الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما هي التأثيرات الاقتصادية لقمة "بريكس" الـ 16؟

  • مشاركة :
post-title
قمة بريكس الـ 16 في قازان

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

بدءًا من اليوم حتى الـ24 من أكتوبر الجاري، ستنعقد قمة "بريكس" السادسة عشرة في مدينة قازان الروسية، بمُشاركة نحو 38 دولة و24 رئيسًا، من بينهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومن هنا يُمكن القول إن هذه القمة ستحتل زخمًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا، خاصة أنها تنعقد قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأسبوعين، وفي ظل توترات جيوسياسية كبيرة.

تكتل بريكس في عام 2024 ازداد قوة في الاقتصاد العالمي، حيث إن نسبة مُساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي ارتفعت من 25% إلى 40%، فتوسيع العضوية مع دول لها ميزات اقتصادية كبيرة، سيُحقق الأهداف التي يسعى إليها التكتل بشكل كُفء وسريع، إذ أصبح عدد الأعضاء عشرة بانضمام "مصر والسعودية والامارات وإيران وإثيوبيا"، ليتوسع التكتل عددًا وحجمًا في الاقتصاد العالمي، بعدما كان التكتل يضم خمس دول فقط "الصين، الهند، روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا"، وبالتالي بلغ إجمالي ناتج التكتل بعد انضمام 5 دول جُدد إليه 28.3 تريليون دولار، بدلًا من 25.8 تريليون دولار قبل توسيع العضوية، أي ارتفع ناتج التكتل بـ 2.5 تريليون دولار، كما يوضح الشكل (١).

الشكل (1) يوضح حجم تكتل البريكس في عامي 2023 و2024
قضايا اقتصادية

(-) دعم جهود التنمية للدول الأعضاء: ستُركز قمة قازان بشكل كبير على كيفية تقديم الدعم للدول الأعضاء؛ لتحقيق إنعاش اقتصادي قوي داخل بلادهم، إذ إن تحقيق التنمية الاقتصادية داخل الدول الأعضاء يُعد من الأمور الأساسية التي يهدف تكتل بريكس إلى تحقيقها، كما أن ارتفاع النمو الاقتصادي داخل دول التكتل سيعكس مدى قوة التجمع في الاقتصاد العالمي.

(-) طرح قضايا تغير المناخ: تحتل قضية المناخ اهتمامًا كبيرًا من قبل تكتل بريكس، إذ يسعى إلى محاولة الموازنة بين مصالح الدول الاقتصادية، وبين مصالح الطاقة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ويستدل على هذا الاهتمام، بأن عقد تجمع بريكس اجتماعًا رفيع المستوى، حول تغير المناخ في نهاية أغسطس 2024، إذ ترأس هذا الاجتماع "مكسيم ريشتنيكوف"، وزير التنمية الاقتصادية في الاتحاد الروسي، وحضره وزراء وممثلون عن جمهورية مصر وإيران والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا والإمارات العربية المتحدة، وخلاله أوضح سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الاتحاد الروسي كيف أن العقوبات غير القانونية والأُحادية تؤدي إلى تدمير البيئة ونقص الموارد المالية ونقل التكنولوجيا، ومن هنا ناقش الأعضاء المشاركون أفضل الممارسات فيما يتعلق بتدابير وسياسات التخفيف من أجل انخفاض الكربون وزيادة القدرة على التكيف والاعتراف بالاحتياجات الخاصة للدول النامية، مما يُحقق التنمية المُستدامة، ومن هنا فهذه القضية ستحتل أهمية قصوى في قمة قازان بروسيا.

(-) زيادة العلاقات الاقتصادية مع إيران: أعلن السفير الإيراني في موسكو أن الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" سيُشارك في قمة الدول الأعضاء في منظمة بريكس، وتُعد إيران شريكًا تجاريًا مهمًا مع روسيا، فكما يوضح الشكل(2) أن عام 2010 شهد ارتفاعًا كبيرًا في الصادرات الروسية لإيران، إذ سجلت 3.36 مليار دولار، كما أن الصادرات الروسية لإيران ارتفعت من 1.21 مليار دولار في عام 2018 إلى 3.07 مليار دولار في عام 2021، وفي عام 2022 ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران بنسبة 4.9% ليصل إلى 4.9 مليار دولار، كما أوضح "ليونيد لوشتشكو" رئيس المجلس التجاري الروسي الإيراني، أن حجم التجارة المباشرة بين روسيا وإيران يبلغ 5 مليارات دولار في عام 2024، هذا فضلًا عن التبادل التجاري الذي يتم بشكل غير مباشر عبر دول ثالثة، وبتضمين هذا القدر من التجارة غير المباشرة، فإن التبادل التجاري بين إيران وروسيا يصل إلى 15 مليار دولار، وهو الأمر الذي يوضح أن مشاركة إيران في قمة قازان ستسفر عنها اتفاقيات تجارية واقتصادية كبيرة مع روسيا، منها اتفاقيات في مجالات النقل والنفط والغاز ومجالات الأغذية والمنتجات الزراعية والأدوية.

