في ظل تحولات سياسية دولية ومتغيرات إقليمية متسارعة، تبرز قضية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية كواحدة من أكثر الملفات إثارة للجدل، وتسعى دولة الاحتلال من خلال شخصيات بارزة في حكومتها لدفع مخطط السيادة على "الضفة الغربية"، مستغلة عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية.
وفي هذا السياق، تجمع المستوطنون وعدد من الشخصيات في الحزب الجمهوري الأمريكي على هدف مشترك يبدو أنه يهدد بإعادة تشكيل معادلات الصراع في المنطقة.
تحركات المستوطنين والجمهوريين
اجتمع رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لوضع خطة عمل تستهدف استثمار عودة ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يتوقعون دعمًا قويًا لتطبيق السيادة الإسرائيلية على "الضفة الغربية".
في هذا السياق، قاد يوسي داغان، رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة، جهودًا دبلوماسية مكثفة في الولايات المتحدة شملت لقاءات مع أعضاء بارزين في الحزب الجمهوري.
جمهوريون مؤيدون لإسرائيل
خلال تلك اللقاءات، صرّحت عضوة مجلس النواب الأمريكي، كلوديا تيني، بدعمها لمبادرات الاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية كجزء لا يتجزأ من إسرائيل، معربة عن حماستها للتعاون مع الإسرائيليين، في حين أشار السيناتور بيت ريكيتس إلى أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون صديقة لإسرائيل بشكل أوضح مما كانت عليه الإدارة السابقة.
أما عضو مجلس النواب آندي هاريس، فأعلن بوضوح أن حل الدولتين لم يعد واقعيًا، مشددًا على أن الحل الوحيد لتحقيق السلام المستدام يتمثل في قبول الضفة الغربية كجزء من دولة إسرائيل.
خطوات إسرائيلية لفرض السيادة
داخل إسرائيل، عبّرت شخصيات بارزة في الحكومة عن رغبتها في استغلال الفرص السياسية المتاحة. فوزيرة الاستيطان أوريت ستروك شدّدت على أن العمل يجري على قدم وساق لإعلان السيادة الإسرائيلية على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، معتبرة ذلك خطوة أساسية لتثبيت السيطرة الإسرائيلية.
من جانبه، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن عام 2025 سيكون "عام السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية، مؤكدًا أن انتخاب ترامب يعزز من فرص تحقيق هذا الهدف. في الوقت نفسه، عبّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن دعمه لمخططات الضم، مشيرًا إلى أن العمل عليها جاهز للتنفيذ.
موقف المجتمع الدولي
في المقابل، يواجه هذا التصعيد رفضًا واسعًا من المجتمع الدولي، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، دعا إسرائيل إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
كما أدانت مصر، في بيان رسمي، تصريحات سموتريتش المتعلقة بفرض السيادة، واصفة إياها بالمتطرفة وغير المسؤولة.
قراءة تحليلية
يرى مراقبون أن دعم ترامب لإسرائيل قد يغير قواعد اللعبة في المنطقة، لكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة، من جهة، يمكن لمخططات الضم أن تعزز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، لكنها من جهة أخرى تزيد من تعقيد الوضع وتفتح الباب أمام تصعيد أوسع للصراع.
المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، يقف أمام تحدٍ كبير لضمان تحقيق سلام عادل وشامل، في ظل سياسة إسرائيلية لا تزال تتجاهل دعوات إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
بين التأييد الأمريكي والتصعيد الإسرائيلي والرفض الدولي، تظل قضية المستوطنات واحدة من القضايا المحورية التي تشكل مستقبل القضية الفلسطينية. وفي ظل هذا التباين، يبقى التساؤل مطروحًا: هل ستقود هذه التحركات إلى تغيير جذري في موازين القوى، أم أنها ستظل عائقًا أمام تحقيق سلام مستدام في المنطقة؟