عشق زكريا أحمد التواشيح الدينية، التي كان يستمع إليها في طفولته مع والده؛ ليصبح أحد أبرز الملحنين في تاريخ الموسيقى المصرية والعربية، إذ ولد الملحن المصري الراحل في مثل هذا اليوم عام 1896 في نفس العقد الذي شهد ميلاد بعض من أبرز الملحنين والمجددين في الموسيقى ومنهم الراحل سيد درويش.
التحق الملحن زكريا أحمد في فترة شبابه بالأزهر الشريف؛ ليدرس هناك بناء على رغبة والده، لكنه كان حريصًا على سماع أغاني المطرب الشهير وقتئذ عبده الحامولي وغيره من كبار المطربين وترديد بعضها مع أصدقائه، ليزيد ولعه بالموسيقى، لكنه اصطدم باعتراض والده على رغبته في دخول مجال الفن، حتى نجح في إقناعه في النهاية، ليبدأ أولى خطواته الفنية بالالتحاق بفرقة سيد درويش، ثم بدأ عام 1924 في تلحين عدد من الأغاني بالمسرح الغنائي مع فرق علي الكسار ونجيب الريحاني وغيرها من الفرق، ليبلغ عدد إبداعاته في هذا المجال نحو 65 عملًا مسرحيًا.
ومع ظهور أول فيلم غنائي عام 1932 لحن زكريا أحمد أغنياته، وذاع صيت موسيقاه، خصوصًا مع الألحان البدوية التي منحته شهرة في البلاد العربية، ومنها لحنه لأغنية "غني لي شوي".
زكريا أحمد وأم كلثوم
تميز شيخ الملحنين بقدرته على تسخير الجملة اللحنية لصالح صوت المطرب المؤدي للأغنية، وتعد أعماله مع كوكب الشرق أم كلثوم أبرز الأغاني في تاريخه، بدأها بأغنية "اللى حبك يا هناه" ثم تبعها بـ "القلب يعشق كل جميل"، "عن العشاق سألوني"، و"الورد جميل"، و"أهل الهوى يا ليل"، و "هو صحيح الهوى غلاب" التي تعد آخر أغنية قدمها معها عام 1960 وفارق الحياة بعدها بعام واحد.
يُصنف زكريا أحمد بأنه من الفنانين المشايخ الذين ظهروا في القرن الـ19 ولكن عشق المُلحن الراحل للأغاني الشرقية التي أجاد فيها بشدة، لم يمنعه من مواكبة الموسيقى العالمية والغربية دون أن يقع في فخ النقل والاقتباس، ومنها تأثره بموسيقى الفالس – قالب إيقاعي راقص- نراه واضحًا في أغنية "الورد جميل" لأم كلثوم التي غناها بصوته فيما بعد وهو في الـ60 من عمره ضمن ليالي غنائية يعرضها التليفزيون المصري تحت عنوان "مُلحن يغني"، كما قدّم بصوته أيضا أغنيته الشهيرة "يا صلاة الزين" ومن شدة براعته في تأديتها غناها المطربون بعده بنفس أدائه.
كما قدم زكريا أحمد بعض الألحان "الفرانكو أراب" خصوصًا في المسرح الغنائي مع نجيب الريحاني، إضافة إلى أنه يُعد من أبرز الملحنين المطورين في قالب "الطقطوقة" الموسيقي.
زكريا أحمد وسيد درويش
كان زكريا أحمد عاشقًا لأعمال سيد درويش، ويشترك الاثنان في أن معظم أعمالهما من شعر العامية، حتى أنه بعد رحيل درويش تكفل بفرقته الموسيقية وأخذ الكثير منهم للعمل معه، ومن شدة تأثره بالفنان الراحل سيد درويش وحبه لأعماله تعاون مع صديقه الشاعر بيرم التونسي عقب ذلك في العديد من الأعمال خصوصا البدوية ومنها "قولي ولا تخبيش يا زين".
كانت الألحان تتداعى إلى ذهن زكريا أحمد في أي وقت، سواء في سهرة لطيفة مع أم كلثوم تجمع عدد من الأصدقاء ليُلحن "حبيبي يسعد أوقاته"، أو في جنازة شاب وسط بكاء من أهله لرحيله في سن صغير، ليعود إلى بيته ملحنا "ياما أمر الفراق"، وصار حتى أيامه الأخيرة عاشقًا للتلحين حتى توفي عن عمر 65 عامًا.