كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن تفاصيل استراتيجية الرئيس المنتخب دونالد ترامب في استقطاب العمال الأمريكيين، رغم التناقضات العميقة بين خطابه المؤيد للعمال وسجله التاريخي في التعامل مع قضاياهم.
وحقق المرشح الجمهوري دونالد ترامب فوزًا ساحقًا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي توجه إلى صناديق اقتراعها الملايين من الأمريكيين ليفوز بولاية رئاسية ثانية.
تحول تاريخي
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا في العلاقة بين الحزب الجمهوري والطبقة العاملة الأمريكية، إذ إنه وفقًا لـ"وول ستريت جورنال"، فقد نجح ترامب في جذب شرائح واسعة من العمال ذوي الياقات الزرقاء بعيدًا عن الحزب الديمقراطي، معقلهم التقليدي لعقود طويلة.
ويأتي هذا التحول في إطار استراتيجية أوسع تبناها ترامب لإعادة تشكيل الخريطة السياسية الأمريكية، معتمدًا على خطاب شعبوي يستهدف هموم الطبقة العاملة ومخاوفها.
وتجلى هذا التحول بوضوح في حملته الانتخابية الأخيرة، إذ قام بخطوة غير مسبوقة في تاريخ الحزب الجمهوري بدعوة شون أوبراين، رئيس نقابة سائقي الشاحنات، للتحدث في المؤتمر الوطني الجمهوري.
وكثف من خطابه المناصر للعمال، واعدًا بحماية مصالحهم وتحسين ظروف عملهم، في تناقض صارخ مع المواقف التقليدية للحزب الجمهوري المعروف بمعاداته للنقابات العمالية.
صراع الهوية داخل الحزب الجمهوري
كشفت الصحيفة الأمريكية، عن صراع عميق يدور داخل أروقة الحزب الجمهوري حول مستقبل سياساته العمالية، فمن جهة، يقف المحافظون التقليديون الذين يدافعون عن السياسات الكلاسيكية للحزب المتمثلة في خفض الضرائب والحد من تدخل الحكومة ومعارضة النقابات العمالية.
ومن جهة أخرى، ظهر تيار "اليمين الجديد" الذي يضم شخصيات بارزة مثل نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، الذي يدعو إلى تبني سياسات أكثر تأييدًا للعمال.
وانعكس هذا الصراع في تصريحات ترامب المتناقضة، فبينما يتبنى خطابًا مؤيدًا للعمال في تجمعاته الانتخابية، نجده في مقابلة مع إيلون ماسك يدعو إلى فصل العمال المضربين، ويتذكر بفخر كيف كان "يكره دفع أجور العمل الإضافي" في حياته المهنية السابقة، بحسب الصحيفة.
سجل تاريخي ووعود مستقبلية
خلال فترة رئاسته الأولى، اتخذ ترامب عدة قرارات أثارت انتقادات واسعة من النقابات العمالية، إذ عين محامين سابقين يمثلون مصالح أصحاب العمل في مناصب رئيسية بالمجلس الوطني للعلاقات العمالية، ما أدى وفقًا للمنتقدين إلى تقليص قدرة العمال على المفاوضة الجماعية.
وأصدرت وزارة العمل في عهده قرارًا يخفض عتبة الراتب التي يصبح عندها العامل مؤهلًا للحصول على أجر العمل الإضافي، ما حرم 8 ملايين عامل من هذا الحق، مقارنة بما كان مقترحًا في عهد أوباما.
غير أن التحول الأبرز في السياسة العمالية للحزب الجمهوري يتجلى في مواقف الجيل الجديد من المشرعين المؤيدين لترامب، إذ دعم السيناتور ماركو روبيو جهود تنظيم نقابة في مستودع لشركة أمازون عام 2021، كما قدم تشريعًا يحظر على أصحاب العمل فرض اتفاقيات عدم المنافسة على العمال ذوي الأجور المنخفضة.
وأعلن السيناتور جوش هاولي تخليه عن الحلم الجمهوري القديم المتمثل في إقرار قانون وطني للحق في العمل، وهو هدف لم يعد يظهر في برنامج الحزب.
تحديات المستقبل وآفاق التغيير
أوضحت الصحيفة أن ترامب يواجه تحديًا كبيرًا في التوفيق بين وعوده للطبقة العاملة وبين الضغوط التي يمارسها المحافظون التقليديون في الحزب، إذ يشير أورين كاس، مؤسس مركز أمريكان كومباس للدراسات، إلى أن بعض القرارات التي كانت تتخذ تلقائيًا في الإدارات الجمهورية السابقة، مثل إلغاء العقود الحكومية المؤيدة للنقابات، لن تكون بنفس السهولة هذه المرة.
ومع ذلك، يُبدي مسؤولو النقابات العمالية تشككًا عميقًا في نوايا ترامب، إذ نقلت الصحيفة عن ستيف سميث، المتحدث باسم اتحاد AFL-CIO، تحذيره من أن "صدمة قاسية" تنتظر من صدقوا وعود ترامب، مشيرًا إلى أن الخطاب المؤيد للعمال يخفي وراءه نوايا لمهاجمة الطبقة العاملة.