الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تأثر الاستقرار الدولي بسبب صراعات الإقليم والعالم؟

  • مشاركة :
post-title
الصراع العالمي والإقليمي - تعبيرية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

طرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 17 أكتوبر 2024 احتمال أن تسعى بلاده إلى اقتناء السلاح النووي، في مسعى إلى ردع موسكو في حال تعذر عليه الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهو ما اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استفزازًا خطيرًا، وسيلقى كل تدبير في هذا الاتجاه ردًا مناسبًا، وأن روسيا لن تسمح بحدوث ذلك في أي ظرف. 

وإذا كانت الولايات المتحدة تعتبر ما تقوم به إسرائيل من حروب غاشمة على العديد من الجبهات التي أشعلتها، بمثابة دفاع عن النفس، فإن استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل يُسهم في تهيئة السياق المواتي نحو حرب إقليمية شاملة بدت بوادرها في التصعيد العسكري الإيراني المُتبادل، بما يجعل إقليم الشرق الأوسط على حافة الهاوية.

وبرغم تصريحات الرئيس الصيني، شي جين بينج، في 15 أكتوبر 2024 بأن العلاقات الصينية الأمريكية هي واحدة من أهم العلاقات الثنائية في العالم، والتي تؤثر على رفاهية الشعبين ومستقبل البشرية، وأن الصين والولايات المتحدة يجب أن تعملا كداعم لتنمية كل منهما، وليس كعائق، وأن بكين مستعدة للعمل مع واشنطن كشركاء وأصدقاء، إلا أن الحروب التجارية بين الجانبين، ودعم الولايات المتحدة لاستقلال تايوان، ومحاولة احتواء الصعود الصيني في منطقة الإندوباسيفيك يعكس نمطًا صراعيًا لا تعاونيًا بين القطبين الكبيرين.

تأسيسًا على ما سبق، يُمكن القول إن الصراعات الإقليمية والدولية المتفجرة مثل الصراع الروسي الأوكراني، والصراع الأمريكي الصيني، والصراع الأمريكي الروسي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع الإيراني الإسرائيلي، تشكل تحديًا للاستقرار العالمي، في ظل تداخلها وتأثيراتها الممتدة على التحالفات والتحالفات المضادة، والتي تزايدت وتيرتها خلال الآونة الأخيرة، وجعلت أقاليم العالم المختلفة في حالة من عدم الاستقرار، واتجاه أطرافها والمتأثرين بتداعياتها نحو تخصيص جانب معتبر من موازناتها نحو التسليح، بما خلق حالة من سباق التسلح العالمي، دفعت العديد من المحللين للحديث عن مقدمات لحرب عالمية ثالثة، لاسيما أن الأطراف الدولية الرامية لتغيير النظام الدولي أو الداعمة للحفاظ على قواعده الحالية، حاضرة في تلك الصراعات مع ما تمتلكه من مرتكزات للقوة العسكرية، وفي مقدمتها الأسلحة النووية. وهو الأمر الذي يثير تساؤلًا رئيسيًا مفاده.. هل يُسهم تعقد الصراعات الحالية، واستدامتها دون أفق لتسويتها في تهيئة السياق المواتي لاندلاع حرب عالمية ثالثة، أم إن ثمة قيودًا وكوابح تحول دون ذلك السيناريو الأصعب؟

صراعات مُعقدة

تتنوع الصراعات الإقليمية والدولية التي تشكل تهديدًا للاستقرار العالمي، ويُمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

(*) الصراع الروسي الأوكراني: شكل الصراع الروسي الأوكراني الذي دخل عامه الثالث نقطة تحول مفصلية في مسار الأمن الأوروبي، الذي بدا منكشفًا باعتماده على 40% من استهلاك الغاز على روسيا، وهو ما دفع العديد من الدول الأوروبية التي عانت من أزمة الطاقة إلى عقد اتفاقات ممتدة مع بعض الدول العربية المنتجة للطاقة لإمدادها بالغاز والنفط، غير أن الملمح الأكثر تأثيرًا للصراع الروسي الأوكراني هو ما ارتبط باتجاه العديد من الدول الأوروبية نحو زيادة إنفاقها العسكري، بما جعل القارة الأوروبية كما لو كانت تتجه نحو سباق تسلح عالمي، الأمر الذي عكسته حالة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. 