الشكل (٢) يوضح حجم الصادرات الروسية لإيران

(-) تنشيط التبادل التجاري: إن التبادل التجاري بين الدول الأعضاء سيحتل اهتمامًا كبيرًا في قمة قازان المُقبلة، إذ إنه من المتوقع أن تتناول هذه القمة الحديث عن نظام للتبادل التجاري، يُحقق السلاسة التجارية بين الدول الأعضاء، إذ طالبت الدولة المصرية في يونيو الماضي بتحفيز التعامل بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء خلال كلمة رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" في ملتقى "بنك التنمية" التابع للبريكس في القاهرة، وهو الأمر الذي يوضح أن هذا المقترح سيُناقش بشدة في قمة بريكس، كما أن من الأمور التي من المتوقع مُناقشتها، استخدام عملة موحدة بين دول بريكس، منها العملات الرقمية مثل الروبل الرقمي.

(-) إصلاح النظام النقدي والمالي: من المُرجح بشكل كبير أن تتناول قمة بريكس مبادرات حول إصلاح النظام النقدي والمالي العالمي، إذ تقوم وزارة المالية الروسية والبنك المركزي الروسي، وفق ما أفادت به رئيسة مجلس الفدرالية الروسي "فالنتينا ماتفيينكو"، بالتعاون مع الشركاء في المجموعة؛ لإعداد تقرير حول مشروع تحسين النظام النقدي والمالي الدولي، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه إنشاء منصة للتسوية والدفع الرقمي، ففي حالة الموافقة على هذه المبادرة الروسية، سيتم تنسيق العمل التشريعي لها من قبل دول "بريكس"، وهو الأمر الذي من المُحتمل أن تناقشه القمة بشكل كبير.

تأثيرات اقتصادية

تُساهم قمة بريكس في التوقيت الحالي في إحداث تأثيرات اقتصادية كبيرة، كما سيتم التوضيح على النحو التالي:

(-) مواجهة تأثير التوترات الجيوسياسية: إن التأثير الاقتصادي السلبي للتوترات الجيوسياسية، خاصة الحرب في غزة والحرب الروسية الأوكرانية على دول منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الدول النامية، سيجعل هذه القمة محط آمال كبيرة لهذه الدول، فمن ضوء الموضوعات الاقتصادية التي تم حصرها، يُمكن القول أن قمة تكتل بريكس في هذا التوقيت، تساعد الدول الأعضاء على تخفيف الآثار السلبية الجمة من هذه التوترات، إذ خسرت دول منطقة الشرق الأوسط العديد من الإيرادات التي تنعش اقتصادها، ففي مصر انخفضت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار في 2022 / 2023 إلى 7.2 مليار دولار في 2023/2024 كما يوضح الشكل (3)، هذا فضلًا عن فقدان إيرادات كبيرة في القطاع السياحي، وهو الأمر الذي سيعوضه التعاون الاقتصادي الكبير بين الدول الأعضاء في التكتل.

الشكل (3) يوضح إيرادات قناة السويس في 2022/2023 و2023/2024-المصدر: هيئة قناة السويس

(-) تقليل الهيمنة الدولارية: يُعد المكسب الرئيسي من قمة قازان في هذا التوقيت، هو تقليل الاعتماد على عملة الدولار في الكثير من الأنشطة التجارية والاقتصادية للدول الأعضاء، ففي ظل التوترات الكبيرة وضعف التدفقات الدولارية للدول، ستستطيع الدول تحقيق التنمية المستدامة، من خلال التوسع في العلاقات التجارية بين دول تكتل بريكس بالعملات المحلية أو نظام العملة الموحدة، فهذا التعاون يعتبر مُحققًا أساسيًا لطفرات النمو داخل دول تكتل بريكس بدون الاعتماد على عملة الدولار التي تعاني الدول النامية من نقص كبير فيها.

