الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عام على الحرب| أجهزة معطلة وأرواح معلقة.. مرضى الفشل الكلوي يئنون في غزة

  • مشاركة :
post-title
مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في الذكرى السنوية الأولى للعدوان على غزة، تبرز مأساة مرضى الفشل الكلوي كشاهد صارخ على الأثر المُدمر للحرب، إذ إنه خلال عام من الحرب، تحول ما كان يومًا خدمة صحية أساسية إلى معركة يومية للبقاء، في هذا الصدد نسلط الضوء على واقع مؤلم يعيشه مئات المرضى في غزة، حيث تقلصت خدمات الغسيل الكلوي بشكل كارثي وسط دمار البنية التحتية الصحية، لنستعرض تحديات الوصول للعلاج، نقص الأدوية والمعدات، وتأثير أزمة الغذاء والمياه على حياة هؤلاء المرضى.

في ظل هذه الظروف القاسية، نقدم صورة واقعية لمعاناة فئة من أكثر السكان ضعفًا، ونوجه نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي للتدخل وإنقاذ أرواح تتعلق بخيط رفيع من الأمل.

انهيار خدمات الغسيل الكلوي

قبل الحرب، كان مرضى الفشل الكلوي في غزة يتلقون جلسات غسيل كلوي منتظمة تصل إلى 12 ساعة أسبوعيًا، لكن مع تدمير المستشفيات وتعطل الأجهزة، تقلصت هذه الخدمة بشكل كبير.

وفقًا للتقارير الطبية في القطاع فإن عدد أجهزة الغسيل الكلوي العاملة انخفض بشكل حاد، ففي مستشفى كمال عدوان، على سبيل المثال، لم يتبق سوى 6 أجهزة عاملة، مما أدى إلى تقليص ساعات الغسيل الكلوي من 12 ساعة أسبوعيًا إلى 4 ساعات فقط.

هذا الانخفاض الحاد في الخدمات الطبية له عواقب وخيمة على صحة المرضى، إذ إن توقف جلسات غسيل الكلى يؤدي إلى تراكم السوائل والسموم في الجسم، مما يؤثر سلبًا على عضلة القلب ويسبب اختلافًا في نسبة الأملاح وضعفًا في الدم وضيقًا في التنفس، وفي الحالات الشديدة، قد يؤدي ارتفاع نسبة الفوسفور والبوتاسيوم إلى الوفاة.

إحصائيات وأرقام

وفقًا لما تشير وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإنه قبل اندلاع العدوان على قطاع غزة، كان هناك نحو 1,100 مريض فشل كلوي يتلقون العلاج وجلسات الغسيل الكلوي في سبعة مراكز متخصصة موزعة على أنحاء القطاع، ومع تصاعد العمليات العسكرية، دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي غالبية هذه المراكز، تاركة فقط قسمين عاملين في مستشفيي شهداء الأقصى وأبو يوسف النجار.

هذا التدمير الممنهج للبنية التحتية الطبية، مقرونًا بالتهجير القسري للسكان، أدى إلى خلل كبير في توزيع المرضى وخلق ضغطًا هائلًا على المرافق المتبقية.

النتائج المأساوية لهذا الوضع لم تتأخر في الظهور، إذ توفي 18 مريضًا نتيجة عدم قدرتهم على تلقي العلاج وجلسات الغسيل الكلوي، بينما استشهد 10 آخرون مباشرة نتيجة الهجمات العسكرية.

وتمتد المخاطر لتشمل أيضًا حوالي 500 مريض ممن تمكنوا من زراعة كلى داخل وخارج فلسطين، حيث يهدد النقص الحاد في الأدوية، وخاصة المثبطة للمناعة، بطرد أجسامهم للكلى المزروعة أو فشلها، مما قد يعيدهم إلى دوامة الغسيل الكلوي.

رحلة المعاناة للوصول إلى العلاج

مع تدمير البنية التحتية في غزة، أصبح الوصول إلى المستشفيات تحديًا كبيرًا لمرضى الفشل الكلوي، إذ يضطر العديد من المرضى للمشي مسافات طويلة أو دفع مبالغ باهظة للمواصلات، فوفقًا لشهادات بعض المرضى، قد تصل تكلفة المواصلات للوصول إلى المستشفى إلى 30 دولارًا للجلسة الواحدة، وهو مبلغ كبير في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان غزة.

هذه الصعوبات في الوصول إلى المستشفيات أجبرت بعض المرضى على التغيب عن جلسات الغسيل الحيوية، مما يعرض حياتهم للخطر.

كما أدى النزوح المتكرر بسبب العمليات العسكرية إلى تفاقم معاناة المرضى، حيث اضطر البعض للنزوح عدة مرات؛ بحثًا عن مستشفيات عاملة.

شهادات من قلب المُعاناة

في ورقة حقائق صادرة عن مؤسسة القانون من أجل حقوق الإنسان "الحق"، والتي نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، تم توثيق شهادات مؤثرة تكشف عن عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة، وهي تقدم صورة واقعية وملموسة للتحديات اليومية التي يواجهها هؤلاء المرضى في ظل الظروف الراهنة.

