بينما لا أحد يحب أن يعترف بأنه كان مخطئًا، يبدو أنّ الساسة لديهم "حساسية مفرطة" تجاه هذا الأمر؛ خاصة المتنافسيْن على دخول المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، واللذيْن يشحذ كل منهما أسلحته استعدادًا ليوم الخامس من نوفمبر الحاسم.
عمليًا، لم يعترف الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب أبدًا بارتكاب خطأ، بينما تلاعبت أو تهربت منافسته الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، خلال الأشهر الثلاثة التي قضتها كمرشحة رئاسية، من الأسئلة حول كيف ستبدو رئاستها مختلفة عن الإدارة الحالية، التي هي جزء منها.
لماذا لا يبدو الساسة قادرين على الاعتراف بالخطأ؟ هل هذا لأنهم نضجوا وغيروا وجهات نظرهم بناء على معلومات جديدة؟ هذا شيء نفعله جميعًا في نهاية المطاف، حتى إن القدرة على تغيير الرأي في مواجهة أدلة جديدة هي ما أطلق عليه جيف بيزوس ذات يوم "العلامة الأولى على الذكاء".
في تقريرها حول عدم اعتراف مرشحي الرئاسة الأمريكية بالأخطاء، تحدثت مجلة "نيوزويك" مع محللين نفسيين حاولوا شرح "كيف يكون السياسيون حساسين"، وكيف يعمل نموذج ترامب الرافض، وما إذا كان الناخبون سوف يتقبلون أو يعاقبون مرشحًا يمكنه ببساطة الاعتراف بأخطاء الماضي.
الاعتراف بالخطأ
هناك ثلاثة عوامل تمنعنا من أن نكون عرضة للخطر بسبب أخطائنا، كما يقول بول سبيكتور، محاضر علم النفس بجامعة جنوب فلوريدا، هي "الضعف والضغط الناجم عن عدم اليقين والافتقار إلى الأمان النفسي"، وهي ثلاث رفاهيات لا يعتقد الساسة الأمريكيون أنّهم قادرون على تحملها، وخاصة في عام الانتخابات.
من ناحية أخرى، البيئة السياسية في الولايات المتحدة لا تلائم هذه العقبات، ففي ساحة تنافسية تتم فيها مقارنة المرشحين بشكل مباشر، يبذل الساسة قصارى جهدهم لتجنب الظهور بمظهر الضعفاء. كما يقول "سبيكتور".
بينما لفت ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد جونستون، إلى أنّ اعتبار الاعتراف بالخطأ اعترافًا بالضعف هو رد فعل بشري بدائي، مضيفًا: "في حالة الساسة، فإن الأمر يتفاقم بسبب الاتهام بأنّ السياسي بلا مبادئ أو يعمل لمصالح انتخابية مختلفة".
وبينما أهم ما يمنع الناس من الاعتراف بأخطائهم هو "السلامة النفسية"، إذ إن الناس يحتاجون إلى الشعور بالقبول كما هم، وأنّهم قادرون على التعبير عن آرائهم دون التعرض للهجوم أو السخرية أو الانتقاد حتى يعترفوا بأخطائهم، لكن السياسة "ليست مكانا آمنًا من الناحية النفسية"، كما تقول "نيوزويك".
يقول ستيفن نيوبيرج، أستاذ علم النفس بجامعة ولاية أريزونا: "من الأسهل الاعتراف بالخطأ أمام شخص يفهم أنك شخص أخلاقي أو أنك تتمتع بحكم جيد ويثق بك بالفعل"، لكن أغلب السياسيين يتحدثون إلى أشخاص لا يثقون بهم.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل الماضي، يثق 22% فقط من الأمريكيين في قدرة الحكومة الفيدرالية على القيام بما هو صواب.
وتآكلت ثقة الجمهور الأمريكي في الحكومة بشكل كبير منذ ستينيات القرن العشرين، ورغم أنّ الأرقام الأخيرة تمثل ارتفاعًا عن نسبة 16% في العام الماضي -وهو أدنى مقياس فيما يقرب من سبعة عقود- فإن أغلبية الأمريكيين لم يقولوا إنهم يثقون في الحكومة منذ عام 2001.
