كشفت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية عن مخاوف جديّة من تداعيات الخلاف الدبلوماسي المتنامي بين زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قد يبدو للوهلة الأولى مجرد تباين سياسي عادي، لكنه يحمل في طياته مخاطر حقيقية على مستقبل العلاقات بين البلدين وأمن أوروبا الغربية بأكملها.
ويكمن جوهر الأزمة في قرار حزب العمال البريطاني إرسال مجموعة كبيرة من نشطائه، يصل عددهم إلى 100، للمشاركة في الحملة الانتخابية لدعم كامالا هاريس بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة.
وبينما يصر "ستارمر" على أن علاقته مع ترامب لم تتأثر بهذا الخلاف، أشارت مصادر مطلعة على طبيعة هذه العلاقات إلى عكس ذلك تمامًا.
وأكدت مصادر "ذا تليجراف"، أنّ شخصية ترامب لا تقبل المناورات الدبلوماسية الدقيقة، وأنه معروف بقدرته الفائقة على حمل الضغائن والاحتفاظ بها لفترات طويلة.
دروس الماضي القريب
تستحضر الذاكرة الدبلوماسية البريطانية حادثة مشابهة وقعت خلال فترة رئاسة تيريزا ماي، عندما اضطر السير كيم داروك، السفير البريطاني في واشنطن آنذاك، لتقديم استقالته بعد تسريب مذكرة دبلوماسية سريّة.
ووصف "داروك" في المذكرة إدارة ترامب بأنها "غير كفؤة وغير آمنة"، ما أثار غضب الرئيس الأمريكي آنذاك ودفعه للإعلان صراحة عن رفضه التعامل مع السفير البريطاني.
استغرق الأمر سنوات طويلة حتى تمكنت خليفته، كارين بيرس، من ترميم العلاقات المتصدعة وبناء جسور التواصل من جديد مع الفريق المحيط بترامب.
التداعيات الاقتصادية المحتملة
وتكتسب هذه الأزمة الدبلوماسية أهمية خاصة في ظل التصريحات الأخيرة لترامب بشأن سياساته التجارية المستقبلية، إذ أعلن الرئيس الأمريكي السابق نيته فرض تعريفات جمركية جديدة على الواردات إلى الولايات المتحدة، في خطوة تذكر بقراره السابق بفرض رسوم على واردات الألومنيوم والصلب خلال فترة رئاسته الأولى.
ولهذه التصريحات أهمية خاصة لدى بريطانيا في مرحلة ما بعد بريكست، إذ كان من المفترض أن تستفيد المملكة المتحدة من انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، الذي يعده ترامب تكتلًا حمائيًا، لبناء علاقات تجارية متميزة مع الولايات المتحدة.
مستقبل "ناتو"
ويمتد تأثير هذا التوتر الدبلوماسي إلى ما هو أبعد من العلاقات التجارية، ليطول مستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ أثار ترامب مخاوف حلفائه الغربيين بتصريحاته المتكررة حول احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، الذي يضم 32 دولة، معبرًا عن غضبه من عدم التزام العديد من الأعضاء بتعهداتهم المالية تجاه الحلف.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية الدور البريطاني كحليف استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة في أوروبا الغربية، إذ يتوقع أن تلعب لندن دورًا محوريًا في إقناع ترامب، في حال عودته إلى البيت الأبيض، بعدم اتخاذ خطوات من شأنها إضعاف التحالف الغربي.
الجهود الدبلوماسية المهددة
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ"ذا تليجراف" عن نجاح الفريق البريطاني في الأشهر الأخيرة في تحقيق اختراق مهم، تمثل في إقناع ترامب بعقد لقاءات ثنائية مع مسؤولي السفارة في منتجعه مار-إيه-لاجو بولاية فلوريدا.
غير أن المخاوف تتزايد الآن من احتمال إلغاء هذه اللقاءات المستقبلية في ضوء الأزمة الراهنة.
وأكد أحد المصادر المطلعة على التعاملات السابقة مع فريق ترامب أنّ "هذا الخلاف قوّض تمامًا العمل الذي قام به فريق السفارة البريطانية في واشنطن"، مضيفًا أنّ ترامب لن يميز بين السفيرة البريطانية وحكومة حزب العمال.
مجازفة غير محسوبة
يرى خبراء السياسة الخارجية أن قرار حزب العمال بإرسال مجموعة كبيرة من النشطاء للمشاركة في حملة منافِسة ترامب يمثل مجازفة غير محسوبة العواقب.
وقال أحد المستشارين السابقين في وزارة الخارجية البريطانية إن "حزب العمال ارتكب العديد من الأخطاء منذ توليه السلطة، وفي هذه الحالة أساءوا قراءة الموقف تمامًا".
وأضاف مستشار سياسي آخر أن "أي شيء يؤثر سلبًا على موقف ترامب تجاه بريطانيا وأوروبا هو أمر غير مفيد"، متسائلاً عن جدوى المخاطرة بإرسال مائة شخص إلى الولايات المتحدة للمشاركة في حملة منافسته.