تكشف شهادات المرضى عن عمق المأساة الإنسانية التي يعيشونها، فالسيدة عائشة محمد حسن مطر (68 عامًا)، التي تُعاني من الأورام والفشل الكلوي، تروي كيف اضطرت للنزوح بعد تدمير المركز الذي كانت تتلقى فيه العلاج. تقول: "كنت أخضع لجلسات الغسيل الكلوي يومًا بعد يوم بواقع 4 ساعات في اليوم، لكن نتيجة العدوان الإسرائيلي... اضطررت للنزوح".

وتضيف أنها اضطرت للبحث عن مأوى قريب من مستشفى آخر "حتى أتمكن من حضور جلسات العلاج" بسبب صعوبة الأوضاع المالية.

أما إكرام محمود طه عبيد (57 عامًا)، فتصف رحلة معاناتها المتواصلة: "اضطررت... إلى النزوح، وتوجهت إلى مستشفى شهداء الأقصى... لكنني فوجئت بوجود أعداد كبيرة من مرضى الفشل الكلوي".

وتضيف: "واجهت معاناة كبيرة نتيجة عدم انتظام جلسات غسيل الكلى وتخفيض مدة الجلسة ونقص الأدوية". وصفت إكرام كيف تدهورت حالتها الصحية، مضيفة: "تحولت إلى مريضة قلب".

بعد نزوحها مرة أخرى، تصف إكرام الوضع في مستشفى أبو يوسف النجار: "أتوجه في ساعات الصباح الباكر؛ كي أتمكن من حجز موعد، وأنتظر مدة 48 ساعة حتى يحين موعد جلسة الغسيل".

وتختم بقولها: "أصبحت أعاني من ظهور تقرحات في جسدي، وأشعر بهزال دائم في جسمي، وضعف شديد في الحركة".

أزمة الغذاء والمياه تفاقم الوضع

تعد المجاعة التي يعاني منها قطاع غزة، وخاصة في شماله، تحديًا إضافيًا لمرضى الفشل الكلوي، حيث تؤكد الهيئات الطبية العاملة في القطاع أن غياب النظام الغذائي المتوازن والمعتدل، الذي يحتاجه هؤلاء المرضى بشدة، قد أثر سلبًا على صحتهم، إذ إن مرضى الفشل الكلوي بحاجة إلى نظام غذائي خاص يتضمن الخضار والفواكه والجبن والحليب، وهي أغذية أصبحت نادرة في ظل الحصار والحرب.

بالإضافة إلى ذلك، يُعاني المرضى من نقص المياه النظيفة، وهو أمر حيوي لعملية الغسيل الكلوي، ما اضطر بعض المرضى لشرب مياه مالحة وملوثة في أماكن النزوح، مما تسبب في مضاعفات صحية خطيرة مثل انتفاخ الجسد نتيجة تراكم السموم.

نقص الأدوية والمستلزمات الطبية

يُعاني القطاع الصحي في غزة من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لمرضى الفشل الكلوي، إن الشح وصل إلى المكملات الغذائية والمستهلكات الطبية الضرورية لعمليات الغسيل وزراعة الكلى.

هذا النقص أجبر بعض المرضى على استخدام أدوية منتهية الصلاحية أو اللجوء إلى بدائل علاجية غير مناسبة؛ مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية.

تزايد عدد المرضى وسط نقص الخدمات

رغم الظروف الصعبة، تشير البينات الصحية إلى أن من حالتين إلى ثلاث حالات جديدة تلتحق بقسم الكلى الصناعي شهريًا في غزة، وهذا الارتفاع في عدد المرضى يضع ضغطًا إضافيًا على النظام الصحي المنهك أصلًا.

يعد السبب الرئيسي لمرض القصور أو الفشل الكلوي عالميًا هو داء السكري، إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم.

نداء عاجل للمساعدة

في ظل هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، يناشد الأطباء والمرضى المجتمع الدولي للتدخل العاجل، مطالبين منظمة الصحة العالمية وكافة المؤسسات الطبية الدولية والعربية والإغاثية بتوفير الكوادر التمريضية والفنية والطبية، إضافة إلى المستهلكات والعلاجات اللازمة لتشغيل خدمات الغسيل الكلوي بشكل أكثر فعالية.

كما تشدد الكوادر الطبية على ضرورة توفير الوقود بشكل مستمر لضمان عمل أقسام الكلى دون انقطاع، وتوفير الأدوية اللازمة للسيطرة على الأمراض المسببة للفشل الكلوي مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.

في الختام، تبقى معاناة مرضى الفشل الكلوي في غزة شاهدًا على الأثر المدمر للحرب على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، إذ إنه مع استمرار الحرب، تزداد الحاجة الملحة لتضافر الجهود الدولية لتوفير الرعاية الصحية الأساسية وإنقاذ أرواح هؤلاء المرضى الذين يكافحون يوميًا من أجل البقاء على قيد الحياة.