فيما يبدو وكأنه تدريب خارج الأراضي الأمريكية استعدادًا لانتخابات الخامس من نوفمبر المقبل، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمواجهة ما تصفه بأنه "الجهود الروسية" للتأثير على الانتخابات المقررة، غدًا الأحد، في مولدوفا، التي تواجه مزاعم حملات تضليل وهجمات إلكترونية وحملات تأثير مرتبطة بروسيا خلال الأشهر التي سبقت التصويت.
ويستعد مواطنو الدولة المهمة على حدود أوكرانيا، الواقعة في وسط أوروبا، لاختيار رئيسهم الجديد، وما إذا كانوا سيستمرون على مسار عضوية الاتحاد الأوروبي. حيث تقف مولدوفا عند مفترق طرق ما بين إذا كانت ستنتقل إلى فلك الغرب أم ستتجه أكثر نحو موسكو.
في الوقت نفسه، لن تحدد نتيجة الانتخابات مستقبل البلاد فحسب بل "إنها توضح أيضًا إلى أي مدى قد تذهب روسيا لتوسيع نفوذها في أوروبا إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، وما إذا كانت الدول الغربية قادرة على وقف هذه الجهود"؛ حسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
هكذا، أرسلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مستشارين، وتبادلوا معلومات حول التهديدات، وكذلك نصائح حول كيفية مواجهة الجهود الرامية إلى التوصل إلى نتيجة مواتية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وينقل التقرير عن مسؤولين ومشرعين أمريكيين إن الانتخابات المولدوفية "بمثابة تذكير بأن روسيا تعمل بنشاط على التأثير على الأصوات في الخارج بطرق يمكن أن تقوّض التحالفات العالمية"، بينما نفى الكرملين الاتهامات بالتدخل في الانتخابات خلال الأيام الأخيرة.
ترقب وحذر
حاليًا، يراقب الحلفاء الغربيون مولدوفا عن كثب، باعتبارها مؤشرًا على الكيفية التي قد تحاول بها روسيا التدخل في انتخابات أخرى في أوروبا للتأثير على نتائج الحرب في أوكرانيا.
تنقل "بوليتيكو" عن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي مارك وارنر، وهو ديمقراطي من ولاية فرجينيا: "إن الجهات الفاعلة الروسية الخبيثة تستهدف أكثر من مجرد الانتخابات الأمريكية. وقد بذلت جهودًا متضافرة لتشكيل النتائج في انتخابات شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين، باستخدام العديد من التقنيات والتكتيكات نفسها".
وقال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، للصحفيين هذا الأسبوع: "إن روسيا تعمل بنشاط على تقويض الانتخابات في مولدوفا وتكاملها الأوروبي".
كما اتهم "كيربي" موسكو بتخصيص "ملايين الدولارات" لدعم المرشحين المفضلين في الانتخابات الرئاسية، وألقى باللوم بشكل خاص على إيلان شور، وهو سياسي مولدوفي سابق موالٍ لروسيا، لدعمه ماليًا الجهود الرامية إلى دفع أموال للمولدوفيين للتصويت ضد العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
وذكرت "بوليتيكو" الأسبوع الماضي أن "شور" ساعد في غسل أكثر من 15 مليون دولار من الأموال الروسية التي استُخدمت لدفع أموال لنحو 130 ألف مولدوفي في سبتمبر المنقضي وحده للتصويت ضد المضي قدمًا في الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت كريستينا جيراسيموف، نائبة رئيس وزراء مولدوفا ورئيسة تكامل الاتحاد الأوروبي، لـ"بوليتيكو"، أول أمس الخميس: "نحن نرى مجموعة الأدوات الهجينة الكلاسيكية التي تستخدمها روسيا للتأثير على الانتخابات، لكن حجمها غير مسبوق حقًا".
وأضافت: "نشهد هجمات هجينة على المؤسسات العامة المسؤولة عن الخدمات الحيوية، مثل مكتب البريد والمطار. ونرى شراء الأصوات، ونرى استخدام وكلاء فاسدين محليين وأحزاب سياسية يتم منحهم أموالاً لزعزعة استقرار الوضع على الأرض".
جهود مشتركة
وفق التقرير، تعمل وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية ووزارة الخارجية الأمريكية مع الحكومة المولدوفية والقطاع الخاص لتقديم الدعم، بما في ذلك تبادل المعلومات حول التهديدات والتصدي للهجمات السيبرانية على المنظمات الحيوية.
وحسب كيربي، عرضت الإدارة الأمريكية المساعدة السيبرانية والتقنية على وكالات الحكومة المولدوفية فيما يتعلق بالانتخابات.
وقال شون باورز، المتحدث باسم مكتب الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، إن وكالته "على اتصال يومي بالحكومة المولدوفية بشأن هذه القضية".
إضافة إلى ذلك، أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأوروبي، مساء أول أمس الخميس، ما وُصِف بأنه "وثيقة توبخ روسيا على جهودها للتدخل في مولدوفا. وتدين، رسميًا، تلاعب روسيا المستمر بالمعلومات، وتدخلها لمحاولة تقويض الانتخابات الديمقراطية".
ويشارك حلف شمال الأطلسي أيضًا في دعم مولدوفا من خلال مبادرة بناء القدرات الدفاعية والأمنية ذات الصلة، التي تركز بشكل خاص على مولدوفا لمكافحة المعلومات المضللة التي تستهدف المدنيين في البلاد، وفقًا للمتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي بيجي بوبليت.
وبينما يزيد عدد سكان البلاد قليلًا على 2.4 مليون نسمة، يشير تقرير "بوليتيكو" إلى أن عدد المستهدفين يبلغ نحو 5% من السكان.
ووصف فاسيليس نتوساس، رئيس العمليات الأوروبية في تحالف تأمين الديمقراطية التابع لصندوق مارشال الألماني، هذا بأنه "رقم مذهل" وحذّر من أنه من المرجح أن يكون هناك المزيد من المستهدفين.
وقال "نتوساس" عن مزاعم التدخل الروسية: "ما نراه الآن في مولدوفا غير عادي، إنه أمر لافت للنظر. الشدة، والامتداد، والنطاق، وتنوع الروايات، وعدد الوكلاء، والجهات الفاعلة المحلية التي ترغب في تعزيز هذه الروايات".
وقال ريني ويستكوت، المحلل الاستخباراتي البارز في شركة Blackbird.AI، التي تتعقب جهود التضليل والمعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، إن روسيا تستخدم قنوات "تليجرام" لنشر ما قال إنه "روايات مؤيدة لروسيا"، وهي الجهود التي تصاعدت هذا الأسبوع قبل انتخابات 20 أكتوبر.