يوسع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته البرية في جنوب لبنان، حيث يرسل قواته إلى قرى أبعد عن الحدود بين جنوب لبنان والمستوطنات الشمالية، فيما يخشى بعض كبار المسؤولين الأمنيين السابقين من أن تتحول العمليات إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، وفق ما ذكرت صحيفة" وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن، أمس الخميس، لليوم الثاني على التوالي، أن قواته وصلت إلى أهداف جديدة في جنوب لبنان. وقبل ذلك بيوم، أعلن جيش الاحتلال عن مقتل ستة من جنوده أثناء القتال هناك، في واحدة من أكثر الحوادث دموية بالنسبة لقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العملية البرية قبل أكثر من شهر.
ووفقًا للتحقيق الإسرائيلي الأولي، لقى جنود الاحتلال حتفهم في تبادل لإطلاق النار مع أربعة على الأقل من مقاتلي حزب الله الذين نصبوا كمينا لجنود إسرائيليين داخل مبنى.
وترى الصحيفة أن هذا مؤشر على التهديد المستمر الذي تشكله "حرب العصابات" التي يشنها حزب الله على الجنود الإسرائيليين الذين يتوغلون في عمق لبنان.
في بداية العمليات البرية، قال جيش الاحتلال إن قواته البرية دخلت لبنان بهدف إزالة وجود حزب الله على طول الحدود بين جنوب لبنان والمستوطنات الشمالية، وتدمير سنوات من الاستعدادات التي قامت بها الجماعة لغزو شمال إسرائيل.
منذ بداية شهر أكتوبر، قتلت قوات الاحتلال مئات من عناصر حزب الله، كما قامت بتدمير القرى الواقعة على طول الحدود اللبنانية، وتدمير التحصينات تحت الأرض والاستيلاء على الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات المتطورة، وفقًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس، في وقت سابق من هذا الأسبوع: "لقد قمنا بتوسيع المناورة البرية في جنوب لبنان، ونعمل ضد أهداف حزب الله في الضاحية الجنوبية ببيروت، وأينما كان ذلك ضروريا"، في إشارة إلى معقل حزب الله.
وحسب "وول ستريت جورنال"، يرى بعض خبراء الأمن أن توسيع العملية البرية الإسرائيلية يشكل خطوة تكتيكية لتحييد التهديد الذي تشكله هجمات حزب الله بالصواريخ المضادة للدبابات على البلدات الحدودية الإسرائيلية.
ويقول الخبراء، وفق الصحيفة، إن هذه الخطوة ضرورية لإقناع نحو 60 ألف مدني بأنهم يستطيعون العودة بأمان إلى المناطق التي فروا منها خوفا من غزو حزب الله في بداية الحرب في أكتوبر2023.
ويطلق حزب الله الآن أكثر من مائة هجوم صاروخي يوميا تجاه إسرائيل، كما اخترقت طائراته بدون طيار الدفاعات الجوية لضرب مواقع حساسة.
مغامرة محفوفة بالمخاطر
ويقول خبراء آخرون، وفق وول ستريت جورنال، إن التوغل في عمق لبنان يشكل مغامرة محفوفة بالمخاطر للضغط على حزب الله لحمله على الموافقة على وقف إطلاق النار بشروط إسرائيل. ويحذر الخبراء أن إسرائيل قد تنجر إلى صراع طويل الأمد في عمق لبنان إذا لم يتراجع حزب الله.
وقال تمير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "إن الأمور قد تخرج عن نطاق السيطرة".
وأضاف هايمان إن إسرائيل تفقد فرصة سانحة حيث كان من الممكن استغلال إنجازاتها الأخيرة ضد حزب الله، بما في ذلك قتل كل قياداته تقريبًا، في أفضل شروط وقف إطلاق النار الممكنة.
وتابع هايمان، أنه إذا انتظرت إسرائيل لفترة طويلة، فإن حزب الله، بمساعدة إيران، قد يعيد تنظيم نفسه، ويرفض وقف إطلاق النار، ويغرق إسرائيل في حرب عصابات.
محاولات وقف إطلاق النار
ويوسع جيش الاحتلال عملياته البرية في لبنان، في الوقت الذي أعرب فيه كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، في الأيام الأخيرة، عن تفاؤلهم بشأن الجهود الأمريكية للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، قائلين إن الاتفاق يمكن التوصل إليه قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه، على الرغم من أن نقاط الخلاف الرئيسية لا تزال قائمة.
