الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معضلة التصعيد.. ماذا تخسر إيران إذا طورت ضربتها على إسرائيل؟

  • مشاركة :
post-title
الهجوم الإيراني على إسرائيل

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

بعد أن ردّت إيران في نهاية يوم الـ13 من أبريل على قصف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، بعدد من المُسيّرات والصواريخ التي أظهرت صور متداولة في وسائل الإعلام اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية لها، يبقى السؤال: هل إيران مستعدة للتصعيد خاصة أن البيت الأبيض أكد أن تهديدات إيران لإسرائيل حقيقية وموثوقة؟ وما الحسابات الاقتصادية التي ستتوقف عليها سيناريوهات تنفيذ مزيد من الضربات الإيرانية؟ وما حجم الخسائر الاقتصادية للدولة الإيرانية في حالة تصعيد عملياتها على إسرائيل؟ وما السيناريوهات المحتملة في ظل الحسابات الاقتصادية المختلفة؟

خسائر متوقعة:

يُمكن تقدير الخسائر المتوقع أن تَطول الدولة الإيرانية من جراء تنفيذ مزيد من الضربات على إسرائيل من خلال النقاط التالية:

(-) تأثُر صادرات النفط: يعتمد النشاط الاقتصادي داخل إيران بشكل كبير على عائدات النفط، كما تُشكل منتجات الطاقة نحو ثلث الصادرات وربع الإيرادات الحكومية، وفي ظل العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني، تُعد الصين من أكبر مستوردي النفط الإيراني في العالم كما يتضح من الخريطة (1)، إذ استوردت الصين نحو 91% من النفط الإيراني خلال عام 2023، ولكن على الرغم من ذلك تتأثر عائدات النفط الإيراني بشكل طردي مع العقوبات الأمريكية، فنتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في عامي 2018 و2019، قُيدت الصادرات الإيرانية من النفط الخام والمُكثفات بشدة، وانخفضت الصادرات إلى أقل بكثير من 500 ألف برميل يوميًا مُقارنة بـ2.7 مليون برميل يوميًا قبل العقوبات، ومن هنا فمن المُحتمل بشكل كبير مع تنفيذ الضربة الإيرانية على إسرائيل، أن ترتفع العقوبات الأمريكية على إيران، ما يجعلها تخسر الكثير من عائدات صادرات النفط، التي بلغت 35.8 مليار دولار في الـ12 شهرًا الماضية حتى نهاية مارس 2024، مدفوعة بالمشتريات الصينية من النفط الإيراني، فلولا صادرات النفط لكانت إيران تسجل عجزًا تجاريًا قدره 16.8 مليار دولار، وهو الأمر الذي ستُراعيه إيران بشكل دقيق عند التفكير في توجيه الضربة على إسرائيل.

خريطة (1) توضح المنافذ التصديرية للنفط الإيراني

(-) فقدان جزء كبير من عائد التجارة: تُعد الصين والإمارات العربية المتحدة وتركيا والعراق والهند من الشركاء التجاريين الرئيسيين لإيران، ومع احتمالية تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بشكل أكبر بعد الضربة الإيرانية، سيزداد الخلل في هيكل التجارة الخارجية لإيران، إذ إنه بحسب إحصاءات الجمارك الإيرانية، تراجعت الصادرات غير النفطية للبلاد بنسبة 10.7% على أساس سنوي في عام 2023، وهو الأمر الذي أدى إلى خلل في الميزان التجاري غير النفطي بنحو 14 مليار دولار، ومن المتوقع بشكل كبير أن يزداد هذا الخلل بعد احتمالية تصعيد إيران هجماتها ضد إسرائيل وحدوث ردّ إسرائيلي عليها، الأمر الذي سيحرم الاقتصاد الإيراني من عائد كبير للتجارة الخارجية.

(-) ارتفاع معدلات التضخم: يُعاني الاقتصاد الإيراني من مشكلة متأزمة كبيرة، وهي معدلات التضخم المرتفعة، فكما يتضح من الشكل (1) بلوغ معدلات التضخم 55.5% في أبريل 2023، وعلى الرغم من انخفاضها في فبراير 2024 إلى 35.8% بالمقارنة بـ38.5 في الشهر السابق، إلا إنها تظل عند معدلات مرتفعة، ومن المتوقع بشكل كبير أن يرتفع هذا المعدل بعد تزايد التوتر بين إيران وإسرائيل وتوجيه إيران مزيد من الضربات، إذ إنه مع احتمالية رفع العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، ستتأثر دورة الإنتاج والتشغيل داخل الدولة، مما يعمل على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، الأمر الذي سُيشكل ضغطًا كبيرًا على الخزانة العامة للدولة، إذ ستعمل الحكومة على زيادة قيم التحويلات النقدية والدعم؛ لانتشال الأسر من خط الفقر، وهو ما يترتب عليه فقد مبالغ كبيرة من موارد الدولة الإيرانية.