في المقابل فإن روسيا التي يعتقد الكثير من المحللين بأنه تم استدراجها نحو المستنقع الأوكراني، للحد من كثافة العلاقات الاقتصادية الأوروبية على حساب العلاقات الأمريكية الأوروبية، فإنها تهدد باستخدام السلاح النووي حال استهداف عمق الأراضي الروسية، أو في حال إمداد الدول الغربية لأوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، وهو الأمر الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالقول في 25 سبتمبر 2024 بأن روسيا ستنظر في إمكان استخدام الأسلحة النووية في حال إطلاق كثيف لطائرات أو صواريخ أو طائرات مُسيرة على أراضيها.

(*) الصراع الأمريكي الصيني: يُجسد الصراع الأمريكي الصيني التنافس الدولي على قمة النظام الدولي، ما بين قوة صاعدة اقتصاديًا تسعى لتحويله من نظام أُحادي القطبية إلى نظام مُتعدد الأقطاب، وأخرى تكافح من أجل استمرار هيمنتها على النظام الدولي، لذلك تبنت الولايات المتحدة استراتيجية التوجه شرقًا لمُحاصرة الصعود الصيني في آسيا، وذلك من خلال تشكيل تحالفات في منطقة الإندوباسيفيك وفي مقدمتها تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، واليابان والهند والذي أنشئ عام 2007 وأُعيد تفعيله عام 2017 لاحتواء الصين والوقوف أمام صعودها العسكري والاقتصادي. 

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف سبتمبر 2021 عن تحالف "أوكوس" الذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كلًا من أستراليا وبريطانيا، ويهدف التحالف إلى إمداد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.

(*) الصراع الأمريكي الروسي: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 10 يوليو 2024 على هامش قمة الناتو التي انعقدت بواشنطن، عزمها نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا؛ بهدف ردع روسيا لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، وردت روسيا على ذلك في 13 يوليو 2024 بالتلويح باستهداف عواصم أوروبية حال تنفيذ الولايات المتحدة لذلك الوعد، كما دشنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا في 11 يوليو 2024 مبادرة لتطوير صواريخ كروز، تطلق من الأرض ويزداد مداها على 500 كيلومتر، لسد فجوة في الترسانات الأوروبية كشفتها تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا. 

في مقابل ذلك أعلنت وزارة الدفاع الصينية أن الجيشين الصيني والروسي، أطلقا مناورات بحرية مشتركة تحمل اسم البحر المشترك 2024، وتزامن ذلك مع انعقاد قمة حلف الناتو بواشنطن التي هدفت لإعادة تأكيد الدعم الغربي لأوكرانيا.

(*) الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: يُشكل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعدم تسويته وفق مقررات الشرعية الدولية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، المعضلة الرئيسية لاستقرار الشرق الأوسط، والتي تعمقت بوصول حكومة يمينة متطرفة إلى سدة الحكم في إسرائيل، وظفت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023؛ لشن حرب غاشمة على قطاع غزة أدت إلى سقوط ما يزيد على 150 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح، وتدمير أحياء القطاع، ونزوح سكانه من مناطق إقامتهم. وبرغم تنوع المبادرات الرامية إلى وقف إطلاق النار، إلا أن المجتمع الدولي وقف عاجزًا أمام غطرسة إسرائيل، لوقف عدوانها على غزة؛ بما أدى لاندلاع مظاهرات في العديد من المدن والعواصم والجامعات الغربية؛ للمطالبة بوقف إطلاق النار، ووقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع.

(*) الصراع الإسرائيلي الإيراني: مثّل سقوط الردع ما بين إسرائيل وإيران نقطة تحول في الصراع بينهما، بعد قيام إسرائيل باستهداف المصالح الإيرانية بشكل مباشر من خلال قصف مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا، وتصفية قيادات الأذرع المدعومة من إيران، وكذلك قصف مناطق تمركزات للحوثيين في اليمن. 

