في حين لم يهدد أي زعيم أوروبي، باستثناء المجري فيكتور أوروبان، بترحيل عشرين مليون شخص، بذلت بلدان الاتحاد الأوروبي جهودًا فردية لفرض قيود صارمة على الهجرة، بعد الزيادات الكبيرة في الدعم للأحزاب المناهضة للهجرة في الانتخابات الأوروبية المختلفة هذا العام.
وبينما يتجنبون الخطاب العنصري المعادي للأجانب الذي يستخدمه الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري ترامب لوصف المهاجرين، فإن مواقف زعماء أوروبا ليست كلها مختلفة؛ كما يشير تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
ويلفت التقرير إلى أنه في اجتماع في بروكسل "أمضى زعماء الاتحاد الأوروبي ساعات في مناقشة مراكز معالجة المهاجرين، والترحيل السريع، و"الحرب الهجينة" من قبل القوى المعادية باستخدام المهاجرين لزعزعة استقرار دول الاتحاد الأوروبي".
ضوابط حدودية
كانت الهجرة في صدارة اهتمامات السياسيين في أوروبا منذ عام 2015، عندما وصل أكثر من مليون مهاجر، كثير منهم سوريون فروا من الحرب، إلى الاتحاد الأوروبي.
في العقد التالي، تحول الاتحاد الأوروبي من موقف "نحن قادرون على فعل ذلك" الذي تبنته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إلى محاولة إبعاد الوافدين الجدد عن حدود الاتحاد الأوروبي بالكامل.
وفي عام 2023، وصل أقل من 300 ألف شخص إلى القارة؛ وفي هذا العام، تقدر وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي "فرونتكس" أن حوالي 160 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا. لذا، في الأشهر الأخيرة، فرضت ما يقرب من اثنتي عشرة دولة أوروبية بعض أشكال القيود الحدودية في محاولة لردع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
هذا الشهر، أعلنت بولندا وقفًا مؤقتًا لمعالجة طلبات اللجوء من المهاجرين القادمين من بيلاروسيا، مستشهدة بتهديد أمني.
وفي الصيف الماضي، فرض خليفة ميركل، المستشار الألماني أولاف شولتس، ضوابط حدودية لمنع المهاجرين غير المسجلين من العبور إلى ألمانيا.
كما فرضت ست دول أخرى، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا والنمسا، عمليات تفتيش على الحدود.
وتنقل "بوليتيكو" عن بعض المحللين إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض من شأنها أن تعطي دفعة أكبر للذين ضاهوا وعكسوا طموحات إدارته بشأن الهجرة.
العودة والترحيل
تلفت "بوليتيكو" إلى أن المصطلحات الأوروبية الغامضة حول "مراكز العودة" و"مراكز المعالجة"، هي في الواقع تعكس "برنامج حماية المهاجرين" الذي أطلقه ترامب.
تقول: دخلت المبادرة، المعروفة باسم "البقاء في المكسيك"، حيز التنفيذ في عام 2019 وأجبرت عشرات الآلاف من المهاجرين غير المكسيكيين على العودة عبر الحدود الأمريكية إلى المكسيك لانتظار قرارات الهجرة هناك.
وفي رسالة إلى زعماء أوروبا، الأسبوع الماضي، أيدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، فكرة ما أسمته "مراكز العودة"، وهي مبانٍ لاحتجاز المهاجرين في بلدان خارج الاتحاد الأوروبي.
في المقابل رفض رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، الفكرة يوم الخميس بعد اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي، ليوصف بأنه "كان صوته وحيدًا في هذه المسألة".
وعمليًا، افتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني "مراكز معالجة" في ألبانيا حيث سيتم نقل الأشخاص المتجهين إلى إيطاليا، وهو ما وصفه بعض المعارضين في بلادها بأنه "جوانتاناموا إيطالي"؛ لكنها تعكس سياسة استراليا بإرسال طالبي اللجوء إلى بابوا غينيا الجديدة لمعالجة طلباتهم.
في غضون ذلك، تسعى فرنسا إلى تغيير قانون الاتحاد الأوروبي لتسهيل عمليات الترحيل إلى دول ثالثة. بينما الاتحاد الأوروبي لديه بالفعل آلاف الكيلومترات من السياج المادي على حدوده الخارجية "وهو نظام يتجاوز كثيرًا الجدار الحدودي الذي أعلن ترامب عن تشييده -ولكن فشل- مع المكسيك"، حسب التقرير.
