الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تهديد للاستقرار في الإقليم الفرنسي.. أعمال شغب وحظر تجوال في كاليدونيا الجديدة

  • مشاركة :
post-title
آثار أعمال الشغب في كاليدونيا الجديدة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في ليلةٍ داميةٍ شهدتها "نوميا" عاصمة إقليم كاليدونيا الجديدة الفرنسي، اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين انفصاليين من السكان الأصليين، على خلفية احتجاجات ضد إصلاح دستوري، يهدف إلى توسيع الهيئة الانتخابية في الانتخابات المحلية، وقد تحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال شغب واسعة النطاق ومواجهات دموية مع قوات الأمن.

غرق الشوارع في الفوضى

أشارت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى أنه سرعان ما غرقت شوارع المدينة في الفوضى، حيث أُضرمت النيران في مئات السيارات وأكثر من 30 متجرًا وشركة أصبحت رمادًا بفعل الحرائق المتفشية، كما تعرضت العديد من المنازل للاقتحام والنهب والتخريب من قبل مجموعات متطرفة من المتظاهرين، ووصف شهود عيان المشاهد بأنها "كالحرب" مع أصوات إطلاق نار متبادلة وانفجارات وصرخات متواصلة ملأت الجو.

وأوضحت الصحيفة أنه وسط هذه الأجواء المتأزمة، كانت قوات الأمن عاجزة عن السيطرة على الوضع، خاصة بعد تعرضها لهجمات من قبل المتظاهرين المسلحين بأسلحة نارية ثقيلة، مثل بنادق الصيد الكبيرة. ما اضطر السلطات لإجلاء عائلات من عناصر الأمن من منازلهم؛ نظرًا لتصاعد حدة الاشتباكات.

بحلول صباح اليوم التالي، غطت سحب الدخان سماء العاصمة وبدت المدينة كأنها ساحة حرب بعد ليلة من الدمار، حيث تكدست الحطام والسيارات المحترقة في الشوارع الرئيسية، فيما اضطر العديد من التجار والأهالي لإغلاق محالهم؛ خشية تعرضها للنهب والحرائق.

خسائر كارثية

على صعيد الخسائر، أوضحت صحيفة لوموند الفرنسية أن الأحداث أسفرت عن اعتقال 82 شخصًا وإصابة 35 من رجال الأمن، فضلًا عن تلقي خدمات الإطفاء لنحو 1500 نداء استغاثة، كما تكبدت المنشآت التجارية والمصانع خسائر فادحة بعد تعرض العديد منها للنهب والحرائق المتعمدة، ما يُهدد بفقدان نحو 1000 وظيفة وفقًا لتقديرات اتحاد أرباب العمل المحلي.

لم تسلم المنازل السكنية من الدمار أيضًا، إذ تعرضت العديد منها للاقتحام وإضرام النيران فيها، بما في ذلك منزل والد سونيا باكيس، رئيسة إقليم الجنوب ومعارضة لفكرة الانفصال، حيث اضطر فريق من قوات مكافحة الشغب للتدخل لإنقاذ الرجل البالغ من العمر 81 عامًا.

فرض حظر تجول وتعزيزات أمنية فرنسية

في محاولة للسيطرة على الأوضاع، أعلن الممثل السامي للحكومة الفرنسية في كاليدونيا الجديدة، فرض حظر تجول في العاصمة نوميا الكبرى منذ السادسة مساءً وحتى السادسة صباحًا، قابل للتجديد حسب الضرورة، كما تم حظر التجمعات وحمل السلاح وبيع المشروبات الكحولية على مستوى الإقليم كله.

وفي الوقت نفسه، أوضحت لو باريزيان أنه تم استدعاء تعزيزات عسكرية من فرنسا للمساعدة في ضبط الأمن، والتي ستضم 15 عنصرًا من قوات مكافحة الشغب والفرق المتنقلة للشرطة، إلى جانب قوات من النخبة العسكرية.

في المقابل، دعت الحكومة المحلية لكاليدونيا الجديدة المواطنين إلى ضبط النفس والعودة إلى طاولة الحوار لحل الخلافات بشكل سلمي، مستنكرة أعمال العنف التي وصفتها بـ "المؤسفة"، كما عبّرت حركة الاستقلال المعارضة عن "حزنها الشديد" من الأحداث، داعيةً إلى الحفاظ على روح السلام التي تحققت بشق الأنفس منذ أكثر من 30 عامًا.

ردود الفعل الفرنسية

أما على الصعيد السياسي الفرنسي، فقد تباينت ردود الفعل بين مطالبات اليسار باستئناف الحوار وإلغاء الإصلاح الدستوري المثير للجدل، وانتقادات اليمين المتطرف لإدارة الحكومة المركزية للأزمة، متهمة إياها بتصعيد حدة التوترات وعرقلة المفاوضات السلمية.

من جانبه، انتقد زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري، جان لوك ميلانشون، بشدة ما وصفه بـ "حكام بلا فهم لتاريخ شعوب الأرض الرئيسية وجزر لويالتي" في إشارة إلى الحكومة الفرنسية، متهمًا إياها بـ "اللعب بالنار وازدراء الشعوب الأصلية وروح اتفاقيات نوميا".

وحمل ميلانشون المسؤولية لباريس، داعيًا إلى "التخلي عن المشروع المشتعل والعودة لصبر الحوار".

من جهته، رأى رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان باردولا أن "الأحداث ذات خطورة استثنائية"؛ بسبب "الأسلوب وكذلك الجدول الزمني الذي حددتهما الحكومة" لتنفيذ الإصلاح الدستوري، واصفًا إياه بـ "الاصطدام بالمفاوضات الجارية بين المؤيدين والانفصاليين".

كما اتهم باردولا وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، بتصعيد حدة الأزمة، مؤكدًا أن حزبه سيقدم "اقتراحات" قريبًا بشأن كاليدونيا الجديدة.

أما رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل آتال، فقد أعرب عن دعمه للمتضررين من "العنف الذي لا يمكن تبريره أبدًا".

ودعا آتال جميع الأطراف إلى "الارتقاء إلى مستوى حدة الوضع" والتحلي بالهدوء، مُشيرًا إلى أن الأوضاع "متوترة للغاية" في الإقليم.

في المقابل، أصدر وزير الداخلية جيرالد دارمانان تصريحات متشددة، متهمًا المتظاهرين الشباب بالانخراط في "أعمال إجرامية ممنهجة"، بناءً على "تعليمات وتنسيق"، كما توعد بمحاسبة كل من تورط في أعمال العنف، معتبرًا أن "ما حدث خطير للغاية".

من جانبه، قال ممثل الحكومة الفرنسية في كاليدونيا الجديدة إن "أي قضية تستحق الدفاع عنها سياسيًا، لكن لا تستحق ذلك عبر أعمال قاتلة ضد عناصر الشرطة والمدنيين". ودعا المسؤول للهدوء وللمساعدة من السُلطات التقليدية لاحتواء الشباب المتطرفين.