يواجه شمال قطاع غزة واحدة من أصعب المراحل في تاريخه المعاصر، إذ يتواصل العدوان الإسرائيلي في المنطقة للشهر الرابع عشر على التوالي، وسط تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسكان المحاصرين، في هذا الصدد كشفت صحيفة نيويورك تايمز، عن تفاصيل جديدة عن حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان المنطقة، وعن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي تبدو غير واضحة المعالم والأهداف.
جرائم حرب موثقة وإبادة ممنهجة
كشف الصحيفة عن نمط متكرر من الهجمات العشوائية على المدنيين في شمال غزة، إذ تستهدف القوات الإسرائيلية المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس دون تمييز.
وفي حادثة مروعة وثقتها الصحيفة، استهدفت القوات الإسرائيلية مبنى سكنيًا من خمسة طوابق في 29 أكتوبر، بحجة رصد مقاتل على سطحه، متجاهلة وجود عشرات العائلات النائمة داخله.
وأسفر القصف عن استشهاد 83 شخصًا، معظمهم من الأطفال، في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الحرب الإسرائيلية.
ويروي صحفي يدعى "أحمد"، الذي وثق المجزرة لوكالة "فرانس برس"، مشاهد مروعة عن كيفية نقل 93 جثة على عربات تجرها الحمير إلى مقبرة جماعية، قائلًا بألم: "اضطررنا لوضع كل ثلاث جثث فوق بعضها البعض.. حتى الموت بكرامة أصبح ترفًا في غزة".
وأضاف أن نقص الرمال اضطرهم لتغطية القبر بالبلاط لحماية جثث الشهداء من الكلاب الضالة.
سياسة تجويع وحصار شامل
في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني، تواصل القوات الإسرائيلية فرض حصار خانق على شمال غزة، مانعة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المحاصرين.
وحذرت الأمم المتحدة في الثامن من نوفمبر من أن المجاعة باتت "وشيكة" في المنطقة، في حين تتجاهل إسرائيل حتى المطالب الأمريكية بالسماح بدخول المساعدات.
وفي شهادة مؤلمة، يقول حسام الشريف (46 عامًا)، وهو أب لأربعة أطفال في جباليا: "أصبحنا نرى الموت البطيء يأخذ أطفالنا وأحباءنا. أي إصابة بسيطة تعني حكمًا بالإعدام في ظل منع الاحتلال وصول الطواقم الطبية إلينا".
استهداف ممنهج للمنظومة الصحية
وثقت نيويورك تايمز استهداف القوات الإسرائيلية المتعمد للمنشآت الطبية، حيث تعرض مستشفى كمال عدوان في جباليا للقصف ثلاث مرات خلال خمسة أيام فقط.
وفي مشهد يعكس وحشية الاستهداف، دمرت غارة إسرائيلية إمدادات طبية كانت سلمتها منظمة الصحة العالمية قبل أيام معدودة، في انتهاك صارخ لحرمة المنشآت الطبية وقواعد القانون الدولي.
ويصرخ الدكتور حسام أبو صفية، مدير المستشفى، طالبًا النجدة: "نشاهد مرضانا يموتون أمام أعيننا دون أن نستطيع إنقاذهم. نفتقر لأبسط المستلزمات الطبية والجراحين، فيما يواصل الاحتلال استهداف ما تبقى من منظومتنا الصحية المنهارة".
مخطط تهجير قسري
كشفت الحصيفة عن مخطط إسرائيلي خطير لتهجير سكان شمال غزة قسريًا، إذ لم يتبق في المنطقة سوى 15 ألف شخص من أصل أكثر من 400 ألف نسمة، مشيرة إلى أن الحكومة الاحتلال درست خطة لطرد السكان المتبقين عبر تجويعهم وقطع المياه عنهم، في جريمة حرب جديدة تضاف إلى سجلها الأسود.
وفي الوقت الذي تزعم فيه إسرائيل أنها تستهدف حركة حماس، تكشف الوقائع على الأرض عن استهداف ممنهج للمدنيين وبنيتهم التحتية، إذ أدت الغارات الإسرائيلية إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية في المنطقة، وانهيار المنظومة الصحية والإنسانية، في محاولة واضحة لجعل المنطقة غير صالحة للحياة.
وتؤكد المنظمات الإنسانية الدولية أن ما يجري في شمال غزة، يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مع استمرار سياسة العقاب الجماعي والقتل العشوائي للمدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، في تجاهل تام لكل المناشدات والقرارات الدولية.