الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وداعا أمريكا.. أوروبا خسرت أهم الحلفاء بالتدريج

  • مشاركة :
post-title
لم تعد أوروبا مهمة لواشنطن بل أصبحت تثير "الازدراء الساخر" على نحو متزايد

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

في العام الماضي، كتب المحلل الفرنسي نيكولا تينزر: "بدون الولايات المتحدة، سوف تضيع أوروبا". لكن الأمر الأكثر خطورة هو أن أوروبا لن تعترف بأنها خسرت بالفعل. وفيما يختار الناخبون الأمريكيون رئيسًا جديدًا، بدأ كثير من الأوروبيين في إنشاد ترنيمة "وداعًا أمريكا".

في الوقت الحالي ينتظر الأوروبيون بفارغ الصبر معرفة ما إذا كان المنتصر في الخامس من نوفمبر سيكون دونالد ترامب، الكابوس بالنسبة للكثيرين، أو كامالا هاريس، التي يُنظر إليها على أنها أفضل بكثير للعلاقات عبر الأطلسي. لكن في كل الأحوال تراجع الاهتمام الأمريكي بالفعل، وربما منذ نهاية الحرب الباردة.

في النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو"، أشار الكاتب نيكولاس فينكور، باعتباره أمريكي أوروبي، إلى أنه "لا ينبغي لنا أن نشغل أنفسنا كثيرًا بالرئاسة الأمريكية، بل ينبغي لنا أن نهتم أكثر بكيفية تمكن أوروبا من التعامل بمفردها مع هذه الساحة العالمية الخطيرة".

مع هذا، لا يعني أن هذه الانتخابات لن تؤثر على أوروبا، فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب معجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتعهد بإنهاء الحرب الأوكرانية في اليوم التالي لانتخابه. وعلى النقيض من ذلك، تتعهد هاريس بالاستمرار في دور القيادة العالمية للولايات المتحدة ولديها مستشار متعاطف مع أوروبا، فيل جوردون، الذي تضع عليه أوروبا آمالاً كبيرة.

من الود للازدراء

في الواقع، لم تعد أوروبا مهمة لواشنطن كما كانت في السابق. بل، أصبحت تثير على نحو متزايد ليس "الود" في أوساط العديد من الأمريكيين، بل "الازدراء الساخر". كما أن الفجوة في الأداء بين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي تتسع بلا هوادة، لصالح أمريكا.

ويلفت فينكور إلى أن تراجع مكانة أوروبا في أذهان النخب الأمريكية ينعكس في الخيارات التعليمية والمهنية "إن إتقان اللغة الصينية يُظهِر طموحًا أكبر لدى الدبلوماسي الطموح مقارنة بإتقان اللغة الفرنسية أو حتى الروسية. وعلى النقيض من ذلك، فإن دراسة أوروبا ككيان جيوسياسي هي مسعى خاص".

بدا هذا جليًا في حرم جامعة هارفارد العريقة، وهي واحدة من أشهر الجامعات في الولايات المتحدة والعالم "إن مبنى دراسات جنوب آسيا كبير وحديث، ومن الواضح أنه قسم مرموق. أما مركز الدراسات الأوروبية فهو تمامًا كما قد تتخيل، صغير ومتهالك إلى حد ما".

مع هذا، فإن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أصبحت الآن أكبر من أي وقت مضى في التاريخ؛ حيث إن حجم التجارة عبر الأطلسي من السلع والخدمات ضخم، ويتزايد عامًا بعد عام.

بالفعل، تولى بعض الأوروبيين مهمة تذكير واشنطن بهذه الحقائق، ففي ورقة من خمس صفحات قدمها إلى وزراء الخارجية الأوروبيين في يوليو، حث وزير الخارجية البولندي راديك سيكورسكي نظراءه على التحدث بصراحة عن الفوائد المتبادلة التي تعود على العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وتبديد التصورات السلبية بشأن العلاقات التي ترسخت في الجانب الجمهوري بشكل رئيسي.

ولكن يرى فينكور أن هذه "مهمة وحيدة، ولا يبدو أنها تلقى استحسانًا كبيرًا لدى أنصار نظرية جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".

يقول: "بالنسبة لترامب، الذي يرى في حلف شمال الأطلسي عبئًا، أو زميله في الترشح جيه دي فانس، الذي يساوي بين ردع روسيا والتحريض على الحرب، يبدو الوجود الأمريكي في الخارج بمثابة مصدر إزعاج، وصرف للانتباه عن الأولويات المحلية مثل ترحيل المهاجرين أو إبقاء الأسعار منخفضة".

أكثر استقلالية

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر، يتصارع الأوروبيون مع احتمالات انسحاب الولايات المتحدة بشكل أكبر.

إذا فازت هاريس، فإن التفكير السائد هو أن البيت الأبيض سوف يستمر في دعم أوكرانيا، ولكن في نهاية المطاف سوف يوجه كييف نحو التوصل إلى اتفاق مع روسيا في المستقبل غير البعيد؛ وسوف يظل الاستثمار في حلف شمال الأطلسي ثابتًا، وإن كان الاتجاه الأساسي سوف يتمثل في إعطاء الأولوية بشكل أكبر لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ على أوروبا.

لكن إذا فاز ترامب، فهناك شعور متزايد بأن كل الرهانات أصبحت غير مضمونة. ويعتقد البعض أن إدارته سوف تتصرف بعقلانية وفقًا لمعاييره، ولن تقلب الطاولة على حلف شمال الأطلسي، وأنه سوف يسعى إلى التوصل إلى اتفاق بشأن حرب أوكرانيا يسمح لكلا الجانبين بادعاء النصر.

ولكن، كما يشير تحليل "بوليتيكو"، ليس الجميع على يقين من ذلك. وينقل فينكور عن دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي "نريد أن نصدق أن ترامب سيكون عقلانيًا، ولكن لا أحد يستطيع أن يكون متأكدًا من ذلك".

ورغم صدمتهم في 2016، يقول مسؤولي الاتحاد الأوروبي إنهم يستعدون لأي شيء قد يفعله ترامب. ووعد الدبلوماسيون ومسؤولو التجارة الأوروبيون بأنهم مستعدون للرد "بسرعة وقوة " إذا حاول ترامب بدء حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي.

مع ذلك، فإن هذا النوع من المبادلات التجارية هو الجزء السهل عندما يتعلق الأمر بتصور العلاقة الطويلة الأجل بين أوروبا والولايات المتحدة "والأمر الأكثر تحديًا هو التخطيط لمستقبل ستكون الولايات المتحدة فيه أقل مشاركة بشكل كبير ودائم في حماية أوروبا".

هنا، تلعب فرنسا دورًا لمصالحها، حيث تحذر من أن الكتلة بحاجة إلى تنظيم أمورها الدفاعية بغض النظر عمن يُنتَخَب في واشنطن.

وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي بنيامين حداد على قناة "إل سي آي" التلفزيونية: "لا يمكننا أن نترك أمن أوروبا في أيدي الناخبين في ويسكونسن كل أربع سنوات. دعونا نتخلص من الإنكار الجماعي، يتعين على الأوروبيين أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم، بغض النظر عمن يُنتَخَب رئيسًا للولايات المتحدة".

كما تبنت المفوضية الأوروبية في بروكسل هذا التوجه، حيث تريد أن تكون القارة أكثر استقلالية في مجالات التكنولوجيا والدفاع والمواد الخام.

ولكن الحقيقة هي أنه عندما يتعلق الأمر بتصور مستقبل مع وجود أقل لأمريكا، فإن الكتلة الأوروبية منقسمة بشدة. وبقدر ما قد يكون أنصار "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي متحمسين، فلا يوجد زخم وراء إنشاء جيش أوروبي أو مظلة نووية أوروبية؛ كما لفت التحليل.