الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"المسافة صفر - 4".. فلسطيني ينجو من الموت 3 مرات بـ"24 ساعة"

  • مشاركة :
post-title
مشاهد حقيقية من "24 ساعة"

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

صورت مشاهد حقيقية من تحت الأنقاض.. وطائرات الاحتلال استهدفتنا أكثر من مرة
الاحتلال يجن جنونه من الكاميرا لكن رسالتنا تستحق المخاطرة

من تحت الأنقاض بصوت مكتوم يئن من الألم وينادي "أنا هنا.. أنا هنا، هل يسمعني أحد؟"، هذه الجملة التي قالها الشاب الفلسطيني "مصعب"، أعادت الأمل للشباب المنقذين في أن أحدهم لا يزال على قيد الحياة تحت الركام، ليتم إنقاذه بعد جهود مضنيه، ولكن المفارقة العجيبة أن هذا المشهد المؤلم تكرر ثلاث مرات لهذا الشاب خلال 24 ساعة، وهو ما دفع المخرج الفلسطيني علاء دامو، أن يوثق قصته في فيلم تسجيلي، متعجبًا كيف أنقذت العناية الإلهية هذا الشاب من الموت المحقق 3 مرات خلال يوم واحد فقط، ليكون لديه قصة يرويها للعالم، وتسمعها الآذان الصماء، وتراها الأعين رأي العين في وضح النهار.

قصة تبدو في غرابتها رسالة قوية مفادها أن العناية الإلهية ستنتصر مهما حاول الاحتلال الإسرائيلي أن يدمر ويقصف، ليكون "مصعب" مثالًا حيًا على أن إرادة الله نافذة مهما فعل العدو، وهي مشاهد واقعية من سيناريو الحياة المؤلم الذي يعيشه أهالي قطاع غزة يوميًا، والذي يفوق في بشاعته تصور البشر.

وثق "دامو" بكاميرته مشاهد واقعية للحظات استهداف منزل "مصعب" ومراحل استخراجه وجثث أسرته من تحت الأنقاض، والتي قدمها في فيلم حمل اسم "24 ساعة"، ليكشف في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" كواليسه قائلًا: "عندما سمعت صوت الاستهداف هرولت مسرعًا مع مجموعة من الشباب لمحاولة إنقاذ الجرحى والشهداء، فمصعب هو جارنا ومنزله قريب منا، ومن المتعارف عليه أنه عندما يتم قصف منزل أحد يذهب الجميع لإنقاذ عائلته، وفي أثناء البحث عن المفقودين سمعنا صوت تحت الأنقاض ينادي "أنا هنا.. أنا هنا"، فتأكدنا أن هناك أشخاصًا لا يزالون على قيد الحياة، ووجدنا مصعب عالقًا تحت ركام منزله الذي تدمر بالكامل وبجواره شقيقه وعمه خالد الذي استُشهِد أمام عينه".

يضيف:" سرد لي مصعب مشهدًا مؤلمًا رآه تحت الأنقاض، وهو أن مقبض الباب كان ضاغطًا على رقبة عمه، ولكنه لم يكن قادرًا على إنقاذه لأنه كان عالقًا أيضًا، وظل عمه ينازع أمام عينه إلى أن استشهد في مشهد قاسٍ على نفسه، فكان هذا المنظر من أصعب التجارب التي عاشها هذا الشاب المكلوم".

رغم أن مدة العمل لم تتجاوز 6 دقائق، ولكن كل ثانية منه بمثابة عمر من الزمن، ثقل المشاعر التي عاشها الشاب من فقدانه عائلته، وهم والده ووالدته وعمه وزوجة الأخير وأولادهم، فالصدمة النفسية التي تعرض لها، ستبقى عالقة في ذهنه إلى نهاية العمر، وهذا لم يكن فيلمًا سينمائيًا ولكن واقع مرير وثقته عدسة الكاميرا، والتقطته عين المخرج الفلسطيني علاء دامو، الذي قال عن ذلك:" لمست في قصة مصعب اختلافًا، وقصة تستحق أن تروى للعالم، إذ تعرض للاستهداف ونجا من الموت 3 مرات خلال 24 ساعة، فالاستهداف الأول كان في منطقة النصيرات وبعد إنقاذه من تحت الأنقاض أخذوه إلى المستشفى ثم ذهب إلى دار جده في دير البلح ليتكرر استهدافه مرة أخرى وتنقذه العناية الإلهية، وفقد أسرته وتدمر منزليّه ومصدر دخله حيث كان يعمل مونتيرًا، وتم تدمير الحاسوب الشخصي له وأدوات عمله".

