في تطورٍ جديدٍ على الساحة السياسية الأوروبية، يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد شرعا في نسج خيوط تحالف سياسي جديد، رغم تباين مساراتهما السياسية الحالية، وهو ما يأتي في لحظة فارقة لكلا الزعيمين، حيث يشهد زعيم حزب العمال صعودًا سياسيًا استثنائيًا، بينما يكافح سيد الإليزيه للحفاظ على نفوذه وسط تحديات داخلية متزايدة.
لقاء تاريخي في أروقة قصر بلينهايم
وفقًا لمجلة "بوليتيكو"، شكل قصر بلينهايم التاريخي في ريف إنجلترا مسرحًا لحدث سياسي بارز جمع بين ستارمر وماكرون خلال قمة المجتمع السياسي الأوروبي.
هذه القمة، التي تعد من بنات أفكار ماكرون الأصلية، قدمت منصة غير رسمية لمناقشة الهموم المشتركة دون الحاجة إلى صفقات أو بيانات رسمية في نهايتها، وقد مثلت هذه القمة فرصة ذهبية لستارمر لإثبات حضوره على الساحة الدولية بعد أسبوعين فقط من فوزه الكاسح في الانتخابات البريطانية.
وأشار مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية، في تصريحات لـ"بوليتيكو"، إلى أن الرئيس الفرنسي كان مسرورًا بالطريقة التي أدار بها البريطانيون القمة، واصفًا ذلك بأنه "علامة إيجابية كبيرة" للنظام الجديد في داونينج ستريت.
نجم صاعد وآخر يخبو
تسلط المجلة الضوء على التباين الصارخ في المسارات السياسية للزعيمين، فبينما يشهد ستارمر صعودًا سياسيًا غير مسبوق بعد فوز حزب العمال بأغلبية ساحقة في الانتخابات البريطانية الأخيرة، معيدًا حزبه إلى السلطة لأول مرة منذ ما يقرب من عقد ونصف، يواجه ماكرون تراجعًا حادًا في شعبيته وتحديات سياسية داخلية عميقة.
وتشير "بوليتيكو" إلى أن ماكرون خاض أخيرًا مقامرة سياسية خطيرة بالدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، في محاولة لصد التهديد المتنامي من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، إلا أن هذه المقامرة ارتدت عليه بشكل مذهل، مما أضعف موقفه السياسي بشدة وجعله يبدو وكأنه رئيس "بطة عرجاء" في سن الـ 47، مع تراجع معدلات الموافقة الشخصية عليه بشكل كبير.
علاقة دبلوماسية متميزة
رغم اختلاف مساراتهما، يبدو أن ستارمر وماكرون قد طورا علاقة وثيقة بسرعة مذهلة، إذ تكشف "بوليتيكو" عن تفاصيل مثيرة لهذه العلاقة الناشئة، حيث كان ماكرون أول زعيم عالمي يهاتف ستارمر لتهنئته بالفوز في الانتخابات، حتى قبل تعيينه رسميًا كرئيس للوزراء، في خرق محتمل للبروتوكول الدبلوماسي.
كما التقى الزعيمان في قمة الناتو في واشنطن، حيث شارك ماكرون صورة لهما في عناق حار.
وخلال قمة بلينهايم، شوهد الزعيمان يتجولان في الحدائق المزخرفة بالقصر، يتبادلان الأحاديث الخاصة بعيدًا عن أعين الكاميرات، مما يشير إلى عمق التفاهم الشخصي بينهما.
آفاق التعاون المستقبلي
تطرح المجلة تساؤلات جوهرية حول مدى تأثير هذا التقارب على القضايا الرئيسية العالقة بين البلدين، فعلى صعيد الهجرة غير الشرعية عبر القنال الإنجليزي، أشار كلا الزعيمين إلى إمكانية اتخاذ خطوات تدريجية نحو اتفاق أوسع لإعادة المهاجرين بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في المستقبل.
وفي خطوة لافتة، أعلن ستارمر عن تحويل مساعدات بملايين الجنيهات لتحسين الفرص في الدول الفقيرة وتقليل عوامل الجذب للمهاجرين نحو أوروبا، ما بدا وكأنه استجابة مباشرة لموقف ماكرون الذي طالما دعا إلى معالجة مشكلة الهجرة من مصدرها.
تحديات وآمال
رغم الإشارات الإيجابية، يبقى السؤال المُلح حول ما إذا كانت هذه الكلمات الدافئة والنوايا الحسنة، ستترجم إلى إجراءات ملموسة في قضايا جوهرية مثل الهجرة غير الشرعية والحواجز التجارية بين بريطانيا والقارة الأوروبية.
ومع ذلك، فإن المؤشرات تشير إلى تحسن ملحوظ في أجواء العلاقات بين البلدين مُقارنة بالسنوات الأخيرة التي شهدت توترات حادة في أعقاب استفتاء بريكست.
وقد عبر ستارمر عن استشعاره لـ"رغبة حقيقية" في إعادة ضبط العلاقات بين المملكة المتحدة وأوروبا، مؤكدًا على ضرورة التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.
مستقبل القيادة الوسطية في أوروبا
تثير المجلة تساؤلًا مهمًا حول ما إذا كان ستارمر قد يتولى دور القائد الوسطي في أوروبا، خاصة مع تراجع نفوذ ماكرون.
ويشير أناند مينون، مدير مؤسسة "المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة" الفكرية، إلى أن "ماكرون قد ينظر إلى ستارمر ويتساءل عمّا كان يمكن أن يكون"، إذ إنه بعد سنوات من النظر إلى بريطانيا كـ"حالة ميؤوس منها" من قبل النخبة الأوروبية، يبدو أنها قد برزت الآن كقائد محتمل للتيارات الوسطية في القارة.