(-) إتاحة تمويل مُنخفض التكلفة: يُعاني عدد كبير من الدول الأعضاء داخل تكتل بريكس من نقص في مصادر تمويل التنمية، فمن المُرجح بشكل كبير أن قمة قازان سيترتب عليها تقديم تمويلات تنموية كبيرة للدول الأعضاء، بمعني أنه سيتم تفعيل دور بنك التنمية الجديد بشكل أكبر، إذ أصبح يمارس دورًا تنمويًا كبيرًا في الدول الإفريقية، حيثُ أعلن في نهاية أغسطس الماضي تقديم تمويل بقيم تصل إلى مليارات الدولارات للمناطق الأكثر فقرًا في جنوب إفريقيا؛ لتمويل مشروعات المياه والصرف الصحي.

وفي هذا الإطار أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، أن رئيسة بنك التنمية الجديد "ديلما روسيف" من المُقرر أن تلقي كلمة أمام القمة، فمن هنا قمة قازان في ذلك الوقت من المُحتمل أن توفر تمويلًا كبيرًا للدول النامية، يُساعدها على تحقيق التنمية الاقتصادية الكبيرة، إذ إن الهدف الأساسي لهذا البنك، هو إنشاء بنية تحتية جديدة وتحسين جودة الحياة داخل الدول الأعضاء، وأن تتوسع استثمارات البنك في مجالات نقل التكنولوجيا، وحل مشاكل أمن الطاقة والغذاء وخلق التنمية، وسيكون هذا التمويل بشروط مُيسرة جدًا على الدولة الأعضاء، بعكس الإجراءات الصعبة في مؤسسات التمويل الدولية الأخرى، وهو الأمر الذي سينعكس على تقليل الضغط على الدولار، إذ إن هذا التمويل لن تكون تكلفته بالدولار.

(-) إبراز ميزان القوى العالمي: إن انعقاد قمة بريكس قبل الانتخابات الرئاسية بأسبوعين، تبعث رسالة قوية أن النظام الاقتصادي العالمي أصبح به تكتل يضم اقتصاديات مهمة، تمارس تأثيرًا قويًا في هذا النظام، وتعتبر قطبًا رئيسيًا في تشكيل هويته، إذ إن التعاون الروسي الإيراني سيساعد الاقتصاد الإيراني على تحقيق أهدافه في مجالات الطاقة والنووي، وستنعش اقتصاده بشكل كبير، وهو الأمر الذي سيتحقق في باقي الاقتصاديات الأخرى، مما سيخلق تغييرًا كبيرًا في التوجهات الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط.

(-) كسر العُزلة الاقتصادية لبعض الدول: يستفيد العديد من الدول التي فُرض عليها عقوبات غربية كبيرة، خاصة روسيا وإيران، من انعقاد قمة واسعة لتكتل بريكس، تضم هذا المستوى من الحضور، فهذا التجمع سيخلق اتفاقيات ومعاهدات اقتصادية تجعل العلاقات الدولية تأخذ مسارًا آخر، وهو الأمر الذي سينعكس على اقتصاديات هذه الدول.

وعليه يُمكن اعتبار قمة بريكس في قازان بروسيا بمثابة تأكيد للنظام الأمريكي الجديد الذي ستفسر عنه الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المُقبل، بأن النظام العالمي أصبح به تكتل اقتصادي وسياسي كبير، يعمل على موازنة معايير القوى العالمية، إذ يسعى إلى إلغاء هيمنة دولة واحدة على الاقتصاد العالمي، وهو ما يُشكل مُعطيات جديدة للرئيس الأمريكي الجديد، ومن ناحية أخرى تعمل هذه القمة على تنشيط الوضع الاقتصادي داخل العديد من الدول الأعضاء، فالموضوعات الاقتصادية التي ستطرحها القمة ستُحقق انتعاشًا كبيرًا لاقتصاديات هذه الدول، في ضوء أنها ستعمل على زيادة العلاقات الاقتصادية بشكل يُحقق الكفاءة للدول، خاصة في ظل التأثيرات السلبية الكبيرة للتوترات الجيوسياسية.