الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تُغير زيارة جالانت إلى واشنطن من معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة؟

  • مشاركة :
post-title
وزير الدفاع الأمريكي ونظيره الإسرائيلي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

أجرى يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة من 23 إلى 25 يونيو 2024، لمناقشة تطورات العديد من الملفات من بينها التصعيد على الحدود الشمالية مع لبنان، وتطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، ومقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي طرحه نهاية مايو 2024، وتقدمت به الولايات المتحدة كمشروع قرار وافق عليه مجلس الأمن الدولي، 10 يونيو 2024، الذي يتبنى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، وعودة المحتجزين والأسرى وإعادة إعمار غزة، فضلًا عن بحث خيارات اليوم التالي في قطاع غزة وفق تصريحات جالانت.

سياق الزيارة

جاءت زيارة جالانت في سياق من الشد والجذب بين الإدارة الأمريكية وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تؤكده الشواهد التالية:

(*) أولًا: التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي اتهم فيها واشنطن بأنها تخلت عن دعمها لإسرائيل، وأنها توقف شحنات الأسلحة المتجهة لإسرائيل، وهي ما اعتبرها البيت الأبيض مُهينة، إذ صرّح جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، 20 يونيو 2024، للصحفيين حول ذلك، قائلًا: "تلك التصريحات كانت مخيبة للآمال بشدة ومهينة لنا بالتأكيد، نظرًا لحجم الدعم الذي نقدمه وسنواصل تقديمه".

(*) ثانيًا: تصاعد الخلاف الأمريكي الإسرائيلي بشأن وقف إطلاق النار في غزة، إذ يعتقد المسؤولون الأمريكيون بأنه لا يوجد طريق واضح لإنهاء الحرب، في ظل تعثر محادثات وقف إطلاق النار مع إصرار كل من "حماس" وإسرائيل على شروطهم من دون إبداء أي نوع من المرونة من أجل التهدئة، إذ تشترط الحركة وقفًا دائمًا لإطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما ترفضه تل أبيب، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالإعلان بشكل صريح عن موافقته على مقترح الرئيس الأمريكي بايدن، للتهدئة بين إسرائيل و"حماس"، فضلًا عن تكرار إعلان أركان الإدارة الأمريكية عدم إمكان الاستمرار في نهج سياسة الأرض المحروقة التي يتبناها نتنياهو في غزة.

(*) ثالثًا: الرغبة الأمريكية في وقف التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان بعد المناوشات المتكررة بين الجانبين، ففي حين يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى التصعيد بعدما تردد عن موافقة جيش الاحتلال الإسرائيلي على خطة لهجوم محتمل على لبنان، ترفض الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل التصعيد الحدودي بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني في جنوب لبنان، وهو التوجه الذي تبناه الرئيس الأمريكي جو بايدن، برفض اتساع نطاق الصراع من غزة جغرافيًا، ومنع تمدده على جبهات أخرى حتى لا تتحول إلى حرب إقليمية قد تؤدى إلى استدراج قوى دولية إلى أتونها، لذلك جاءت زيارة آموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، 16 يونيو 2024، كخطوة أمريكية لتفادي تمدد الصراع على نطاق إقليمي أوسع، الذي أشار إلى أن الوضع على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل خطير، وأن هذا هو السبب الذي دفع الرئيس الأمريكي بايدن، لإرساله إلى لبنان، معتبرًا أن النزاع بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل استمر لوقت كافٍ ويجب وضع حلول حاسمة له، ومشددًا أيضًا على أن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

تأثيرات محتملة

تنوعت لقاءات جالانت في الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعتبرها أقرب حليف لإسرائيل، مؤكدًا وقوف واشنطن مع تل أبيب منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، التي اندلعت أكتوبر الماضي، وأنه يسعى إلى حل الخلافات الثنائية ومواصلة العمل مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويتبنى أركان الإدارة الأمريكية، خلال محادثاتهم مع جالانت منع تمدد الصراع من غزة وانتشاره إقليميًا، إذ دعا أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، خلال لقائه جالانت، 24 يونيو 2024، إلى تجنب مزيد من التصعيد في لبنان، كما ناقش الدبلوماسية غير المباشرة بين إسرائيل و"حماس" بشأن اتفاق يضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين ويخفف من معاناة الشعب الفلسطيني، وفق تصريحات ماثيو ميلر، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية.

