الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"المسافة صفر- 1" ريما محمود وثقت قسوة حياة النازحين في غزة بـ "سيلفي"

  • مشاركة :
post-title
المخرجة الفلسطينية ريما محمود

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

الفيلم يرصد معاناة آلاف الغزيين.. وأنام في مخيم به 30 شخصًا وأقف في طوابير للحصول على الطعام ودخول المرحاض
كتبت رسالة لمجهول وألقيتها في البحر أصف له مأساتي

العيش على هامش الحياة في المخيمات وتحت الأنقاض وبين الركام، موت مؤجل ينتظره الأهالي في قطاع غزة في كل ثانية، بجانب أصوات الصواريخ في كل مكان، وآهات الجرحى والأطفال والمكلومين، الزاد قليل والليالي طوال، لا يشعر بقسوتها سوى من عاشها، مشاهد صعب تسجيلها، ولذلك أراد أهلها روايتها بأنفسهم من خلال "المسافة صفر" تلك السلسلة الفنية التي وثقت جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، وتتضمن قصصًا حقيقية، ليدونوا في تاريخ البشرية حقبة فاصلة في الحياة توقف عندها كل شيء. 

 "سليفي" ليس صورة تذكارية، لكنه اسم فيلم جسد جزءًا من مرارة الواقع الذي يعيشه أبناء قطاع غزة، إذ يعد واحدًا من بين أفلام السلسلة التي أشرف عليها المخرج الفلسطيني رشيد المشهراوي، التي وثق من خلالها قصص وحكايات أصحاب الأرض، واختارت مخرجته الفلسطينية ريما محمود أن توثق قصتها الحقيقية لتعبر عن قسوة ما تعيشه يوميًا.

المخرجة الفلسطينية ريما محمود
افتقار للخصوصية

كشفت ريما في حوارها مع موقع "القاهرة الإخبارية" تفاصيل أكثر عن تجربتها، قائلة :"الفيلم شخصي للغاية ويتناول حياتي كنازحة، إذ يوثق قصص آلاف الأشخاص الذين يعيشون حياة مشابهة في المخيمات، وتفاصيل قاسية صعب أن يتخيلها أحد، وأسرد حياة النازحين الذين تركوا منازلهم منذ 7 أكتوبر الماضي وحتى الآن، فهناك آلاف السيدات والرجال الذين عاشوا نفس حياة النزوح داخل المخيمات وافتقار الخصوصية، فكنت أنام مع 30 شخصًا بمخيم لا يسع سوى بضع أشخاص، ومراحيض عامة مشتركة يقف عليها أصحاب الأرض صفوف طويلة".

حياة قاسية

"حياة قاسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى".. ربما يكون هذا المصطلح الذي وصفت به ريما معاناتها، إذ تقول: "حدث تحول مفاجئ في حياة الشخص من الخصوصية إلى التجرد من كل شيء، فبعد أن كان لي وللآخرين حياتنا الخاصة أصبحنا بلا مأوى، ليكون المخيم هو المنزل والمخدع الذي تمارس فيه أنشطة الحياة اليومية من الطبخ والغسيل وقضاء الحاجة وأيضًا مكتبًا للعمل، ونفتقد الخصوصية تمامًا في المخيم ونعيش في أجواء لا تصلح للعيش، آلاف النساء والرجال مثلي في قطاع غزة يعيشون داخل هذه المخيمات بعد النزوح، فالمرأة تنام مع شقيقها وزوجها وابنها وأقاربها وما تبقى من العائلة في مخيم، عائلات ممتدة يتراصون بجوار بعضهم البعض في مخيم صغير، وهذا الأمر يتكرر أيضًا في مدارس النزوح سواء كان داخل المخيم أو خارجه".

رسالة لمجهول

"أكتب لك رسالة يمكن أن تصل لك وأنا ما زلت على قيد الحياة، ووقتها أتمنى لك حياة سعيدة أفضل من حياتي في الوقت الحالي، أريد أن أشاركك تفاصيل مريرة أعيشها كل يوم من دمار وموت التهم كل شيء من حولي، الآن الساعة السادسة صباحًا لم أنم نهائيًا وجسمي متعب لأن صوت الطيران والمدافع والإسعاف وصوت أفكاري وإحساسي بالخطر يصلني أنا وأصدقائي وأحبائي، فالنوم داخل المخيم مرهق، وصباح كل يوم أقف في طابور لدخول المرحاض العام للسيدات أسمع قصص النازحات وقت الانتظار وبعدها أرجع لمخيمي وأضع بعض مستحضرات التجميل لكي أخفي علامات التعب والأرق التي بدأت تظهر على وجهي، أشرب كوب الشاي الذي لم يعد له مذاقًا وصار غريبا عليّ بعد أن كانت رفيقي كل صباح".

