحتاج إلى التحول من كونها حالة تقتصر على المهرجانات السينمائية إلى حالة جماهيرية واسعة النطاق، خصوصًا أن هذه الأفلام لا تزال تواجه تحديات في تحقيق وجود شعبي كبير داخل دور العرض السينمائية، مشددًا على أن الطريق لتحقيق ذلك يبدأ بالتراكم الفني والاعتياد الجماهيري على اللغة السينمائية الجديدة التي تقدمها هذه الأعمال.
يشدد الناقد المصري على أهمية دعم الموزعين لهذه الأفلام، خصوصًا أن العرض التجاري يتطلب ضمان تحقيق عائد مادي يشجع على تقديم المزيد منها، مشيرًا إلى أن الأفلام المستقلة غالبًا ما تقدم أفكارًا وأساليب مغايرة للسينما التقليدية، مستشهدًا بالفيلم المصري "دخل الربيع يضحك" الذي يتسم بطابعه المختلف عن السرد السينمائي التقليدي، والذي لا يعتمد على نجم واحد أو حكاية موحدة، بل مجموعة من الحكايات تحت مظلة درامية واحدة.
يضيف أن مثل هذه الأفكار الجديدة قد تبدو غريبة على المشاهد المصري المعتاد على النمط السينمائي التقليدي، لكن التراكم الفني قد يساهم في تقبل الجمهور لهذا النوع، خصوصًا أنه من المتوقع عرض الفيلم قريبًا في دور السينما، معربًا عن أمله في أن يحقق قبولًا لدى الجمهور.
أوضح أن الأفلام التسجيلية نادرًا ما تحظى بفرصة للعرض التجاري داخل دور السينما، وأن تجربة عرضها تجاريًا لا تزال محدودة عبر تاريخ السينما، مُعربًا عن أمله في أن تجد الأفلام المستقلة والتسجيلية طريقها إلى دور العرض وأن تحقق نجاحًا يضمن استمراريتها.
ماجدة موريس: تحتاج إلى دعم الجمهور والدعاية
تؤكد الناقدة الفنية ماجدة موريس أن السينما المستقلة، تعد تجربة مهمة ومؤثرة في المشهد السينمائي، لافتة إلى أن المشكلة الرئيسية التي تواجه هذه النوعية من الأفلام ليست فقط في عدم قدرتها على جذب جمهور واسع داخل دور العرض السينمائية، بل تتعلق أيضًا بنقص الموارد المخصصة للدعاية والترويج لها.
وأوضحت موريس لـ"موقع القاهرة الإخبارية"، أن الأفلام المستقلة غالبًا ما تعاني من غياب الدعم المادي اللازم لتسويقها، مما يؤثر بشكل مباشر على إيراداتها، بينما تمثّل الدعاية عاملًا حاسمًا في نجاح أي فيلم.
تشير موريس إلى أن طبيعة الأفلام المستقلة تختلف عن السينما التجارية، حيث تركز على تقديم أفكار جديدة وقصص مختلفة تعكس الواقع بشكل مبتكر، إذ تقول: "الجمهور بحاجة لتقبل هذا النوع من السينما؛ لأنه يقدم تجارب سينمائية تخرج عن النمط التقليدي المعتاد مثل القصص العاطفية والدرامية التي تعتمد على النجوم فقط".
كما شددت على أن السينما المستقلة تسعى لتقديم رؤية فنية تعبر عن الواقع والحياة اليومية بشكل أكثر عمقًا، مستشهدة بفيلمي "يوم الدين" و"رفعت عيني للسما" كأمثلة ناجحة استطاعت تحقيق صدى إيجابي؛ رغم صعوبة الظروف الإنتاجية.
تشدد الناقدة المصرية على ضرورة توفير مساحات عرض لهذه الأفلام، سواء في دور السينما أو من خلال شاشات التلفزيون، لزيادة الوعي بأهميتها وتمكين صُنّاعها من الاستمرار، لافتة إلى أن السينما المستقلة تمثل جزءًا أساسيًا من ثقافتنا.