ويرى بعض الخبراء أن تزايد اعتماد الخطاب المتشدد يؤدي إلى تغييرات في السياسات لصالح اليمين في أوروبا؛ والتي تهدف إلى تحقيق أهداف مماثلة لتلك التي وضعها ترامب وزميله في الترشح، جي دي فانس، وهي الحد من عدد الوافدين الجدد وإعادة الأشخاص إلى بلدانهم الأصلية، حتى لو كانت هذه الأماكن غير مستقرة أو غير آمنة.
لكن في الواقع، ليست الأمور كلها سلسة بالنسبة للمتشددين في قضية الهجرة في أوروبا، فبعض الزعماء يواجهون انتكاسات في الوقت الحقيقي.
الأسبوع الماضي، أعلنت ميلوني أن سياسة الهجرة الإيطالية "نموذج لأوروبا". لكن يوم الخميس، بينما كانت تجتمع مع زعماء آخرين في بروكسل، واجهت مراكز الاحتجاز التابعة لها في ألبانيا أول عقبة. بعد وضع أربعة من المهاجرين الستة عشر الذين تم إرسالهم إلى ألبانيا على متن قارب عائد إلى إيطاليا؛ لأنهم كانوا أطفالًا أو اعتبروا عرضة للخطر.
ووصفت جماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية المشروع بأنه فاشل.
فروق لغوية
يكمن الفارق الرئيسي بين نوايا ترامب وتحركات أوروبا في الأسلوب والنبرة "فالأوروبيون يميلون إلى التعامل بحذر مع القضايا المثيرة للجدل"، حسب التقرير.
فبالنسبة لترامب، الذي تعهد بترحيل ما بين 15 و20 مليون شخص من الولايات المتحدة إذا أعيد انتخابه في نوفمبر، فإن استخدام كلمة "ترحيل" يعد بمثابة وسام شرف.
وفي يوليو، قال المرشح الجمهوري للرئاسة في تجمع حاشد: "في ظل إدارة ترامب، إذا دخلت البلاد بشكل غير قانوني، فسيتم القبض عليك على الفور وترحيلك. ولهذا السبب، من أجل الحفاظ على سلامة عائلتنا، يعد البرنامج الجمهوري بإطلاق أكبر عملية ترحيل في تاريخ بلادنا".
ولكن بالنسبة للزعماء والمسؤولين الأوروبيين، فإن كلمة "العودة"، التي ترتبط في نظر كثيرين في أوروبا بعمليات الترحيل النازية إلى معسكرات الموت أثناء الحرب العالمية الثانية، تبدو محرمة تقريبًا.
تقول "بوليتيكو": يتحدث المسؤولون في الاتحاد الأوروبي بحذر شديد عن "العودة" أو "مراكز العودة" لوصف المعسكرات المغلقة أو مراكز الاحتجاز التي أقاموها خارج الاتحاد الأوروبي. وعندما يتعلق الأمر بوصف كيفية وصول المهاجرين إلى حدود الاتحاد الأوروبي، يميل زعماء الاتحاد الأوروبي إلى توخي الحذر مرة أخرى.
وفي حين أن ترامب لا يشعر بأي تحفظات بشأن وصف بعض المهاجرين بأنهم "غير شرعيين" والتنديد بـ "الهجرة غير الشرعية"، فإن الهجرة في الاتحاد الأوروبي التي لا تأتي عبر المطارات أو غيرها من الطرق الرسمية توصف رسميًا بأنها "غير نظامية".
فقط، كان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان هو الزعيم الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي قاوم هذا الاتجاه، حيث تخلى عن المجاملات الأوروبية وتبنى بشكل كامل خطاب ترامب، وهاجم المهاجرين بشكل مباشر.
وتعهد الزعيم المجري في وقت سابق من هذا الشهر بنقل المهاجرين بالحافلات إلى بروكسل، مقلدًا وعدًا مماثلًا من حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، الذي أرسل المهاجرين في ولايته إلى جزيرة مارثا فينيارد، وهي منتجع فاخر لقضاء العطلات في ماساتشوستس.