كانت هذه الرسالة التي كتبتها ريما في الحقيقة ووضعتها في زجاجة وقذفتها في البحر، جزءًا من الفيلم الذي صورته لتقول عن ذلك: "بدأت الفيلم برسالة كتبتها لمجهول على شاطئ البحر وصفت فيها مشاعري داخل حياة النزوح الصعبة، ثم وضعتها داخل زجاجة وقذفتها بالبحر وأصف من خلالها لهذا الصديق المجهول كمية المشاعر السلبية التي أعيشها داخل المخيم ".

عللت ريما سبب لجوئها لكتابة رسالة عن طريق البحر قائلة: "السبب وراء استخدامي البحر لإيصال الرسالة لأن الاحتلال يقطع علينا كل الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة ولم يكن متاح لي سوى البحر الذي اخترته كي يسعفنا ويوصل صوتنا ورسالتنا، فالرسالة كانت لصديق مجهول، ولا أعرف من يتسلمها ومن يقرأها لكن أردت سرد معاناتنا له في القطاع".

التحديات

ثمة تحديات وصعوبات واجهت ريما في أثناء تصوير الفيلم لتقول عن ذلك: "صورت فيلمي عن طريق هاتف محمول لأنني من الجنوب وعملي الأساسي في شمال قطاع غزة، وبسبب الحرب تدمر كل شيء من أجهزة التصوير والمعدات والكاميرات وكل ما يتعلق بالتصوير في غزة القديمة، فالاحتلال فصل غزة عن الجنوب، وكان لديّ صعوبة في كيفية تصوير فيلم عن طريق الهاتف المحمول لأنني اعتدت على تصوير أفلامي بأحدث الكاميرات، فضلًا عن صعوبة المواصلات، التي لم تعد موجودة، واستبدلت بعربات "الكارو" وأيضًا بـ"التوكتوك"، والشواحن التجارية، كما أن التنقل كان صعب جدًا مع توقع الموت في أي لحظة وتعرضنا للقصف، فأنا كنت أعيش صعوبات في كل الأجواء وتحت ظروف قاسية ومع ذلك كان هدفنا إنتاج فيلم لكي يسمعه العالم ويشاهد من خلاله الصعوبات التي يمر بها قطاع غزة".

توثيق سينمائي

تؤكد المخرجة الفلسطينية أنه كان لديها دافع كبير لتوثيق ما تعيشه داخل المخيم في فيلم سينمائي يعيش مع الزمن وينقل للعالم ما يقاسيه النازحون، فتقول: "هذا المخيم لا يصلح للعيش، وأنا كمخرجة لديّ صورة أصنعها لتقديم فيلم عنه، فحياتي كمخرجة صعبة داخل المخيم، وبالتالي وثقت فيه حياة امرأة في معاناة النزوح، وأعبر من خلاله رفضي العيش داخل مخيم، لكن هذا الواقع فرض علينا من 7 أكتوبر الماضي ونتمنى تغييره".

تضيف: "سلسلة أفلام "المسافة صفر" كانت فكرة المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي تواصل مع المخرجين في قطاع غزة وسرد لي فكرة المشروع، وأنه بحاجة إلى أفلام تصور في غزة من المسافة صفر، وكانت الفكرة ممتعة أن نصور أفلامًا في ظل الحرب، خاصة أول شهرين من الحرب، ولم يكن لدينا معدات تصويرها بعد أن دمرت، لكنه كان داعمًا كبيرًا لنا وحمسنا وقال صوروا ووثقوا قصص الحرب لأنها ستعرض للعالم، الذي لا يعرف ما يحدث فيها إلا من خلال الأخبار، إذ لا توجد قصص توثق وتُحكى للتاريخ، وأنا أوجه له تحية لأنه جعلنا نعمل كمخرجين ومخرجات في قطاع غزة وجعلنا نعمل في ظل ظروف قهرية صعبة نعيشها، وكان داعمًا لنا".

مخيمات النازحين