تواجه المملكة المتحدة واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي ضربتها في السنوات الأخيرة، إذ كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن حصيلة ثقيلة خلفتها عاصفة "بيرت"، التي اجتاحت البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، مُخلَّفة وراءها 5 قتلى ومئات المنازل المغمورة بالمياه، في وقت لا تزال فيه السلطات تكافح لاحتواء تداعيات هذه الكارثة الطبيعية التي وصفها المسؤولون بـ"المدمرة".
خسائر بشرية ومادية
وكشفت الصحيفة أن عدة مناطق متفرقة من إنجلترا وويلز شهدت سلسلة من الحوادث المميتة المرتبطة بالعاصفة، إذ في شمال ويلز، انتهت عمليات البحث المكثفة بالعثور على جثة مواطن - 75 عامًا - في نهر كونوي، بعد أن فُقد أثره في المياه الهائجة.
وفي حادث مأساوي آخر، لقي رجل في الستينيات من عمره حتفه بعد سقوط شجرة ضخمة على سيارته في أثناء سيره على طريق سريع قرب مدينة وينشستر.
ولم تتوقف سلسلة المآسي عند هذا الحد، إذ توفي رجل في الثمانينيات متأثرًا بجراحه في المستشفى بعد إنقاذه من سيارة جرفتها المياه في أحد المجاري المائية، فيما نجت امرأة مُسنة كانت برفقته وتم نقلها إلى المستشفى في حالة مستقرة.
وامتدت التداعيات المأساوية للعاصفة لتشمل حادثين آخرين في مناطق متفرقة من إنجلترا.
وفي غرب يوركشاير، لقي شاب - 34 عامًا - مصرعه في حادث سيارة خلال ساعة مبكرة من صباح أول أمس السبت، وفي نورثهامبتونشاير، توفي رجل في الأربعينيات من عمره في حادث على طريق قرب فلور، وإن كانت السلطات لم تؤكد بعد ارتباط هذين الحادثين مباشرة بظروف العاصفة.
Pontypridd this afternoon.
— Dave Throup (@DaveThroup) November 24, 2024
pic.twitter.com/DKSg6hFCGk
كارثة طبيعية
كشفت الأرصاد الجوية البريطانية عن أرقام تعكس حجم الكارثة، إذ جلبت عاصفة "بيرت" ما يعادل 80% من معدل هطول الأمطار المعتاد في شهر نوفمبر بأكمله، خلال أيام معدودة فقط.
وفي قرية كابيل كوريج بشمال ويلز، سجلت المحطات هطول 64.4 ملم من الأمطار في غضون 12 ساعة فقط، مصحوبة برياح عاتية بلغت سرعتها 132 كيلومترًا في الساعة، ما أدى إلى تحول الشوارع إلى أنهار جارفة وإغراق مئات المنازل.
وفي منطقة روندا كينون تاف بجنوب ويلز، اضطرت السلطات المحلية لإعلان حالة الطوارئ، أمس الأحد، بعد أن تجاوزت الأضرار ما خلفته عاصفة دينيس الشهيرة، عام 2020.
وفي السياق ذاته، أعرب رئيس مجلس المقاطعة أندرو مورجان عن دهشته من اكتفاء هيئة الأرصاد الجوية بإصدار تحذير أصفر فقط، قائلًا: "كنا نستعد لاحتمال صدور تحذير برتقالي، السبت الماضي، إلا أن هذا التحذير لم يصدر، لكننا اتخذنا القرار بأنفسنا لتعزيز مواردنا وفتح المستودعات واستدعاء الطواقم. أنا متفاجئ من عدم إصدار تحذير أحمر".
شلل في المواصلات
أدت العاصفة إلى شلل شبه تام في حركة النقل والمواصلات بأنحاء البلاد، وبحسب شركة سيريوم للتحليلات الجوية، تم إلغاء أكثر من 300 رحلة جوية من المطارات البريطانية، وكان مطار هيثرو الأكثر تضررًا، إذ تسببت الرياح العرضية التي وصلت سرعتها 40 ميلًا في الساعة في اضطراب حركتي الإقلاع والهبوط، أمس الأحد.
وعلى صعيد النقل البري، تعرضت شبكة السكك الحديدية لاضطرابات واسعة النطاق، إذ اضطرت السلطات إلى تعليق حركة القطارات بين بروكسبورن في هيرتفوردشاير ومطار ستانستد بعد سقوط العديد من الأشجار وإلحاق أضرار بالأسلاك الكهربائية العلوية.
وأعلنت شركة Southern للسكك الحديدية، التي تدير خدمات القطارات في جنوب شرق إنجلترا، إلغاء وتعديل العديد من رحلاتها اليوم الاثنين، بسبب الأحوال الجوية السيئة، خاصة على شبكتها في لندن والساحل الغربي بين هافانت وساوثهامبتون.
وامتدت آثار العاصفة لتطال البنية التحتية في عموم البلاد، إذ تعرض نحو 350 ألف منزل في إنجلترا لانقطاع التيار الكهربائي، وإن تمكنت فرق الصيانة من إعادة التيار إلى معظمها لاحقًا.
وفي مشهد يعكس حجم الكارثة، غمرت مياه نهر سيفرن الفائض عن ضفافه نادي وورسيسترشاير للكريكيت، في حين تحولت العديد من الطرق إلى بحيرات، وارتفعت مستويات المياه في بعض المناطق لتتجاوز ارتفاع السيارات.
وكانت مدينتا بونتيبريد قرب كارديف وتنبري ويلز في وورسيسترشاير من أكثر المناطق تضررًا، إذ أفادت خدمة الإطفاء ومجلس جنوب جلوسيسترشاير عن فيضانات في العديد من المناطق بالمنطقة.
ولا تزال أكثر من 200 تحذير من الفيضانات سارية في إنجلترا وويلز، ما يشير إلى استمرار المخاطر وضرورة توخي الحذر.
جهود إنقاذ متواصلة
في خضم هذه الأزمة، برزت استجابة رسمية وشعبية واسعة النطاق، وشكر رئيس الوزراء كير ستارمر، خدمات الطوارئ في منشور على منصة "أكس"، مؤكدًا تواصله مع الوزير الأول الويلزي إلونيد مورجان.
من جانبها، وصفت مورجان الوضع بقولها: "كان نهاية أسبوع صعبة للغاية وأود أن أشكر خدمات الطوارئ على كل الدعم الذي يقدمونه للمتضررين، أعتقد أن هذه هي المرة الثانية التي يعاني فيها الكثيرون نتيجة العاصفة، لقد كانت هناك استثمارات ضخمة منذ العاصفة الأخيرة، لذا تمكنا من حماية الكثير من الممتلكات أكثر من المرة السابقة. لكن من الواضح أن هذا مدمر تمامًا، خاصة قبل عيد الميلاد لأولئك الذين تضرروا".