كان قرار "دامو" توثيق وتصوير ما حدث تحت نيران القصف بمثابة مخاطرة، تنم عن شجاعة بالغة، نظرًا لتعرضهم للموت في كل لحظة خلال التصوير فيقول عن ذلك: "واجهت تحديًا كبيرًا لتصوير شخصية مثل مصعب الذي تعرض للموت 3 مرات في ظل الحرب ونجا منه، ورفضه تصوير وتسجيل قصته لأسباب عدة منها حالته النفسية، فكان من الصعب جدًا إقناعه، وهو ما مثل أكبر عائق في تصوير الفيلم الوثائقي، ولكنني استطعت إقناعه بأن يستكمل رسالة والده الذي كان يعمل مخرجًا للأفلام الوثائقية قبل استشهاده، فقلت له "بالتأكيد والدك إذا كان كتب له العيش بيننا الآن فلن يتردد أن يوثق قصتنا والمعاناة الكبيرة التي نمر بها لكل العالم، فلماذا لا نكمل رسالته"، واقتنع تدريجيًا لأن الصدمة كانت شديدة عليه وبالفعل صورنا في ظل أوضاع صعبة للغاية".

كانت الحرب على أشدها في الوقت الذي اتخذ "دامو" قرار تصوير ما حدث مع "مصعب"، قائلًا: "في اليوم الذي بدأنا فيه تصوير الفيلم كان الاحتلال يقصف ويستهدف الكثير من الأماكن، وانتاب الجميع حالة خوف، فالتصوير في غاية الخطورة لأن الكاميرا أخطر من الكلاشنكوف في الحرب، الطائرات تحلق فوق رؤوسنا، فكانت مخاطرة شديدة لا يعلم بها إلا الله، فالرسالة التي نحملها كانت أكبر وتستوجب أن يخاطر الجميع من أجلها".

أضاف: "حالة كر وفر من مصائد الطائرات وأفواه النيران، أوقفنا التصوير أكثر من مرة حتى لا نتعرض للقصف والموت، إذ نزلت طائرات إلى مستوى منخفض من الأرض وبدأت في تصويرنا، فهذا النوع من الطائرات تصوب القنابل والنيران مباشرة تجاه الأهداف، ولكن العناية أنقذتنا واختفينا ثم عدنا لاستئناف العمل فلم نستطع تصوير اللقاء معه مرة واحدة".

"أن تصنع سينما في الحرب فهو يعنى أنك تحفر في الصخر، فالاحتلال يجن جنونه من رؤية الكاميرا".. بهذه الجملة وصف المخرج الفلسطيني صعوبة ما قاساه خلال تصوير الفيلم قائلًا: "تعرضنا لأمور صعبة جدًا مع قلة الإمكانيات والعمل بدون كهرباء وإنترنت، فضلًا عن الشعور بالخطر ففي كل دقيقة أثناء تصوير الفيلم نشعر بالموت من حولنا، ويمكن في أي لحظة أن نتعرض للقصف والصواريخ، لأن جيش الاحتلال يجن جنونه من رؤية الكاميرا ولا يريد أن ينقل أحد الواقع ولكن العناية الإلهية كانت تنقذنا في كل مرة".

لم تنته رحلة "دامو" لتأريخ ما يحدث من حوله للزمن من خلال كاميرته التي يعتبرها سلاحه في المقاومة، إذ أكد أنه يصور حاليًا فيلمًا جديدًا يحمل اسم "الخيمة"، وهو عن معاناة النازحين في المخيمات، وما يقاسونه يوميًا من ظروف صعبة لا يتحملها أحد.