في عالم تتقاطع فيه السياسة مع أسواق المال العالمية، يظل الذهب مركز الجذب للمستثمرين الذين يبحثون عن الاستقرار في خضم الفوضى، هذا المعدن النفيس الذي لا يفقد بريقه أبدًا، أصبح رمزًا للتحوط من تقلبات الاقتصاد العالمي، حيث تتزايد التوقعات بشأنه في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المتغيرة.
ويبرز تقرير جولدمان ساكس الأخير، وفق "بلومبرج" توصيته للمستثمرين بالاتجاه نحو الذهب، مع توقعات بوصول أسعاره إلى مستويات قياسية جديدة.
الحصن الآمن في زمن الأزمات
توصي مؤسسة "جولدمان ساكس" المستثمرين بالتوجه نحو الذهب، معتبرةً إياه من أكثر السلع الموصى بها لعام 2025، وأشارت إلى أن الذهب قد يصل إلى سعر قياسي يبلغ 3000 دولار للأوقية نهاية عام 2025، بعد أن بلغ مستوى 2580 دولارًا للأوقية مؤخرًا.
وجاء هذا التوقع بعد ارتفاع المعدن النفيس إلى 2790 دولارًا في الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى له حتى الآن.
مشتريات البنوك وخفض الفائدة
وأرجع محللون في "جولدمان ساكس" هذا الارتفاع المتوقع إلى عدة عوامل، أبرزها الزيادة في مشتريات البنوك المركزية التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على السندات الأمريكية، وسط مخاوف من العقوبات الاقتصادية واستدامة الديون الأمريكية، كما أشاروا إلى خفض أسعار الفائدة المتوقع في الولايات المتحدة، مما يعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن.
وأثار فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية مخاوف بشأن الاستقرار الاقتصادي، وتوقع المحللون أن تؤدي سياسات ترامب الداخلية إلى زيادة التضخم والعجز في الميزانية الأمريكية.
وأشار تقرير "جولدمان ساكس" إلى أن هذه السياسات قد تدفع البنوك المركزية إلى تحويل احتياطياتها من السندات الأمريكية إلى الذهب، مما يزيد من الطلب ويرفع الأسعار.
التضخم والسياسات النقدية
أدت السياسات النقدية غير التقليدية إلى تآكل ثقة البنوك المركزية في سندات الخزانة الأمريكية، ووفقًا للتقرير، فإن التدخل السياسي المحتمل من جانب الإدارة الأمريكية في أعمال بنك الاحتياطي الفيدرالي المستقل قد يزيد من حدة التضخم ويؤثر سلبًا على مصداقية الأصول النقدية.
وتوقع تقرير "جولدمان ساكس" أن يتراوح سعر خام برنت بين 70 و85 دولارًا للبرميل في العام المقبل، مشيرةً إلى وجود مخاطر تتعلق بالصادرات النفطية الإيرانية إذا تحركت الإدارة الأمريكية ضدها، وبينما تشهد أسواق النفط بعض الاستقرار، يبقى الذهب الخيار الأول للتحوط في مواجهة التوترات الجيوسياسية والاقتصادية.
التحديات في أداء أسهم الذهب
رغم الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، لم تشهد أسهم شركات تعدين الذهب مثل "نيومونت كورب" الأداء المرجو، وعلى العكس، تفوقت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب مثل SPDR Gold Shares ETF، التي ارتفعت بنسبة 26% هذا العام.
وتواصل أسعار الذهب ارتفاعها، مدفوعة بمخاوف المستثمرين بشأن التضخم والاستقرار المالي، ومع استمرار تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية، يبدو الذهب مستعدًا للحفاظ على مكانته كملاذ آمن.
في نهاية المطاف، يلعب الذهب دورًا محوريًا في حماية الثروة من تقلبات الأسواق، وهو ما يدفع المستثمرين إلى التمسك به كأداة استراتيجية في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.