في مشهد متصاعد من التوتر بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ووسائل إعلامه، قررت الحكومة بالإجماع قطع علاقتها مع صحيفة "هآرتس"، التي تعد واحدة من أبرز الصحف الإسرائيلية، بعد تصريحات مثيرة للجدل أطلقتها الصحيفة، وهي خطوة أثارت نقاشًا حادًا حول حرية التعبير ودورها في سياق الأمن القومي والسياسة.
قرار بمقاطعة "هآرتس"
في اجتماع للحكومة الإسرائيلية، وافق الوزراء على اقتراح وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كاراي بمنع أي تعاون مع صحيفة "هآرتس" أو تمويلها من قبل الجهات الحكومية، متهمين إياها بمزاعم حول تهديد الصحيفة لشرعية دولة الاحتلال.
جاء القرار بعد تصريحات لمدير الصحيفة، عاموس شوكن، في مؤتمر عُقد بلندن، وصف فيه بعض الفلسطينيين بـ"المناضلين من أجل الحرية" وانتقد سياسات الحكومة الإسرائيلية، معتبرًا أنها تعزّز الاستيطان وتفرض "نظام فصل عنصري" على الفلسطينيين، متهمين إياه بدعم الإرهاب والدعوة إلى فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية.
أوضح القرار الرسمي الإسرائيلي أن "الحكومة لا يمكن أن تموّل صحيفة يدعم ناشرها أعداء الدولة ويدعو إلى فرض عقوبات عليها"، مشيرًا إلى أن ذلك يتعارض مع مصالح إسرائيل في الداخل والخارج.
نقاشات حادة في جلسة الحكومة
شهد الاجتماع الحكومي نقاشًا ساخنًا حول القرار، حيث اعترض ممثل المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية على الإجراء، مشيرًا إلى أن الأمر "يتطلب فحصًا شاملاً" لتحديد حدوده القانونية ومدى تأثيره على حرية التعبير.
وزير الاتصالات "كاراي" ردّ قائلًا إنه سبق وقدّم أمثلة عديدة عن "تحريض" الصحيفة ضد الدولة، بينما أكد وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين أن تصريحات مدير صحيفة "هآرتس" تستدعي اتخاذ "إجراءات عقابية وجنائية".
من جهة أخرى، حذّر وزراء مثل عميحاي شكلي وزير الشتات في حكومة الاحتلال، وبتسلئيل سموتريتش وزير مالية الاحتلال، من أن الخطوات الجنائية قد تعزّز مكانة الصحيفة بدلًا من معاقبتها، مشددين على أهمية التفرقة بين "حرية التعبير" و"حرية التمويل".
ردود فعل الساحة الإعلامية
أثارت تصريحات "شوكن"، التي جاءت في أكتوبر الماضي، موجة انتقادات داخلية ودولية، حيث أعلنت وزارات حكومية عديدة وقف تعاونها مع "هآرتس"، من بينها وزارة التربية والتعليم ووزارة المالية.
على الجانب الآخر، أثار القرار الحكومي غضب العديد من الصحفيين والإعلاميين الذين انتقدوا هذه الخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبروها انتهاكًا لحرية الصحافة.
في المقابل، نشر "شوكن" ردًا على موقعه الإلكتروني، أقر فيه بأن تصريحاته كانت بحاجة إلى توضيح، موضحًا: "كان ينبغي أن أقول: المناضلون من أجل الحرية الذين يستخدمون أيضًا أساليب الإرهاب ويجب محاربتهم".
بين حرية التعبير والسياسة
هذه القضية تسلّط الضوء على النقاش المستمر في إسرائيل حول حدود حرية التعبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتقادات توجه للحكومة أو الجيش، ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن بعض التصريحات الإعلامية تمس شرعية الدولة، يجادل آخرون بأن فرض القيود على الإعلام يهدد أسس الديمقراطية.
يبقى قرار الحكومة الإسرائيلية بقطع علاقتها مع "هآرتس" علامة فارقة في العلاقة المتوترة بين الحكومة ووسائل الإعلام. وبينما يستمر الجدل حول تأثير هذه الخطوة على حرية الصحافة، تبقى تساؤلات عميقة حول الموازنة بين الأمن القومي وحرية التعبير في إسرائيل.