وأكد لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، خلال لقائه جالانت، 25 يونيو 2024، أن الولايات المتحدة تسعى بشكل عاجل إلى التوصل لاتفاق دبلوماسي يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى منازلهم على جانبي الحدود، محذرًا من أن اندلاع حرب بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل سيكون أمرًا مدمرًا، وأن حرب أخرى قد تتحول بسهولة إلى حرب إقليمية، وقال جالانت من جانبه: "لن ننسى وقفة واشنطن معنا منذ اليوم الأول لهجوم السابع من أكتوبر، ونحن عازمون على إرساء الأمن وتغيير الواقع على الأرض".

وبرغم تنوع لقاءات جالانت، إلا أنه من المحتمل ألا تؤدي زيارته ومباحثاته في واشنطن إلى تأثيرت جوهرية على معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة، لعدد من العوامل لعل أهمها:

(&) التداعيات الداخلية لوقف الحرب: أن إنهاء الحرب سيفضي وفق اتجاهات متعددة إلى تشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول الإخفاقات التي منيت بها الحكومة وعجزها عن توقع هجوم حركات المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر 2023، فضلًا عن عدم إحراز تقدم ملموس في هذه الحرب الغاشمة، التي وصفت بـ"الإبادة الجماعية"، وعدم إعادة المحتجزين إلى منازلهم، فضلًا عن إخفاق الحكومة الإسرائيلية - التي يشغل جالانت منصب وزير الدفاع بها - في تحقيق أي من الأهداف المعلنة للحرب الإسرائيلية على غزة بكل الدمار الذي خلفته، وبالتالي فإن نتنياهو يسعى لتوظيف مسار الحرب لخدمة طموحاته الشخصية، وفق اتهامات المعارضة الإسرائيلية.

(&) ضعف الضغط الأمريكي لوقف الحرب على غزة: حتى بعد أن وافق مجلس الأمن على مقترح بايدن الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية كمشروع قرار يتبنى وقف إطلاق النار وعودة المحتجزين وإعادة الإعمار، لا سيما أن بايدن يسعى لتوظيف موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، نوفمبر 2024، التي سيواجه فيها منافسًا محتمل فوزه هو الرئيس السابق دونالد ترامب، فضلًا عن محاولة بايدن امتصاص الغضب العام بالجامعات الأمريكية التي انتفضت لمناصرة غزة، والمطالبة بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية.

(&) محدودية نتائج الزيارة: إن زيارة جالانت إلى الولايات المتحدة الأمريكية هي الثانية له، والثالثة لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، يزور واشنطن منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد زيارة بينى جانتس، مارس 2024، وزيارة يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، أبريل 2024، وهي الزيارات التي تعكس عمق الأزمة التي تواجه إسرائيل وعدم قدرة نخبتها على اتخاذ قرار لوقف الحرب، التي تعتبرها اتجاهات متعددة بأنها تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل تعكسه التكلفة الاقتصادية الباهظة لفاتورة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، والهجرة العكسية من إسرائيل، وانقسام النخبة السياسية، في ظل استمرار المظاهرات التي تطالب بوقف الحرب، وإبرام صفقة تبادل الأسرى وعزل نتنياهو ومحاسبته، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، 23 يونيو 2024، بالقول إن السبيل الوحيد لإعادة المحتجزين هو وقف الحرب، داعيًا إلى تغيير نتنياهو.

مجمل القول تعكس زيارة يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، إلى واشنطن عمق الأزمة التي تمر بها إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، التي أكدت هشاشة الكيان الإسرائيلي والمجتمع معًا، وانقسام النخبة وعجزها عن اتخاذ قرار بوقف العدوان الغاشم على غزة، والتهديد بتوسيع رقعة الصراع واحتمالية تحوله لحرب إقليمية شاملة بعد التصعيد في جنوب لبنان، وهو التوجه الذي يرفضه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأركان إدارته في ظل الاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، نوفمبر 2024، مع تزايد ضغوط الديمقراطيين، لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية.