الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما الذي يمكن أن تنتهي إليه المحادثات التركية-الإفريقية بجيبوتي؟

  • مشاركة :
post-title
القمة الثالثة للشراكة-التركية الإفريقية عام 2021

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في الثاني من نوفمبر المقبل ولمدة يومين تبدأ فعاليات الاجتماع الوزاري الثالث التركي-الإفريقي بدولة جيبوتي، في إطار جهود تركيا لتعزيز التعاون مع دول الاتحاد الإفريقي. ومن المحتمل أن يحضر الاجتماع، هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي ممثلًا لبلاده، إضافة إلى حضور وزراء خارجية 14 دولة إفريقية، ومن المرجح أن يناقش الاجتماع قضايا تتعلق بتعميق العلاقات بين الجانبين، إضافة إلى استعراض نتائج القمة التركية الإفريقية الثالثة 2021، كما يمثل هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تحضير القمة التركية الإفريقية الرابعة المقرر انعقادها عام 2026.

سلسلة القمم السابقة للشراكة التركية-الإفريقية

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال هو: ما الذي يمكن أن تنتهي إليه المحادثات التركية- الإفريقية بجيبوتي؟

أهداف الاجتماع:

تتمثل أهداف الاجتماع الوزاري الثالث المُرتقب في جيبوتي، فيما يلي:

الاجتماع الوزاري الثالث التركي-الإفريقي 2024

(*) مراجعة التقدم المحقق وتعزيز الشراكة التركية الإفريقية: يتيح هذا الاجتماع الفرصة لمراجعة القرارات السابقة التي تم اتخاذها خلال القمم والاجتماعات الوزارية السالفة، التي من أهمها قمة الشراكة التركية-الإفريقية 2008 بإسطنبول، وقمة 2014 في مالابو، وقمة ديسمبر 2021 في إسطنبول، فمن المحتمل أن يساعد مراجعة القرارات المتخذة في القمم الثلاث المذكورة في تقوية العلاقات بين تركيا والدول الإفريقية في مجالات متعددة، ما يرسخ الدور التركي كشريك استراتيجي للقارة، إذ أسهمت هذه القمم في رفع حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا إلى مستويات غير مسبوقة، إذ زادت التجارة لأكثر من ثمانية أضعاف، وبلغت قيمة مشروعات المقاولات التركية في القارة ما يقرب من 85 مليار دولار، إلى جانب توقيع اتفاقيات تعاون واسعة النطاق تشمل مجالات التعدين، الطاقة، والتكنولوجيا. وعليه، من المرجح أن يعكس الاجتماع الوزاري الثالث المُرتقب في جيبوتي التزام تركيا بتوسيع التعاون الاقتصادي تحديدًا، ما يفيد تنمية البنية التحتية والتجارة في إفريقيا.

(*) خطوة تحضيرية للقمة التركية الإفريقية الرابعة: يسهم الاجتماع في تحديد أهداف وخطط عمل جديدة للفترة المُقبلة، إذ تبنت القمم السابقة خطة عمل للفترة من عام 2022 إلى 2026، ويسعى الاجتماع المقبل إلى تقييم مدى نجاح تنفيذها على أرض الواقع؛ لتحقيق نتائج ملموسة في القمة القادمة تعكس الاحتياجات الحالية للطرفين، ومناقشة التحديات التي واجهت الدول الإفريقية وتركيا في تنفيذ بنود الخطة سواء كانت اقتصادية أو لوجستية أو سياسية؛ لفهم العوامل التي أعاقت التنفيذ في بعض قضاياها، فالاجتماع سيشكل أرضية لقمة تركية إفريقية في عام 2026، باعتبارها واحدة من سلسلة من القوى المتوسطة المستوى التي تهدف إلى زيادة ثقلها الدبلوماسي في إفريقيا، والجنوب العالمي على نطاق أوسع.

(*) التفاعل مع القضايا الإقليمية والدولية: يوفر الاجتماع منصة لمناقشة التحديات والفرص الإقليمية والدولية، والأزمات التي تؤثر على القارة الإفريقية وتركيا، إذ تلعب تركيا دور الوسيط لحل النزاعات في إفريقيا مثل الخلاف الحدودي بين الصومال وإثيوبيا، على إثر توقيع الأخيرة اتفاقية مع أرض الصومال تتيح لها إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر، فلم تسفر المحادثات السابقة عن تحقيق نجاحات ملموسة تتعلق بالخلاف الراهن، إذ استضافت أنقرة ثلاث جولات مفاوضة بين إثيوبيا والصومال، خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر الماضيين، وستظل المحادثات جارية لحين الوصول لحل يخلق صورة إيجابية عن الوجود التركي في القارة. فقد لا يكون الخلاف الصومالي الإثيوبي محور الاجتماع، لكنه قد يُطرح في سياق التحديات الإقليمية المهمة التي يسعى الطرفان لمعالجتها.