وتتضمن الخطوط العريضة للاقتراح الذي توسطت فيه الولايات المتحدة أن يقوم حزب الله بنقل كل قواته وأسلحته إلى الشمال من نهر الليطاني، وهو مجرى مائي يقع على بعد نحو 18 ميلاً إلى الشمال من الحدود مع المستوطنات الشمالية. وسوف يتولى الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مهمة منع الجماعة المسلحة من العودة.
ويسعى الاحتلال للحصول على ضمانات أمريكية تمنحه حرية التحرك العسكري على الحدود، والتدخل لمواجهة أية تهديدات محتملة، وهو الشرط الذي رفضه المسؤولون اللبنانيون.
والأحد الماضي، أطلع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ترامب على الاقتراح في مقر إقامته بمار إيه لاجو في فلوريدا. ووفقًا للمسؤولين الإسرائيليين، وافق ترامب على الخطة، وأعرب عن أمله في إنجازها قبل دخوله المكتب البيضاوي في 20 يناير.
وقال آموس هوكشتاين، المفاوض الأمريكي الرئيسي في المحادثات، للصحفيين الأسبوع الماضي، إن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قريبًا.
وأمس الخميس، سلم السفير الأمريكي في لبنان مسودة اقتراح وقف إطلاق النار إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، المقرب من حزب الله، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن نقطة الخلاف الرئيسية، هي ضمان قدرة إسرائيل على فرض اتفاق وقف إطلاق النار إذا فشلت الأمم المتحدة والقوات المسلحة اللبنانية في القيام بذلك.
وتسعى إسرائيل أيضا إلى إيجاد السبل لمنع حزب الله من تجديد مخزونات الأسلحة التي أفسدتها إسرائيل. ويشمل ذلك الحصول على مساعدة السلطات الروسية المتواجدة في سوريا لمنع تهريب الأسلحة من هناك إلى لبنان.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر، الاثنين الماضي: "هناك بعض التقدم في المحاولات الرامية إلى التوصل إلى تسوية في لبنان. وسوف يكون التحدي الرئيسي الذي يواجهنا هو فرض ما تم الاتفاق عليه".
ورغم التفاؤل الإسرائيلي والأمريكي، رفضت الحكومة اللبنانية وحزب الله مؤخرًا طلب إسرائيل فرض أي وقف لإطلاق النار بنفسها، وفقًا لما ذكرت "وول ستريت جورنال" نقلًا عن شخص مطلع على المفاوضات.
وحسب الصحيفة، اقترح اللبنانيون إضافة ضامن رابع إلى اللجنة، بالإضافة إلى الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي والأمم المتحدة. وقال المصدر إن الطرف المسؤول عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار هو الولايات المتحدة على الأرجح.
أظهر استطلاع للرأي نشره معهد دراسات الأمن القومي، أول أمس الأربعاء، أن 80% من الإسرائيليين يعتقدون أن الوضع الأمني الحالي ليس آمنا بما يكفي للسماح لمعظم السكان بالعودة إلى المستوطنات الشمالية.
غارات مكثفة على جنوب لبنان
وإلى جانب توسيع نطاق العملية البرية، كثف جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة، غاراته الجوية على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية. وتزايدت وتيرة الغارات على بيروت في الأسبوع الماضي، حيث ضربت الأحياء السكنية هناك كل يومين على الأقل لأكثر من أسبوع.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن أمير أفيفي، وهو مسؤول عسكري كبير سابق يرأس مؤسسة بحثية أمنية في إسرائيل: "في الوقت الحالي، فإن التفكير هو، دعونا نعزز الضغوط وندمر أكبر عدد ممكن من الإرهابيين والبنية التحتية ونعطي الفهم بأن كل يوم لا يتفق فيه حزب الله ولبنان على نوع من الحل، سوف يتدهوران أكثر فأكثر".
وأضاف أن إسرائيل سوف تحتاج إلى توخي الحذر بشأن الانجرار إلى عمق كبير داخل لبنان وأن عمق حوالي 6 أميال سيكون كافيًا لحماية الإسرائيليين من نيران الصواريخ المضادة للدبابات التي يطلقها حزب الله.
كما نقلت الصحيفة عن إسرائيل زيف، وهو جنرال متقاعد في جيش الاحتلال، إن الحملة البرية الموسعة، فضلا عن توفيرها للنفوذ في محادثات وقف إطلاق النار، قد تساعد إسرائيل في تأمين محيط في جنوب لبنان لمنع حزب الله من الاقتراب من الحدود. ومع ذلك، قال إن إسرائيل سوف تحتاج إلى توخي الحذر حتى لا تتورط في عمق لبنان.