تُعَدُّ المحاكم الدولية ساحة للعدالة الإنسانية، إذ تُقدَّم الجرائم البشعة للمساءلة في سبيل حماية الشعوب والأوطان، لكن ماذا يحدث عندما يصبح القانون مسرحًا للنزاعات السياسية؟
أثارت مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت جدلًا واسعًا بين السياسة والقانون، وبرزت تساؤلات حول حدود السلطة الدولية ومدى تأثيرها في سياقات النزاعات الدولية.
موقف أمينة المظالم الإسرائيلية
أدانت المستشارة القانونية لحكومة الاحتلال الإسرائيلية، غالي بهار ميارا، وفق "يديعوت أحرنوت" العبرية، قرار المحكمة الجنائية الدولية، واصفةً إياه بأنه يفتقر إلى "أي سلطة"، واعتبرت أن المحكمة -التي أُنشئت للتعامل مع الجرائم الأشد خطورة- أخطأت في تحقيق دورها التاريخي المفترض، وأن القرار لا يقوم على أسس قانونية سليمة، ووصفته بأنه "خاطئ ومؤسف"، حسب زعمها.
وزعمت "ميارا" أنَّ إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين في دولة ديمقراطية يتعارض مع مبدأ التكامل في القانون الدولي، وأن إسرائيل -باعتبارها دولة ديمقراطية- تمتلك آليات مستقلة ومحايدة للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الدولية، سواءً كانت سياسية أو تتعلق بالحالات الفردية، مشيرة إلى أن إسرائيل ستدرس خياراتها القانونية للرد على هذا القرار.
تخوف إسرائيلي من التصعيد
في إسرائيل، هناك قلق متزايد من احتمالية توسيع نطاق مذكرات الاعتقال ليشمل شخصيات أخرى، مثل رئيس الأركان أو ضباط وجنود إضافيين، وأعربت مصادر إسرائيلية، وفق "يديعوت أحرنوت" عن مخاوفها من أن تصدر المحكمة أوامر اعتقال سرية، ما يزيد من تعقيد المشهد.
واعتبر بعض المسؤولين الإسرائيليين أن نشر هذه المذكرات علنًا هو جزء من "اللعبة السياسية"، ولكنه قد يصبح أكثر خطورة إذا أصدرت المحكمة أوامر سرية للوصول إلى ما تعتبره الحقيقة.
رفض واتهامات
وردَّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على مذكرات الاعتقال واصفًا القرار بأنه "معادٍ للسامية"، مشبهًا إياه بمحاكمة دريفوس الشهيرة، وأكد البيان أن إسرائيل ترفض هذه الاتهامات التي وصفها بـ"السخيفة والكاذبة".
ووصف مكتب نتنياهو المحكمة بأنها هيئة سياسية منحازة، مشيرًا إلى أن الحرب التي شنتها إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 جاءت ردًا على ما وصفه بـ"الهجوم الدموي والمجزرة الكبرى" التي نفذتها حركة حماس، حسب مزاعمه.
إلى أين يتجه القانون الدولي؟
نصت مذكرة المحكمة على أن نتنياهو وجالانت يتحملان مسؤولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التجويع كوسيلة للحرب، والقتل، والاضطهاد، وأعمال لا إنسانية أخرى. ورغم ذلك، يرى معارضو القرار أن المحكمة تجاوزت حدود سلطتها، ويفتح ذلك الباب لمزيد من النزاعات حول الشرعية الدولية والسيادة الوطنية.
وتسلط مذكرة الاعتقال الضوء على التحديات التي تواجه القانون الدولي في تفاعله مع القضايا السياسية الشائكة، وفي ظل التوتر القائم بين إسرائيل والمحكمة الجنائية الدولية، يبرز السؤال الأهم: هل يستطيع القانون الدولي تحقيق العدالة بدون الانحياز السياسي، أم أن السياسة ستظل تؤثر على مسار العدالة الدولية؟