نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا جويًا معلنًا على الأراضي الإيرانية للمرة الأولى في تاريخ المواجهة بين الطرفين، فجر يوم السبت 26 أكتوبر، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع المباشر في المنطقة، في هذا الصدد كشفت مجلة الإيكونوميست البريطانية، النقاب عن تفاصيل وأبعاد هذا الهجوم.
تفاصيل العملية العسكرية وأبعادها الاستراتيجية
في الساعات الأولى من فجر 26 أكتوبر، اخترقت طائرات الاحتلال الأجواء الإقليمية قاطعة مسافة تتجاوز 1300 كيلومتر، في عملية عسكرية غير معهودة استهدفت منشآت الدفاع الجوي ومصانع الصواريخ في ثلاث محافظات إيرانية، بما فيها محيط العاصمة طهران.
وكشفت الإيكونوميست أن العملية اعتمدت على استراتيجية محددة تمثلت في استهداف منظومات الدفاع الجوي، متجنبة المنشآت النووية والمواقع الاقتصادية الحيوية مثل محطات تصدير النفط.
وتفصيليًا، نفذت قوات الاحتلال الهجوم باستخدام صواريخ باليستية تم إطلاقها من الجو من مسافات بعيدة خارج نطاق الدفاعات الجوية الإيرانية.
وبحسب المجلة البريطانية، فإن هذا التكتيك العسكري، رغم إظهاره لتطور في القدرات العسكرية لقوات الاحتلال، يبقى محدودًا بسبب محدودية مخزون هذه الصواريخ المتطورة.
ويشير المحللون العسكريون بحسب الإيكونوميست إلى أن نجاح هذه الضربات في تحييد منظومات الدفاع الجوي الإيرانية المتقدمة، قد يمهد الطريق لعمليات عسكرية أكثر شمولًا في المستقبل، خاصة أن إعادة بناء هذه المنظومات الدفاعية قد يستغرق شهورًا طويلة في ظل الحاجة الروسية الملحة لهذه المنظومات في حربها مع أوكرانيا.
الحسابات السياسية المعقدة والضغوط الأمريكية
تكشف الإيكونوميست عن تشابك معقد في الحسابات السياسية التي أحاطت بقرار شن الهجوم، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ وجدت قوات الاحتلال نفسها أمام معادلة صعبة، وهي إما تنفيذ عملية محدودة تحظى بموافقة أمريكية ضمنية، أو المخاطرة بتحدي تحذيرات الرئيس جو بايدن الصريحة بعدم مهاجمة المنشآت النووية أو منشآت الطاقة قبيل الانتخابات المقررة في 5 نوفمبر.
وقد انعكست هذه الحسابات على طبيعة الأهداف المختارة، حيث بدا واضحًا تأثير الضغوط الأمريكية في تحجيم نطاق العملية.
وتشير المجلة إلى أن هذا القرار قد يكون مرتبطًا أيضًا بحسابات مستقبلية تتعلق باحتمالات تغير المشهد السياسي في واشنطن، خاصة مع إمكانية فوز مرشح قد يكون أكثر تساهلًا مع عمليات عسكرية موسعة ضد إيران.
المعضلة الإيرانية والخيارات المحدودة
تواجه القيادة الإيرانية، وفقًا لتحليل الإيكونوميست، موقفًا بالغ التعقيد في كيفية الرد على الهجوم، فرغم امتلاكها لترسانة كبيرة من الصواريخ والطائرات المُسيرة، إلا أن خيار شن هجوم جديد يحمل مخاطر استراتيجية كبيرة.
فمن جهة، يمثل عدم الرد تحديًا للصورة الداخلية للنظام، خاصة أن سكان طهران شهدوا للمرة الأولى منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات هجومًا عسكريًا على مدينتهم.
وقد اختارت طهران، حتى الآن، نهج التقليل من أهمية الضربة، حيث وصفت وكالة "تسنيم" الإيرانية المزاعم الإسرائيلية بأنها "أكاذيب كاملة" وأكدت أن الأضرار كانت "محدودة".
ويرى محللون أن هذا الموقف قد يعكس رغبة إيرانية في التريث وتقييم الخيارات المتاحة بعناية، خاصة في ظل تراجع قدراتها الدفاعية بعد استهداف منظومات الدفاع الجوي، وتزامن ذلك مع إضعاف قدرات حلفائها في المنطقة، وتحديدًا الترسانة الصاروخية لحزب الله في لبنان.
تداعيات الهجوم على المشهد الإقليمي والدولي
تخلص الإيكونوميست إلى أن محدودية الضربة قد تكون مضللة، إذ يمكن اعتبارها خطوة تمهيدية لعمليات أوسع في المستقبل، فنجاح قوات الاحتلال في تحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المتقدمة، يمكن أن يغير موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، خاصة مع صعوبة تعويض هذه المنظومات في المدى المنظور.