مع تفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة، تقوم عصابات منظمة بسرقة الكثير من المساعدات القليلة التي يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها إلى القطاع، بل وتعمل بحرية في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال، وفقًا لتقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
ونقل التقرير عن عدد من مسؤولي مجموعات الإغاثة، وعاملين في المجال الإنساني، وشركات نقل، وشهود؛ إن عمليات النهب الإجرامية أصبحت العائق الأكبر أمام توزيع المساعدات في النصف الجنوبي من غزة، موطن الغالبية العظمى من النازحين الفلسطينيين.
كما قال عمّال الإغاثة وشركات النقل إن عصابات مسلحة من الرجال قتلت وضربت واختطفت سائقي شاحنات المساعدات في المنطقة المحيطة بمعبر كرم أبو سالم، وهو نقطة الدخول الرئيسية إلى جنوب غزة.
ويقول عدد من السكان إن اللصوص، الذين أداروا عمليات تهريب السجائر، يسرقون الآن أيضًا الطعام وغيره من الإمدادات.
وبدلًا من الاعتراف بتجويع السكان، برّر قسم الشؤون المدنية التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة القيود المفروضة على تدفق السلع بزعمه، مرارًا وتكرارًا، أن حركة حماس تسرق المساعدات وتمنعها من الوصول إلى المدنيين.
وفي حين تحثُّ واشنطن إسرائيل على السماح بدخول المزيد من الشاحنات إلى غزة، أصبح النهب هو العقبة الأكبر أمام توزيع المساعدات المحدودة التي تصل بالفعل، وفقًا لما نقلته "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي، الذي أكد أن حماس ليست وراء الهجمات "وهو التقييم الذي شاركه على نطاق واسع الذين يعملون على الأرض"، حسب الصحيفة.
وقال مسؤول من منظمة مساعدات دولية كبرى: "لم نر أي تدخل مادي من حماس في أي مكان في برامجنا، شمالًا أو جنوبًا".
إحسان سلبي
في الشهر الماضي، خلصت مذكرة داخلية للأمم المتحدة إلى أن العصابات ربما تستفيد من "إحسان سلبي إن لم يكن نشطًا"، أو "حماية" من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذكرت المذكرة أن أحد زعماء العصابات أنشأ "مجمعًا عسكريًا" في منطقة "مقيدة وخاضعة لسيطرة ودوريات جيش الاحتلال الإسرائيلي".
وتقول منظمات الإغاثة إن السلطات الإسرائيلية رفضت معظم طلباتها باتخاذ تدابير أفضل لحماية القوافل، بما في ذلك المناشدات بتوفير طرق أكثر أمانًا، وفتح المعابر، والسماح لشرطة غزة المدنية بحماية الشاحنات، بينما تجاهلت القوات الإسرائيلية -التي كانت على مرمى البصر من الهجمات- التدخل أثناء استمرار عمليات النهب.
وفي أحدث عملية نهب كبيرة، تعرّضت 98 شاحنة من أصل 109 شاحنات تحمل مساعدات غذائية من الأمم المتحدة من معبر كرم أبو سالم للنهب من قِبل رجال مسلحين ليل السبت الماضي، وفقًا لوكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة.
وبينما أطلق اللصوص النار على الشاحنات واحتجزوا سائقًا لساعات، أشارت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن الهجوم تسبب في "إصابات للعاملين" و"أضرار جسيمة في المركبات".
وتقول منظمات الإغاثة إن ما بدأ في الربيع كظاهرة عشوائية إلى حد كبير من المدنيين اليائسين الذين يسرقون من الشاحنات، تحوّل الآن إلى مؤسسة إجرامية منظمة، وأصبحت العصابات المسؤولة عن ذلك أكثر عنفًا وقوة.
وفي أكتوبر الماضي، انخفضت كمية المساعدات التي تصل إلى سكان غزة إلى أدنى مستوياتها منذ المراحل الأولى من الحرب، حتى مع مطالبة المسؤولين الأمريكيين إسرائيل بزيادة المساعدات.
وفي حين أن التهديد بالمجاعة أشد في الشمال، فإن السكان بالكامل يواجهون الآن انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما وجدت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة هذا الشهر.
صعود العصابات
في فبراير الماضي، بدأ النظام المدني في غزة الانهيار، حيث استهدفت إسرائيل ضباط الشرطة المدنية الذين كانوا يحرسون القوافل الإنسانية، مستشهدة بانتمائهم إلى الحكومة التي تديرها حماس.
هكذا، بدأ المدنيون اليائسون والمجرمون في الاندفاع نحو الشاحنات لسرقة الإمدادات، ما تسبب في تباطؤ عمليات التسليم. وفي البداية، وفقًا لعمّال الإغاثة، كان العديد من اللصوص من الناس الجائعين الذين يحاولون إطعام أسرهم.
وفي مايو الماضي، استولت إسرائيل على معبر رفح الحدودي -الذي كان شريان الحياة الرئيسي لغزة- وأغلقته، ما أدى إلى تقليص عدد شاحنات المساعدات القادرة على دخول القطاع. وتحولت أغلب حركة المساعدات الإنسانية إلى معبر كرم أبو سالم.
وبحلول الصيف، ازدهرت تجارة السوق السوداء في السجائر المهربة -التي حظرتها إسرائيل من دخول غزة أثناء الحرب- حيث هاجمت العصابات المنظمة الشاحنات للبحث عنها "وأصبح التبغ شكلًا مهيمنًا من أشكال العملة".
ووفقًا لجورجيوس بيتروبولوس، رئيس مكتب غزة التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن علبة السجائر التي تحتوي على عشرين سيجارة تباع الآن بنحو ألف دولار أمريكي.
ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إنهم طلبوا من إسرائيل، مرارًا وتكرارًا، الحد من تهريب السجائر أو السماح بدخولها بشكل قانوني لتخفيف وباء النهب، لكن المناقشات كانت بلا جدوى.
وخلال الصيف، خسرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية 25.5 مليون دولار من السلع الإنسانية بسبب النهب.
ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لمجموعة تضم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والدول المانحة -بما في ذلك الولايات المتحدة- فإن ما يقرب من نصف المساعدات الغذائية التي نقلها برنامج الغذاء العالمي على طول طريق جنوب غزة، التي تقلصت بالفعل، قد سُرقت.
وقال أحد العاملين الدوليين في مجال المساعدات إن العصابات "اعتادت التخلص من المساعدات على الطريق ليلتقطها المدنيون بعد العثور على السجائر المخبأة".
وأضاف: "الآن، في كثير من الحالات، يختطفون الشاحنة بأكملها ويأخذونها إلى مستودع لإعادة بيع المواد الغذائية والسلع الأخرى بأسعار باهظة في السوق السوداء".