تعزيز الدور

نلاحظ في الفترة الأخيرة أن الدولة التركية تسعى إلى تعزيز دورها في القرن الإفريقي، إذ وقعت الصومال وتركيا اتفاقيتين منفصلتين في شهري فبراير ومارس 2024، تتعلق الأولى، التي وُقعت 8 فبراير، بالتعاون الاقتصادي والدفاعي في مجال الأمن البحري، بينما تركز الثانية، الموقعة 7 مارس، على مجال الطاقة. وتمثل الاتفاقيتان انتقال الصومال من الاعتماد على المساعدات الأحادية الجانب إلى التعاون الاستراتيجي مع تركيا، وتعكس التقاء المصالح بين البلدين في تعزيز أمنهما القومي، إضافة إلى توقيع ثلاث اتفاقيات تعاون عسكري مع جيبوتي تتضمن التدريب والمساعدات المالية. كما زودت تركيا الصومال وإثيوبيا بطائرات مسيّرة، لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والصراعات الإقليمية. وفي مجال الطاقة، عقدت تركيا اتفاقيات مع الصومال لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعي، وأرسلت سفنها لإجراء أبحاث واستكشافات زلزالية قبالة الساحل الصومالي.

وتحول التعاون التركي مع الدول الإفريقية - مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر - من مجرد شراكات ثقافية واقتصادية إلى دعم عسكري وسياسي غير محدود يتمثل في تصدير تركيا مجموعة متنوعة من الطائرات المسيّرة إلى نحو 13 دولة إفريقية، وتسلمت كل من توجو وبوركينا فاسو ومالي والنيجر والصومال وإثيوبيا وجيبوتي ورواندا والسنغال طائرات "بيرقدار TB2" التي تنتجها شركة بايكار، كما حصلت تشاد وكينيا على طائرات "أنكا" المصنعة من قبل الشركة التركية لصناعات الفضاء، بينما تسلمت نيجيريا وأوغندا طائرات "توغان" من شركة الدفاع STM، كما تبذل تركيا الجهد لملء الفراغ الذي تتركه القوى الغربية في القارة الإفريقية، من خلال نسج علاقات سياسية عميقة مع قادة الدول الإفريقية، سواء من خلال الزيارات الرسمية أو لقاءات القمم الجماعية منها والفردية، فمن أصل (54) دولة إفريقية، زار الرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر، 3 دول، والرئيس السابق "عبد الله جول" (10) دول، والرئيس الحالي "أردوغان" (30) دولة منذ استلامه السلطة، مارس 2003 حتى عامنا هذا. وفي يوليو 2024، زار وفد تركي ضم وزير الدفاع "يشار غولر"، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية "ألب أرسلان بيرقدار"، ورئيس المخابرات "إبراهيم كالين"، إلى جانب نائب وزير التجارة "فولكان أغار"، النيجر؛ لتطوير صناعات الدفاع والاستخبارات، في إطار الحرب ضد الإرهاب بإفريقيا، أسوة بتعاونها مع الصومال. ناهيك عن ذلك، يستمر التعاون التركي-الإفريقي في النمو من خلال مجالات متعددة تتعلق بالدبلوماسية والاقتصاد والمالية والدفاع والتعليم والصحة، وتمتلك تركيا سفارات في نحو 44 دولة إفريقية.

تحديات حاضرة

سينعقد الاجتماع الوزاري الثالث التركي-الإفريقي في توقيت حرج لا يخلو من التحديات، تتمثل أهمها في التنافس الدولي، إذ يُزعج تصاعد النفوذ التركي في إفريقيا الكثير من القوى الدولية التقليدية مثل فرنسا التي فقدت جزءًا كبيرًا من سلطتها بالمنطقة، والحديثة مثل روسيا والصين والهند وغيرهم.

وفي ضوء تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في العديد من الدول الإفريقية، يُتوقع أن يرتفع الطلب على خدمات الدفاع والأمن، ما يهيئ فرصًا أوسع للتعاون التركي-الإفريقي. ولترسيخ هذا النفوذ يتعين على صُنّاع القرار في أنقرة اعتماد نهج "المنفعة المتبادلة" كأساس للشراكة، وتقديم خدمات دفاعية موثوقة بعيدًا عن التدخل المباشر في النزاعات الإقليمية، إضافة إلى ذلك قد يؤدي محدودية الوقت المتاح للنقاشات خلال الاجتماع الوزاري التركي-الإفريقي القادم إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، ومن المحتمل عدم القدرة على تناول جميع القضايا المهمة بشكل كافٍ، ناهيك عن احتمالية حدوث اختلافات في الرؤى تؤدي إلى حدوث صعوبات في صياغة بيان مشترك أو خطة عمل فعّالة.

في ختام هذا الطرح، يُمكن القول إن الاجتماع الوزاري الثالث التركي-الإفريقي يُعبر عن إرادة قوية نحو بناء شراكة متينة ترتكز على التعاون الفعّال بين تركيا والدول الإفريقية في مختلف المجالات، كما تمثل التحديات التي قد تكتنف هذا الاجتماع من تعقيدات سياسية واقتصادية إلى أزمات أمنية، بمثابة اختبار حقيقي لإرادة الأطراف في تجاوز الخلافات وبناء مستقبل مشترك. وبالتالي، فإن الأمل معقود على أن يُسفر هذا الاجتماع عن نتائج مثمرة تعكس احتياجات المعنيين وتنسجم مع التغيرات الجيوسياسية الراهنة، ما يُفضي إلى بناء جسور من التعاون والسلام بين تركيا والقارة الإفريقية.