في وقت تتصاعد فيه أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، ووسط عدم اليقين الذي يحيط بمستقبل الدعم الأمريكي بعد وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعوة حاسمة لأوروبا، مطالبًا القارة العجوز بتحمل "فردي" مسؤولية أمنها والاستعداد لبناء "قوة استراتيجية" خاصة بها.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها ماكرون، خلال استقباله الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، في قصر الإليزيه، اليوم الثلاثاء، إذ شدد على ضرورة تعزيز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي في سبيل دعم أوكرانيا والحفاظ على استقرار القارة.
تحذير من "استمرار الاعتماد على الآخرين"
في حديثه أمام وسائل الإعلام، أكد الرئيس الفرنسي أن أوروبا اعتمدت لفترة طويلة على الآخرين، وتحديدًا الولايات المتحدة، لضمان أمنها والحفاظ على استقرارها.
وقال ماكرون: "اعتقدنا أن بإمكاننا الاستفادة من عائدات السلام بشكل غير محدود، لكن الآن بات من الواضح أننا نعيش في عالم مختلف".
تصريحات ماكرون تأتي في وقت حساس بالنسبة للعلاقات عبر الأطلسي، في ظل المخاوف من تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا بعد انتخاب دونالد ترامب، الذي أعلن سابقًا رغبته في إنهاء الحرب بسرعة إذا عاد إلى البيت الأبيض.
وأضاف ماكرون أن "الوقت قد حان لأن تتحمل أوروبا عبء أمنها بنفسها، وأن تكون قادرة على اتخاذ قراراتها السيادية دون الحاجة إلى الانتظار من أجل الحصول على مساعدة من الخارج".
أوكرانيا قوية تعني أوروبا قوية
وأكد الرئيس الفرنسي في كلمته أن "دعم أوكرانيا يجب أن يبقى أولوية استراتيجية للاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن "أوكرانيا قوية تعني أوروبا قوية".
هذه التصريحات تأتي في وقت حساس بالنسبة للمستقبل العسكري والسياسي لأوكرانيا، إذ تزداد التحديات التي تواجهها على الأرض في مواجهة القوات الروسية.
وأشار ماكرون إلى أهمية تعزيز الشراكة الأوروبية والتعاون داخل حلف الناتو، قائلًا: "إن بناء قدرات دفاعية أوروبية مستقلة وقوية أمر ضروري لضمان الاستقرار في المستقبل"، مؤكدًا أن القارة الأوروبية يجب أن تنفق المزيد من الموارد من أجل تطوير صناعتها الدفاعية، وهو ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد والمجتمع في بلدانها.
تعزيز "الاستقلالية الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي
وفي إطار الدعوة لتعزيز قوة الاتحاد الأوروبي، شدد ماكرون على ضرورة تبني ما أسماه "الاستقلالية الاستراتيجية" للقارة، موضحًا أن هذه الاستقلالية ليست مجرد فكرة سياسية بل تتطلب استثمارات ضخمة في الدفاع والصناعات العسكرية.
وأضاف الرئيس الفرنسي أن "أوروبا القوية تتطلب قاعدة صناعية تدعمها، وتوفر فرص عمل، وتعود بالفائدة على المجتمعات الأوروبية".
وتمثل هذه الدعوة جزءًا من جهود فرنسا المستمرة لتعزيز قدرات أوروبا الدفاعية دون الاعتماد الكامل على الحلفاء في الولايات المتحدة.
وتدعو فرنسا إلى تعزيز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي في تطوير قدرات عسكرية متكاملة، من خلال برامج مثل صندوق الدفاع الأوروبي.
ماكرون يُحذّر من التصعيد العسكري
في سياق متصل، عبّر ماكرون عن قلقه إزاء التصعيد العسكري على الساحة الأوكرانية، واصفًا انتشار القوات الكورية الشمالية في روسيا بأنه "تصعيد خطير"، إذ يأتي هذا الانتشار في وقت حساس جدًا حيث تحاول روسيا تعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة الهجمات الأوكرانية المدعومة من الغرب.
وأشار ماكرون إلى أن هذا التطور يمثل "تصعيدًا خطيرًا" في النزاع، ويزيد من تعقيد الوضع الأمني بالمنطقة.
ولفت إلى أن هذا التحرك قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الاستقرار الإقليمي والدولي، مطالبًا المجتمع الدولي بمواصلة الضغط على روسيا وفرض المزيد من العقوبات عليها.
التحديات المستقبلية لأوكرانيا وحلف الناتو
من جانبه؛ أكد الأمين العام لحلف الناتو، أهمية دعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
وقال روته: "إن التهديد الروسي لا يزال قائمًا، ونحن بحاجة إلى مواصلة دعم أوكرانيا"، مشيرًا إلى أن "المرحلة القادمة قد تكون الأكثر صعوبة بالنسبة لأوكرانيا، خاصة مع قدوم فصل الشتاء الذي قد يكون الأسوأ منذ بداية الحرب في 2022".
وحذر أمين حلف الناتو من أن الحلفاء يجب أن يعملوا بشكل موحد لتعزيز قوة التحالف عبر الأطلسي، وأن "التهديدات الأمنية تتطلب تعزيز العلاقات عبر الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين لمواجهة التحديات المستقبلية".
وأضاف أن "مساعدة أوكرانيا في الوقت الحالي يجب أن تكون أكثر من مجرد تمكينها من الدفاع عن نفسها، بل يجب أن تشمل جهودًا طويلة الأمد لضمان استقرار المنطقة".