وقد جاء الرد الإيراني على تلك العمليات بشن هجومين بالصواريخ والمُسيرات، وصلت إلى عمق تل أبيب، وإن ظلت الخسائر محدودة، إلا أن اعتزام إسرائيل على توجيه رد على استهداف إيران لأراضيها يجعل من إمكانية اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط احتمالًا واردًا، لاسيما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي لطالما حذّر من تمدد الحرب الإسرائيلية على غزة إلى مناطق أخرى من الإقليم، أعلن في 18 أكتوبر 2024 أن لديه علمًا بكيفية الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران، في وقت سابق. لذلك جاء تحذير وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في 20 أكتوبر 2024 لإسرائيل من شن هجوم على إيران، التي سترد بالمثل، وأنه إذا اندلعت حرب شاملة فإن واشنطن ستجر إليها.

سيناريوهان محتملان

يُشكل الملمح الأهم لغالبية الصراعات التي تنتشر في أقاليم العالم المختلفة، أن الولايات المتحدة الأمريكية مؤثر في تفاعلاتها سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو الأمر الذي يجعل مستقبل تلك الصراعات رهنًا بسيناريوهين رئيسيين:

(*) السيناريو الأول تصعيدي: يُشير هذا السيناريو إلى الانقسام العالمي، في ظل غياب أي أفق لتسوية تلك الصراعات، وهو ما سيُؤثر على الاستقرار العالمي، فعلى سبيل المثال، فإن ثمة إصرارًا من الأقطاب الراغبة في تغيير النظام الدولي، وفي مقدمتها الصين وروسيا للتحول إزاء التعددية القطبية، بدلًا من الهيمنة الأُحادية للولايات المتحدة الأمريكية على تفاعلات النظام الدولي.

وفق ذلك السيناريو فإن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود المنظومة الغربية ترفض الانصياع للصيرورة التاريخية لصعود وهبوط الحضارات، بما يجعلها داعمة لاستنزاف أطراف الصراع، فتتجه نحو خوض حرب تجارية بوضع قيود على واردات الصين إلى الأسواق الأمريكية، فضلًا عن حرب الرقائق، ومنع تزويد الصين بأشباه الموصلات من الدول المنتجة لها، كما تتجه الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها في منطقة الإندوباسيفيك لمواجهة التمدد الصيني، وقد جاءت موافقة الكونجرس الأمريكي على حزمة من المساعدات الخارجية في أبريل 2024 والتي تقدر بحوالي 95 مليار دولار لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، لاسيما مع تخصيص ثمانية مليارات دولار، لمواجهة التهديدات الصينية في تايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادي. كذلك فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عقوبات على روسيا؛ بهدف التأثير على القدرات الاقتصادية لروسيا، وإفشالها في تمويل حربها في أوكرانيا، ومحاصرة اقتصادها بتلك العقوبات؛ للتأثير على توجهات الداخل الروسي إزاء النظام القائم، كذلك شكل الانحياز الأمريكي لإسرائيل في حروبها المفتوحة في الشرق الأوسط، عاملًا لتنامى موجات من الكراهية ضد تلك الازدواجية الأمريكية. حيث ترفض شعوب المنطقة مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في حروب الإبادة الجماعية التي تمارسها دون رادع أخلاقي أو دولي.

(*) السيناريو الثاني: يتجه هذا السيناريو نحو التهدئة، ويقوم على إدراك أطراف الصراعات المتفجرة بأن تكلفة استمرارها يسهم في استنزاف قدرات تلك الدول، ويحول دون استقرارها، فالمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدول أطراف تلك الصراعات تشكل كابحًا رئيسيًا يحول دون تفاقمها، كما يشكل امتلاك السلاح النووي للأطراف المنخرطة في الصراعات الخمسة المشار إليها سابقًا، عاملًا مساندًا لكبح حدة تلك الصراعات، والحد من تداعياتها على الاستقرار العالمي.

مجمل القول، إن الخروج من مأزق الصراعات الإقليمية والدولية الحالية يرتبط بكيفية إدارة تلك الصراعات من دون الوصول إلى حافة الهاوية التي ستهدد الاستقرار العالمي حال خروجها عن السيطرة، وهو الأمر الذي يتطلب من القوى الدولية الضغط على إسرائيل؛ لوقف عدوانها الغاشم على غزة، ولبنان، بما يحول دون انخراط مزيد من القوى في ذلك الصراع الذي ربما لن يصبح فقط صراعًا إقليميًا، بل قد يتحول إلى صراع دولي يضع العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة، ستكون لها آثارها المدمرة على كل الأقاليم بلا استثناء.