الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف يتأثر العراق بتطور المواجهات الإسرائيلية الإيرانية؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء العراق والرئيس الإيراني

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تسود منطقة الشرق الأوسط حالة من الترقب الحذِر، تحسبًا لضربة إسرائيلية مُحتمَلة ضد إيران ردًا على الهجوم الصاروخي الأخير مطلع أكتوبر الجاري، وسط تحذيرات من تداعيات هذا الصراع المحتمل على دول المنطقة.

ويأتي في مقدمة هذه الدول، العراق الذي سيتأثر حتمًا إذا دخل الصراع بين إيران وإسرائيل مرحلة الصدام المباشر، واتساع مشاركة محور إيران الإقليمي بما يشمل المكون العراقي، وفي هذا السياق، يُثار تساؤل حول الانعكاسات المحتملة على العراق جراء تطور التوترات الإيرانية الإسرائيلية.

يُذكر أن "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية"، لوّحت في وقت سابق، باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة؛ ردًا على أي عمل عدائي تشنّه الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران، وتستهدف الفصائل العراقية الأهداف الإسرائيلية ضمن نطاق عمليات المحور الذي يشمل أذرع إيران الممتدة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.

مخاوف مُبرّرَة

يمكن تبرير بعض المخاوف العراقية من تطور المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مستوى الموجهة المستمرة المباشرة الممتدة إلى دول وكلاء إيران في إقليم الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

(*) تصاعدت وتيرة التصعيد بين إيران وإسرائيل خلال الأشهر الستة الأخيرة: بعد أن كان التصعيد يقوم على عمليات أمنية وعسكرية محدودة، وكان كل طرف يستهدف الآخر دون إعلان، لكن تغير الحال بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي، والذي كان استهدافًا للأرض والسيادة الإيرانية، وهو الأمر الذي تكرر في هذه العمليات التالية سواءً من جانب إسرائيل أو من جانب إيران.

(*) تطور الرد المضاد عبر إيران ووكلائها: فعلى ما يبدو أنّ إسرائيل قد ترد على الهجوم الإيراني الأخير، ولكن هذا الرد سينتج عنه ردٌّ مضادٌ إيراني، سواء على مراحل أو في وقت واحد، وقد يتطور إلى حرب واسعة، وهو الأمر الذي يعني أن إيران لن تبقى بمفردها في هذه المعركة، بل إن كل الفصائل الموالية لها ستكون موجودة في المعادلة بطبيعة الحال.

انعكاسات محتملة

يهدد التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل المصالح العراقية في عدة مجالات استراتيجية متعددة، أمنية واقتصادية وتنموية، وتنجم خطورة هذا التوتر في تشابك المصالح العراقية مع بعض أطراف هذا الصراع، وتحديدًا إيران والولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول لإسرائيل. ويمكن تحديد هذا المصالح العراقية المتشابكة مع الأطراف المخرطة في الصراع على النحو التالي:

(&) المصالح العراقية مع إيران: يمكن تجسيد هذه المصالح من خلال كلمة الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، الشهر الماضي في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته إلى بغداد، إذ أوضح الرئيس العراقي أنّ إيران دولة جارة مهمة لبلاده، ولها مكانتها الإقليمية الكبيرة في دعم واستقرار المنطقة، وأنّ العراق يدعم بقوة تعزيز التعاون المشترك من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف، وترسيخ أمن الحدود والعمل على إنهاء التوترات في منطقة الشرق الأوسط.

وتتأكد أهمية هذه المصالح من وجهة النظر العراقية في ما قاله رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أهمية العمل الثنائي لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية في المنطقة، وبما يصب في مصلحة الاستقرار والتنمية.

ولفت الرئيس الإيراني إلى اتفاق طهران وبغداد على تشكيل فريق من الخبراء بين البلدين بمختلف المجالات، لوضع خطط استراتيجية لتعاون أوسع، مشيرًا إلى ضرورة تفعيل الاتفاقات الأمنية بين البلدين لردع الإرهابيين، ودعا بزشكيان إلى تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين الجارين لوضع برنامج استراتيجي للتعاون المشترك في قطاعات الصحة والبيئة والصناعة والأمن والسياحة، وبما يشمل إقليم كردستان.

الجدير بالذكر، أن العلاقات بين العراق وإيران بعد 2003 شهدت تقلبات كبيرة، إذ تأثرت بالتغيرات السياسية والأمنية في العراق بعد الغزو الأمريكي، وتفاقمت هذه التحديات بعدما أصبح العراق ساحة للتدخلات الإقليمية، والنزاعات الطائفية، والتوترات بشأن النفوذ السياسي والاقتصادي، إلى جانب التحديات الأمنية المتصلة بالجماعات المسلحة والصراعات في المنطقة.

واتخذت إيران في البداية موقفًا رافضًا للغزو الأمريكي، على عكس بعض القوى السياسية العراقية القريبة منها، ويرجع هذا الموقف الإيراني إلى تخوف طهران من الوجود الأمريكي ونفوذه على حدودها الغربية، ولذلك دعمت إيران المقاومة العراقية المناهضة للوجود العسكري الأمريكي سواءً بالتدريب أو التسليح.

(&) المصالح العراقية مع الولايات المتحدة الأمريكية: مرّت العلاقات الأمريكية-العراقية بتقلبات وفترات من الانخراط والانفصال، إذ كانت المواقف أحيانًا متوافقة ومليئة بالتوترات أحيانًا أخرى. ومع ذلك، كان هناك فهم مشترك بين قادة البلدين بأن هذه العلاقة ستظل أولوية استراتيجية، مدعومة بمصالح مشتركة وجهود تعاونية للتغلب على الصعوبات.

وتدرك الحكومة العراقية موقعها الحساس والتوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية التي أحيانًا تدخل في صراع مباشر مع القوات الأمريكية عبر استهداف القواعد الأمريكية بالصواريخ والمسيرات. ويجسد موقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في هذا الصراع، طبيعة المصالح العراقية مع الجانب الأمريكي، وذلك بـ"رفض الهجمات على المصالح الأمريكية في العراق، أو في الدول المجاورة". وفي الوقت نفسه، الأخذ في الاعتبار الحاجة لوقت "لإدارة التعقيدات الداخلية وتحقيق التفاهمات السياسية مع الأطراف المختلفة". وأن تنحصر سلطة إعلان الحرب والسلام بيد الدولة العراقية بقيادة رئيس الوزراء، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وفي النهاية، يمكن القول إن التحدي الأكبر في الوقت الراهن أمام الدولة العراقية إزاء التصعيد المتنامي بين إيران وإسرائيل، يكمن في كيفية إحكام السيطرة على الفصائل المسلحة، وتوجيه أو تحييد دورها بما يخدم المصالح الوطنية، خاصة وأن هذا الدور يتداخل بشكل عميق مع المصالح الإقليمية والدولية للدولة العراقية.