الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كاليدونيا الجديدة.. مطالب بالاستقلال ومناطق خارج السيطرة تهدد بالمزيد من الدماء

  • مشاركة :
post-title
أعمدة الدخان تكسو سماءجزر كاليدونيا الجديدة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تشهد جزر كاليدونيا الجديدة الفرنسية في المحيط الهادئ أعمال شغب عنيفة ومواجهات دامية بين قوات الأمن والمتظاهرين المناهضين للخطط الفرنسية لتغيير قواعد التصويت في الإقليم، إذ يأتي هذا العنف على خلفية الخلافات العميقة بين السكان الأصليين "الكانك" والمستوطنين الفرنسيين، حول مستقبل الجزر.

اندلعت الاشتباكات الأخيرة بعد تصويت في البرلمان الفرنسي؛ أدى إلى تغيير قواعد التصويت لتسمح للمستوطنين الذين قضوا 10 سنوات في الجزر بالتصويت في الانتخابات المحلية، إذ يرى الكانك الذين يشكلون 40% من السكان أن هذا سيضعف تأثيرهم السياسي، ويمهد لضم الجزر إلى فرنسا بشكلٍ دائمٍ.

اندلعت الاحتجاجات يوم الاثنين الماضي بقيادة حركة "الخلية المنسقة للعمل الميداني" المناهضة للإصلاح الدستوري.

مواجهات دامية

وبحسب صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية، سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب واسعة النطاق في العاصمة نومياه وأنحاء أخرى من الجزر، أدت إلى مقتل خمسة أشخاص بينهم شرطيان وأُصيب 64 آخرون من قوات الأمن.

تم نشر قوات أمن إضافية بلغ عددها 2700 عنصر لمحاولة استعادة النظام، لكن مناطق كاميري ومونترافيل وفالي دو تير ذات الأغلبية الكانكية لا تزال خارجة عن سيطرة السُلطات، حسب المفوض الفرنسي الذي قال إن مئات المتظاهرين المسلحين ينتظرون الاشتباك مع الشرطة هناك.

دمار اقتصادي

أدت الاضطرابات إلى حدوث أضرار اقتصادية كبيرة، حيث تم نهب وتدمير 80-90% من شبكة توزيع البقالة، بما فيها المتاجر والمستودعات وتجار الجملة، حسب غرفة التجارة والصناعة.

قُدرت الأضرار المادية بنحو 200 مليون يورو، كما تعطلت عمليات التوريد والإمداد بالمواد الغذائية والأدوية مع قطع الطرق بالحواجز.

اتهامات مُتبادلة

اتهمت الجماعات المؤيدة للاستقلال الحكومة الفرنسية بتحمل المسؤولية عن "خسائر الأرواح والفظائع وتدمير النسيج الاقتصادي للبلاد"؛ بسبب إصرارها على "فرض تغيير دستوري".

من جانبها، اتهمت باريس أذربيجان بـ"التدخل" في الشؤون الداخلية لكاليدونيا، بعد أن عقدت جماعات مؤيدة للاستقلال اجتماعات حول الأحداث هناك، لكن باكو نفت ذلك.

كانت هناك محاولة لعقد مؤتمر فيديو بين الرئيس إيمانويل ماكرون وممثلين من الجزر، لكنها ألغيت لرفض "الأطراف المختلفة" الالتقاء ببعضها، حسب الإليزيه.

جهود فرنسا لاحتواء الأزمة

ووفقا لصحيفة "لو باريزيان" الفرنسية تُواصل فرنسا نشر المزيد من قوات الأمن لاستعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن نفوذها في العاصمة نومياه ومناطق أخرى. وصلت قوات إضافية بلغ مجموعها 2700 عنصر بين شرطة ودرك؛ لمواجهة ما وصفه المفوض الفرنسي بوجود "مئات المتظاهرين المسلحين" في عدة أحياء.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال، في وقت سابق إنه سيتم إرسال حوالي 1000 من قوات الأمن الإضافية إلى كاليدونيا الجديدة –إضافة إلى 1700 جندي موجودين بالفعل– في حين ستضغط السُلطات من أجل "إنزال أشد العقوبات على مثيري الشغب واللصوص".

كما قامت السُلطات بتوقيف 5 من النشطاء المؤيدين للاستقلال الذين اتهمتهم بالمسؤولية عن أعمال العنف ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية، وحظرت أيضًا استخدام تطبيق "تيك توك" الذي كان يستخدمه المتظاهرون للتنسيق فيما بينهم.

على الصعيد السياسي، حاول الرئيس ماكرون التواصل مع الأطراف المتنازعة في الجزر، لكن محاولة عقد مؤتمر فيديو معهم فشلت؛ بسبب رفضهم التحدث، حسب بيان الإليزيه، وأصرّ ماكرون على أنه سيتم التصويت على الإصلاح الدستوري لقواعد الانتخابات قبل نهاية يونيو ما لم يتفق الطرفان على اتفاق جديد.

دعم دولي للكانك

في المقابل، حشدت الحركات المؤيدة للاستقلال في كاليدونيا الجديدة دعمًا دوليًا لقضيتها، إذ عقدت اجتماعات في أذربيجان ضمت جماعات من مناطق أخرى تابعة لفرنسا تطالب بالاستقلال؛ مما أثار هذا غضب وزير الداخلية، جيرالد درمانين، الذي اتهم باكو "بالتدخل" في شؤونها الداخلية قبل أن تنفي الأخيرة ذلك.

كما دعت منظمات حقوقية إلى وقف العنف وإجراء تحقيق مستقل في ظروف مقتل الضحايا وأسباب تصاعد الأزمة.

ولاحظت تقارير صحفية أن بعض المتظاهرين يحملون أسلحة تقليدية، مثل الرماح والقوس والسهام إلى جانب بنادق الصيد.

مخاوف من تدهور الأوضاع

رغم جهود احتواء الأزمة، لا تزال مخاوف من احتمال تدهور الأوضاع أكثر في ظل الخلافات العميقة بين الأطراف المتصارعة، فالكانك الذين يشكلون 40% من سكان الجزر متمسكون بمطالبهم بالاستقلال التام لحماية هويتهم الثقافية من الذوبان في حال ضم المستوطنين الفرنسيين للجزر بشكل رسمي.

من جانبها، ترى باريس كاليدونيا الجديدة ذات الموقع الاستراتيجي في المحيط الهادئ جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الفرنسية ولا تريد التنازل عنها، كما أن السكان غير الكانك الذين لديهم الأغلبية العددية معارضون بشدة لفكرة الاستقلال.

لذلك تبدو فرص التوصل إلى تسوية تُرضي جميع الأطراف صعبة للغاية، ويظل خيار اللجوء إلى القوة لفرض الأمر الواقع أحد الاحتمالات المطروحة بشكل متزايد، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من سفك الدماء والتدهور الكارثي للأوضاع الإنسانية في هذه الجزر النائية.