في تطور يعكس رغبة واضحة في السيطرة على مراكز القرار الرئيسية، شرع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في اتخاذ خطوات جريئة وغير مسبوقة عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، بإعلانه عن فريقه الجديد، مؤكدًا عزمه كسر المعايير التقليدية في اختيار قيادات الحكومة من أجل تحقيق أجندته السياسية التي اصطدمت سابقًا بما يُعرف بـ"الدولة العميقة".
قرارات غير مألوفة
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز النقاب عن هذه القرارات التي ستغير ملامح السياسة الأمريكية، وأشارت إلى أنه في تحرك لم يكن متوقعًا، اختار ترامب شخصيات مثيرة للجدل لتولي ثلاثة من أكثر المناصب حساسية، وهي وزارتا العدل والدفاع ووكالات الاستخبارات، والتي كانت مصدر إحباط كبير له خلال ولايته الأولى، ويتم الآن إعادة تشكيل قيادتها بما يتناسب مع رؤيته.
اختار ترامب مات جايتس، عضو الكونجرس السابق من ولاية فلوريدا المعروف بولائه القوي للرئيس ومواقفه الصدامية، ليشغل منصب وزير العدل، أما وزارة الدفاع فأسندها إلى بيت هيجسيث، المذيع السابق بقناة "فوكس نيوز"، الذي يفتقر إلى الخبرة الإدارية ولكنه يمتلك خلفية عسكرية وولاءً عميقًا لترامب.
ومن جهة أخرى، وقع اختيار ترامب على تولسي جابارد، النائبة السابقة والمنتقدة الصريحة للنظام السياسي الأمريكي التقليدي، لتولي منصب مدير الاستخبارات الوطنية.
وفقًا لـ"نيويورك تايمز"، تبرز هذه التعيينات تحولًا جذريًا في طريقة اختيار المسؤولين الحكوميين، إذ تم التركيز على الولاء الشخصي للرئيس بدلاً من الخبرة التقليدية.
معركة ضد "الدولة العميقة"
خلال حملته الانتخابية، لم يُخفِ ترامب انتقاداته لما وصفه بـ"الدولة العميقة"، وهي شبكة من البيروقراطيين والمسؤولين الذين يُعتقد أنهم يعملون على عرقلة سياساته، وهذه الرؤية انعكست بوضوح في اختيار فريقه الجديد الذي وصفه ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، بأنه "فرقة صاعقة لإحداث تغيير جذري".
وزير العدل المرشح "جايتس"، على سبيل المثال، عبّر عن رؤيته العدائية تجاه مؤسسات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، حتى أنه دعا إلى إلغائها.
وفي السياق ذاته، أكد بانون أن هذا الفريق الجديد مستعد "لإحراق الوضع القائم" والتخلص من أي معارضة داخل الحكومة.
لكن اختيار جايتس أثار ردود فعل متباينة حتى داخل الأوساط الجمهورية، إذ وصف البعض هذا القرار بأنه خطوة تهدف إلى إثارة الجدل واستفزاز المؤسسات التقليدية، وعلّقت أليسا فاراه جريفين، المساعدة السابقة لترامب، بقولها: "إنه يتلاعب بأعصاب أمريكا".
دروس الولاية الأولى
عند مقارنة تعيينات ترامب الجديدة بخياراته خلال ولايته الأولى، يظهر اختلاف جوهري، إذ أشارت الصحيفة إلى أن ترامب في بداية رئاسته عام 2017، اعتمد على شخصيات ذات خبرة طويلة مثل جيف سيشنز في وزارة العدل، وجيم ماتيس في وزارة الدفاع، ودان كوتس كمدير للاستخبارات، إلا أن هذه الشخصيات أظهرت استقلالًا أغضب ترامب وأدى إلى إقالتها أو استقالتها لاحقًا.
جيـف سيشنز، على سبيل المثال، أثار استياء ترامب عندما رفض التدخل في تحقيقات التدخل الروسي في انتخابات 2016، بينما استقال جيم ماتيس بسبب خلافات حول قرارات ترامب الاستراتيجية، مثل الانسحاب من سوريا، أما دان كوتس، فقد دافع عن تقييم وكالات الاستخبارات بشأن تدخل روسيا، مما أثار غضب الرئيس.
الآن، ومع عودته إلى البيت الأبيض، يبدو أن ترامب تعلم من تجاربه السابقة، إذ ركز على اختيار شخصيات تتسم بالولاء المطلق له بغض النظر عن خبراتها التقليدية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن ترامب استغل أخطاء الماضي ليبني فريقًا قادرًا على تنفيذ رؤيته دون مقاومة داخلية.
إعادة توجيه السلطة
ولفتت الصيحفة إلى أنه على الرغم من أن هذه التعيينات تعكس إرادة ترامب في السيطرة، إلا أنها تثير تساؤلات جدية حول قدرة هؤلاء المسؤولين على إدارة مؤسسات ضخمة ومعقدة. فعلى سبيل المثال، يفتقر هيجسيث إلى الخبرة الإدارية اللازمة لقيادة مؤسسة بحجم وزارة الدفاع التي تضم أكثر من مليوني فرد. وبدورها، تولسي جابارد ليس لديها خبرة كافية في إدارة وكالات الاستخبارات رغم خلفيتها العسكرية.
على الجانب الآخر، هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تسييس أكبر لمؤسسات يفترض أنها تعمل باستقلالية عن السياسة، وهو ما حذر منه شخصيات مثل أوليفيا تروي، التي كانت تعمل في إدارة ترامب السابقة، والتي وصفت هذه التوجهات بأنها "إساءة استخدام للسلطة وتحويل المؤسسات إلى أدوات سياسية".