المصدر: مركز الإحصاء الإيراني

(-) تكاليف عسكرية كبيرة: ستُشكل التكاليف العسكرية التي نتجت عن الضربة الإيرانية لإسرائيل، ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد الإيراني، إذ إن إيران أطلقت نحو 300 صاروخ إيراني وطائرة مُسيّرة بحسب آخر التقديرات (185 طائرة مُسيّرة، 120 صاروخًا باليستيًا، أكثر من 30 صاروخ كروز)، وتبلغ متوسط تكلفة صنع الصاروخ الباليستي نحو 200 ألف دولار، في حين تبلغ تكلفة صاروخ كروز نحو 750 ألف دولار، بينما تبلغ تكلفة الطائرة المُسيّرة من 20 إلى 50 ألف دولار، وهو ما يعني أن إجمالي التكلفة الأولية على إيران ستبُلغ على الأقل 55 مليون دولار، وهو الأمر الذي سيُشكل ضغطًا كبيرًا على نفقات الدولة، مما يُزيد من عجز الميزانية التي تُعد من المشاكل الهيكلية داخل الاقتصاد الإيراني.

سيناريوهات مُحتملة:

إن الخسائر الاقتصادية التي تم ذكرها ستفرض سيناريوهين بخصوص إمكانية تنفيذ مزيد من الضربات الإيرانية، وذلك على النحو الآتي:

(-) السيناريو الأول: يذهب إلى أن إيران لن تطلق مزيدًا من الضربات نحو إسرائيل، إذ إنه يُمكن القول إن الضربات التي أطلقتها إيران أمس والتي تم التصدي لـ99% منها بفضل مساعدة القوات الأمريكية لإسرائيل، كانت لحفظ ماء وجه إيران ورد اعتبارها أمام العالم، إذ يُدرك الجانب الإيراني أن أي خطوة غير محسوبة ستكون لها ارتدادات صعبة على دولتها، وبالتالي لن تُخاطر بإطلاق مزيدًا من الضربات، ويدعم هذا السيناريو رسالة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لواشنطن، أن ردّ بلاده لن يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، كما أكد مصدر استخباراتي أمريكي أن الرد الإيراني سيتصف بالانضباط، ويُمكننا القول إن هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، إذ يكون الرد في نطاق محدود لا يعمل على التصعيد العسكري في المنطقة؛ خوفًا على مصالحها الاقتصادية، ومن التبعات الاقتصادية لهذا الهجوم، وهو ما أكده قائد الحرس الثوري الإيراني، بأن إيران حققت هدفها بدقة، إذ أكد أن العمليات كانت محدودة؛ لتحذير الكيان الصهيوني. ومن ناحية أخرى ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية ما بوسعها؛ لضبط الرد الإسرائيلي على إيران؛ بسبب الأوضاع الانتخابية التي تواجهها إدارة بايدن، وهو السبب وراء وجود قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا قبل الضربة الإيرانية وخلالها؛ للسيطرة على الرد الإسرائيلي، كما أن نتنياهو على الجانب الأخر يُعاني من أزمات داخلية كبيرة، فلن يعمل على توسيع دائرة الصراع بشكل كبير، بالإضافة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يتحمل تكاليف صد الهجوم الإيراني، التي بلغت حتى الآن نحو مليار دولار.

(-) السيناريو الثاني: يُعد من السيناريوهات المُتشائمة حول المواجهات بين إيران وإسرائيل، إذ يذهب إلى أن الرد الإسرائيلي سيكون كبيرًا ضد إيران؛ بسبب العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يترتب عليه مزيدًا من الضربات الإيرانية نحو إسرائيل، ولكن هذا السيناريو سيعمل على اشتعال المنطقة بشكل كبير، وهو الأمر الذي لن يكون في صالح جميع الأطراف، وهو ما يجعله سيناريو مُستبعدًا.

وعليه، تُشكل الحسابات الاقتصادية لإيران حلقة أساسية في قرار تنفيذ مزيد من الضربات الانتقامية ضد إسرائيل من عدمه، فالاقتصاد الإيراني لا يتحمل تبعات المواجهات العسكرية طويلة المدى مع إسرائيل، وبالطبع مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا يُمكن القول إن رد إيران في الليلة الماضية كان محسوبًا بدرجة كبيرة، بألا يضر بالاقتصاد الإيراني الذي يُعاني من أزمات اقتصادية هيكلية، فموازين التكلفة والعائد، ستجعل القرار يتجه نحو الانتقام بشكل لا يُمثل تصعيدًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى طالما أن الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل تم السيطرة عليها بالتنسيق مع أمريكا، فالرد الإسرائيلي سيؤجل وسيتوقف على قيام إيران بهجمات أخرى، وهو ما يمثل السيناريو الأول.