الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأعاصير وراء تفاقمها.. أزمة جفاف غير مسبوقة تضرب أمريكا

  • مشاركة :
post-title
صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخها الحديث، في ظاهرة مناخية معقدة تتداخل فيها عوامل متعددة، وفي مفارقة مثيرة للدهشة، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن موسم الأعاصير النشط هذا العام، والذي شهد عواصف قوية مثل الإعصارين "هيلين وميلتون"، ساهم بشكل غير مباشر في تفاقم أزمة الجفاف التي تضرب معظم أنحاء البلاد.

جفاف غير طبيعي

وفي الوقت الذي تعاني فيه مناطق أخرى من العالم من فيضانات مدمرة، مثلما حدث في إسبانيا وتايوان، تقف الولايات المتحدة كجزيرة من الجفاف في محيط من الرطوبة العالمية المتزايدة.

وأظهر آخر تقرير صادر عن مراقب الجفاف الأمريكي أن نحو 83% من مساحة البلاد تعاني من ظروف جفاف غير طبيعية.

وتترجم هذه النسبة المذهلة إلى واقع مقلق يؤثر على حياة أكثر من 237 مليون أمريكي، أي ما يعادل سبعة من كل عشرة مواطنين، ويمتد تأثير هذه الظاهرة ليشمل قطاعات حيوية في الاقتصاد الأمريكي، حيث تتأثر 64% من مناطق إنتاج الذرة بشكل مباشر، مما يهدد الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد في واحد من أهم المحاصيل الاستراتيجية.

وتزداد خطورة الوضع في المدن الكبرى، إذ تواجه نيويورك، على سبيل المثال، تحديًا غير مسبوق في إدارة مواردها المائية، إذ انخفضت مستويات المياه في خزانات المدينة إلى 61% من طاقتها الاستيعابية، مقارنة بالمعدل الطبيعي البالغ 79% في هذا الوقت من العام.

ودفع هذا الوضع الخطير السلطات إلى إعلان حالة مراقبة الجفاف في مطلع نوفمبر، بعد أن سجلت المدينة أكثر الأشهر جفافًا في تاريخها منذ بدء التسجيل قبل 155 عامًا.

تفسير علمي للظاهرة

يقدم الخبراء، وفقًا لتحليل واشنطن بوست، تفسيرًا علميًا معقدًا لهذه الظاهرة المناخية الاستثنائية، إذ أدى وجود أنماط من الضغط المنخفض فوق مياه المحيط الأطلسي الاستوائية، المتأثرة بموجات الحرارة البحرية غير المسبوقة، إلى تشكيل حاجز قوي من الضغط المرتفع فوق الولايات الشمالية.

ويعمل هذا الحاجز، كما لو كان إشارة مرور حمراء، تمنع وصول الرطوبة والأمطار إلى المناطق المتضررة، وتزداد المشكلة تعقيدًا مع استمرار ارتفاع درجات حرارة المحيطات، وهي ظاهرة مرتبطة بالتغير المناخي العالمي.

تداعيات اقتصادية وبيئية

وتمتد التأثيرات السلبية لموجة الجفاف لتطال مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والبيئية في الولايات المتحدة، فعلى الصعيد الزراعي، يواجه المزارعون في مناطق واسعة خسائر فادحة في محاصيلهم، مع تقارير عن حصاد ضعيف بشكل استثنائي في ولاية أوهايو وغيرها من الولايات المنتجة للمحاصيل الرئيسية.

وأدت الظروف الجافة المصحوبة برياح قوية إلى تفاقم خطر الحرائق في مناطق عديدة، إذ شهدت مقاطعة أورانج في نيويورك حريقًا هائلًا في منطقة جينينجز كريك امتد على مساحة 5000 فدان، مما دفع المركز الوطني للتنبؤ بالعواصف إلى إصدار تحذيرات متكررة من مخاطر الحرائق، في ظل مستويات رطوبة منخفضة بشكل غير معتاد.

توقعات مستقبلية

يكشف التحليل العلمي أن حل أزمة الجفاف الحالية يتطلب كميات هائلة من الأمطار، إذ سجلت أكثر من 30 ولاية أمريكية عجزًا في معدلات هطول الأمطار يتجاوز 8 بوصات خلال الأشهر الستة الماضية، في نطاق جغرافي واسع يمتد من نيفادا في الغرب إلى ولاية مين في الشرق.

وفي كثير من المناطق، يعادل هذا العجز كمية الأمطار التي تهطل عادة خلال فترة تتراوح بين شهرين وأربعة أشهر.

ويؤكد الخبراء أن الحل الأمثل لا يكمن في الأمطار الغزيرة المفاجئة التي تسبب فيضانات مدمرة، بل في هطول أمطار معتدلة ومستدامة على مدى فترة طويلة، فالأمطار الخفيفة المستمرة تتيح للتربة المتشققة فرصة أفضل لامتصاص المياه، بدلًا من جريانها السطحي الذي قد يسبب مشكلات إضافية.

وتبدو التوقعات المستقبلية مقلقة، إذ تشير تنبؤات المركز الوطني للأرصاد الجوية إلى احتمال استمرار حالة الجفاف، خاصة في الولايات الجنوبية والشرقية.