سطور كتبها المؤلف الراحل بهجت قمر أصبحت علامات في تاريخ الكوميديا المصرية عامة والمسرح بشكل خاص، ربما عبّر في بعض منها عن روحه المرحة، لذا لم يجد عبئًا في كتابة تفاصيل شخصياتها والجُمل الحوارية لها، خصوصًا أنه تمتع بخفة ظل شديدة في رسمه للشخصيات لينتزع منها الكوميديا.
بهجت قمر تمر اليوم ذكرى رحيله الـ34، إذ توفي في مثل هذا اليوم عام 1989، ويعد واحدًا من أبرز نجوم الكوميديا في مصر، لكنه ليس من هؤلاء المشاهير الذين تتصدر أسماؤهم وصورهم الملصقات الدعائية للأفلام، بل من الكُتّاب الذين ساهمت أعمالهم في أن يولد على يديه نجوم كوميديا كبار صارت جُملهم المضحكة "إفيهات" على المسرح تنير مشوارهم الفني وتفتح أمامهم أبواب النجومية.
في دفاتر بهجت قمر الفنية أعمال مأخوذة عن روايات عالمية سبق تقديمها كثيرًا على خشبة المسرح في عدة دول أجنبية، لكن ما يُميزه أنه أعطى لها طابعًا مصريًا خالصًا بامتياز، ليجعل غير المُطّلع على الأدب العالمي يتعجب عندما يعلم أن مسرحية "سيدتي الجميلة" بطولة شويكار وفؤاد المهندس معالجة مصرية لرواية "بجماليون" للكاتب الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو وسبق أن تم تقديمها في أعمال وأفلام حصدت جوائز عالمية منها الأوسكار.
صاغ بهجت قمر الرواية العالمية بطابع مصري خالص، وفي أحد فصول مسرحية "سيدتي الجميلة" تهب علينا روائح الحارة الشعبية، بمرادفاتها المميزة لنرى شخوصًا منها "حسب الله بعضشي" أو الفنان المصري جمال إسماعيل، و"سليط" و"زربيخ" أو فاروق فلوكس وسيد زيان، وفي مقدمتهم "صُدفة" أو شويكار بطلة الرواية، وبجمل حوارية مضحكة "أفيهات" تصل للمشاهد المصري والعربي، لأنها نابعة من بيئته وليست مستوردة من الخارج، ونفس اللمسات وضعها أيضا في اقتباسه للمسرحية البريطانية الشهيرة Blithe Spiritللكاتب نويل كوارد لتحويلها إلى مسرحية بعنوان "حواء الساعة 12"، بطولة فؤاد المهندس.
صبغة بهجت قمر ولمساته الخاصة التي أضافها للروايات العالمية، كررها في استلهامه لأحداث وقعت في مصر، ومنها قصة ريا وسكينة الشهيرة، والتي تؤرخ صفحات الجرائد أنهما سفاحتين من الإسكندرية تخصصا في قتل النساء، هذه الحكاية صاغها الكاتب الراحل في إطار كوميدي استثنائي بمسرحية تحمل اسميهما عرضت عام 1982، من بطولة شادية – العمل المسرحي الوحيد في مشوارها- وسهير البابلي، مُغيرًا في تفاصيل دقيقة من القصة المنتشرة، ومنها جعل شخصية "عبد العال" ضابطا مُكلف بالتحقيق في جرائم القتل وليس شريكًا في الجريمة.
فؤاد المهندس وبهجت قمر
"أنا اتنفس فؤاد المهندس.. عندما اكتب له كأنني أكتب لنفسي".. هكذا عبّر بهجت قمر عن نفسه في بعض الأفلام والمسرح، موضحًا في طيات حديثه سبب تعاونه كثيرًا مع "المهندس"، إذ أشار في لقاء إعلامي قديم إلى أنه لم يكن يجد معاناة في تأليف عمل فني كوميدي للنجم المُلقب بـ"الأستاذ"، موضحًا أنه واضح بالنسبة له للغاية، ليُقدّم معه أعمالًا متعددة منها "علشان خاطر عيونك" و"أنا فين وأنت فين" و"أخطر رجل في العالم" و"أنت اللي قتلت بابايا" وغيرها من الأعمال.
تراجيديا بهجت قمر
ولد بهجت قمر عام 1937، وتألق مع فرقة الفنانين المتحدين بعد تأسيسها عام 1966، ليكتب للمسرح العديد من الأعمال الكوميدية المميزة، وأيضًا كتب للسينما أعمالًا كوميدية، لكن الأمر لم يقتصر على هذا الأمر فحسب، بل توجه إلى الكتابة الدرامية في حوار فيلم "الراقصة والطبال" الصادر عام ١٩٨٤ بطولة أحمد زكي ونبيلة عبيد، ليُبكي الجمهور ويُضحكهم في آن واحد مع تتبع قصة صعود راقصة من الموالد الشعبية وانهيار حلم مكتشفها الطبال أمام سطوة رأس المال والنفوذ.