وأشار "نيوبيرج" إلى أنه "عندما يتعلق الأمر بإدارة المؤسسات الكبيرة، مثل الحكومة، فأنت تريد أشخاصًا خالين من الأخطاء قدر الإمكان".
في الواقع، إذا كانت نسبة تأييد الرئيس منخفضة، قد يكون من الصعب عليه أن يتولى القيادة لأن الناس لا يميلون إلى الثقة في قراراته. وكان جزء من سبب انسحاب بايدن من السباق الحالي هو عدم قدرته على تعزيز نسب تأييده المتدنية منذ الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، بعد ستة أشهر من رئاسته.
هل يريد الأمريكيون رئيسًا قادرًا على الاعتراف؟
حسب الخبراء، هناك نوعان من القادة، الأول هو "الزعيم المهيمن" الذي يُظهر القوة طوال الوقت ولا يمكنه أبدًا الاعتراف بالضعف، مثل ترامب؛ أو صاحب الزعامة القائمة على الهيبة أو الخبرة، والتي تتجسد في نوع الساسة "الودودين" الذين يعجب بهم كثير من الأمريكيين، مثل هاريس.
ويشير ماك آدامز، الأستاذ في جامعة نورث ويست، إلى أنّ أغلب الساسة الناجحين يحتاجون إلى تحقيق التوازن بين الصفتين، وعندما يميلون أكثر إلى هذه الفئة الثانية، يصبح لديهم مجال أكبر للاعتراف بالأخطاء.
وقال: "في بعض الأحيان قد يكون هذا محببًا، لأنك في مثل هذه الحالات لا تخشى القائد كثيرًا.. بل إنك -بدلاً من ذلك- تُعجب به وترغب في أن تكون مثله".
ويرى بليك أشفورث، أستاذ الإدارة في جامعة ولاية أريزونا، أنه قد يكون من المفيد للسياسيين إجراء محادثات دقيقة حول سبب دفع بعض أنواع التأثيرات الخارجية إلى تغيير آرائهم بشأن قضية ما، أو إذا ناقشوا ما تعلموه من أخطائهم.
ولكن في أغلب الأحيان، كما قال لـ"نيوزويك"، يلجأ الساسة إلى إجبار مواقفهم الحالية على أن تبدو متسقة مع آرائهم القديمة، أو التظاهر بعدم وجود أي فرق بينها منذ البداية، والواقع أنّ الهجمات على التقلبات في المواقف تشكل استراتيجية مثبتة في الحملات الانتخابية.
وقال جون جوست، أستاذ علم النفس والسياسة في جامعة نيويورك، إنّ القول أسهل من الفعل، موضحًا: "في عالم مثالي، سيكون الزعماء والسياسيون قادرين على الاعتراف بأخطائهم.. لكننا بعيدون جدًا عن هذا".
وأضاف: "لقد تعلم ترامب منذ فترة طويلة أنه يستطيع الإفلات من أي شيء حرفيًا، فهو لا يتحمل أي مسؤولية، ولا أحد يحمله المسؤولية بأي شكل جدي.. لقد كان يتصرف بإفلات من العقاب لعقود من الزمان".
من ناحية أخرى، تواجه هاريس معركة شاقة عندما يتعلق الأمر بتغيير رأيها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الصور النمطية "بما في ذلك التصور الخاطئ بأنّ النساء متقلبات ولا يمكن الوثوق بهن في القيادة بشكل حاسم"، وفق الأستاذ بجامعة نيويورك.
وقال "جوست"، إن "الليبراليين والمحافظين لا يتفاعلون على قدم المساواة. من الواضح أن المحافظين مثل ترامب يستطيعون الإفلات من العقاب، ربما لأن قاعدته الانتخابية تسمح له بذلك، في حين لا يستطيع الليبراليون ذلك.. ولا شك أنّ المشكلة تتفاقم بسبب قضايا العرق والجنس".