في اليوم الأول من الدراسة كان الضجيج يملأ شوارع غزة مع انطلاق الأطفال الفلسطينيين في القطاع نحو مدارسهم، مثل باقي أطفال العالم، لكن منذ عام وحتى الآن، أطفأت آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة فرحة هؤلاء الأطفال، وحوّلت مدارسهم لقواعد عسكرية.
ورغم التدمير الهائل للبنية التحتية التعليمية في القطاع، والخسائر الهائلة في المعلمين والطلاب، إلا أن القائمين عليها، بحسب مجلة 972 الاستقصائية، تشبثوا بالقيام بدورهم وعملوا على إنشاء ما يُسمى بالمدارس المؤقتة داخل المخيمات لخدمة آلاف الطلاب الفلسطينيين عبر الجهود الذاتية.
المباني المدرسية
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 87% من المباني المدرسية في غزة دُمرت جزئيًا أو كليًا بسبب الغارات الإسرائيلية، وتم تحويل بعضها إلى قواعد عسكرية إسرائيلية، وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 10600 طفل وأكثر من 400 معلم استشهدوا في الغارات، بينما أصيب أكثر من 15300 طالب و2400 معلم.
وبعد مرور ما يقرب من شهرين على بدء العام الدراسي، يشعر طلاب غزة بالحزن على فقدانهم، ليس فقط أفراد عائلاتهم وأصدقائهم ومنازلهم بل تعليمهم أيضًا، منهم سلمى وافي صاحبة الـ14 عامًا التي باتت نازحة في منطقة المواصي.
تأثير عميق
وتنتظر سلمى انتهاء الحرب حتى تتمكن من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، التي ترى أن المدرسة أجمل جزء في حياتها وتفتقدها يوميًا، مشيرة إلى أنه في كل مكان آخر بالعالم عاد الجميع إلى مدارسهم إلا طلاب غزة، مشددة على أنها فقدت طفولتها خلال تلك الحرب.
أما فرح مقداد، صاحبة الـ11 عامًا، فأكدت أن عامًا كاملًا دون مدرسة كان له تأثير عميق على حياتها الاجتماعية وشعورها بذاتها، فمنذ بداية الحرب فقدت مقداد العديد من أصدقاء المدرسة والمعلمين وحتى أفراد من عائلتها، وباتت مشردة الآن في منطقة المواصي.
ظروف صعبة
بالنسبة لفرح، كانت المدرسة تعبر عن حياة مختلفة تمامًا بعيدًا عن الدراسة، لكن كل شيء كما تقول أصبح في الماضي، وتواجه الآن ظروفًا صعبة للغاية ولم تعد قادرة على شراء الطعام، وأصبح البحث عن عمل هو أفضل فرصة لبقائها على قيد الحياة.
وحرم أكثر من 600 ألف طفل في سن الدراسة بغزة من حقهم في التعليم، وهو ما وصفه خبراء الأمم المتحدة، وفقًا للمجلة بأنه جزء من "إبادة المدارس"، وهي محاولة متعمدة من جانب الاحتلال الإسرائيلي لتدمير النظام التعليمي الفلسطيني.
الملاجئ والمخيمات
وبات من المستحيل على وزارة التربية والتعليم في غزة إعادة العملية التعليمية إلى حالتها السابقة، كما يقول أحمد النجار، مدير العلاقات العامة بالوزارة، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع إلى التدمير واسع النطاق والمنهجي للبنية التحتية التعليمية واستشهاد الآلاف من الطلاب والمعلمين والموظفين.
ومع عدم قدرة الوزارة على تنفيذ خطة العام الدراسي، اضطر المعلمون في غزة إلى محاولة تنظيم برامجهم التعليمية بأنفسهم، وأنشأ بعضهم مدارس مؤقتة في الملاجئ والمخيمات بمختلف أنحاء القطاع.
وقف الحرب
من هؤلاء المعلمين، دعاء قاضي، التي نزحت 3 مرات حتى الآن واستقرت في مخيم دير البلح، حيث بدأت في تدريس أكثر من 550 طالبًا من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر، عبر برنامج دراسي خاص بها، ونجحت بعد ذلك وفريق من المتطوعين في تأمين عدة خيام.
وتمكنت ليلى وافي معلمة كفيفة وزملاؤها من إنشاء ثلاثة فصول دراسية مصنوعة من القماش المشمع والبلاستيك على قطعة أرض رملية في المواصي، وعلى الرغم من أن كل فصل دراسي كان يتسع في الأصل لـ20 طالبًا فقط إلا أن وافي وزملاءها تمكنوا من توسيعه لاستيعاب نحو 74 طالبًا.
وعلى الرغم من الجهود الذاتية، إلا أنه بحسب المجلة، لا تعتبر حلًا وافيًا لاستكمال الدراسة على أكمل وجه، إذ تظل التحديات والعراقيل التي يصنعها الاحتلال كل يوم كافية لهدم تلك الخيام في طرفة عين، وبات وقف الحرب هو الحل الأمثل لتعافي المنظومة التعليمية في غزة.