الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد جولة بلينكن الإفريقية

  • مشاركة :
post-title
بلينكن مع الرئيس الإيفواري الحسن وتارا

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، في أربع دول إفريقية على ساحل المحيط الأطلنطي هي: الرأس الأخضر، ساحل العاج، نيجيريا، وأنجولا، خلال الفترة من 21-25 يناير 2024، لتعكس استمرار استعادة زخم الاهتمام الأمريكي بالقارة السمراء في ظل تنامي النفوذين الصيني والروسي بإفريقيا، وهو الزخم الذي بدأ منذ أن استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن، القمة الأمريكية الإفريقية الثانية بواشنطن ديسمبر 2022، إذ تعهد بتعزيز ركائز التعاون الاستراتيجي مع دول القارة، إدراكًا منه بأن إفريقيا هي المستقبل، إذ أعلنت إدارة بايدن أنها تنوي استثمار 55 مليار دولار في الدول الإفريقية على مدى 3 أعوام، أي مع نهاية العام المقبل (2025)، بعد فترة من التجاهل خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

محطات الجولة

شملت جولة وزير الخارجية الأمريكي، أربعة بلدان تقع على الساحل الإفريقي الغربي المُطل على المحيط الأطلنطي، هي:

(*) الرأس الأخضر: جاءت الرأس الأخضر كمحطة أولى في جولته الإفريقية، وهي دولة جزرية تتكون من مجموعة من 10 جزر صغيرة، تقع في المحيط الأطلنطي غرب القارة الإفريقية، ويبلغ عدد سكانها وفق تعداد عام 2020 نحو 506 آلاف نسمة.

وترتبط الرأس الأخضر بعلاقات راسخة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال إنفاذ القانون والاعتراضات البحرية، إذ وصفها بلينكن خلال الجولة بأنها منارة للاستقرار وصوت قوي في غرب القارة، مضيفًا أن المستقبل مترابط، وأن الأصوات الإفريقية تؤثر بشكل متزايد في الخطاب العالمي وتحفزه وتقوده، وأن الولايات المتحدة ملتزمة بتعميق وتعزيز وتوسيع الشراكات في جميع أنحاء إفريقيا.

كما أجرى بلينكن جولة في ميناء العاصمة برايا، الذي جرى توسيعه كجزء من منحة قدمت للرأس الأخضر تبلغ 150 مليون دولار من خلال مؤسسة تحدي الألفية، المعنية بتقديم المساعدات الأمريكية للدول التي تفي بالمعايير الديمقراطية، ومنحت الولايات المتحدة للرأس الأخضر 150 مليون دولار، عبر حزمتين، شملتا توسيع الميناء في العاصمة برايا، وتحسين الطرقات وبناء أنظمة للمياه والصرف الصحي.

وتتبنى الرأس الأخضر الموقف الأمريكي من الحرب الروسية الأوكرانية، إذ أدان خوسيه أوليسيس كوريا إي سيلفا، رئيس الوزراء، الهجوم الروسي، كما انتقد التغيير غير الدستوري للحكم في إفريقيا، مؤكدًا أن بلاده تسترشد بقيم الديمقراطية الليبرالية.

(*) كوت ديفوار: جاءت كوت ديفوار المحطة الثانية في جولة بلينكن الإفريقية، التي وصل إليها 22 يناير 2024، والتقى الرئيس الإيفواري الحسن وتارا، إذ أشار بلينكن خلال المؤتمر الصحفي، إلى أنه تم مناقشة التحديات الأمنية المشتركة، ومثمنًا دور أبيدجان في الحرب ضد التطرف والعنف، لذلك تم تعزيز التدريب العسكري 15 مرة، فضلًا عن الاستثمار في الحماية المدنية بكوت ديفوار.

ووعد بلينكن بتعزيز التعاون مع ساحل العاج، مشيرًا إلى تدريب قواتها الأمنية، وقال إن بلاده ستقدم مبلغ 45 مليون دولار إضافية لدول بغرب إفريقيا، في إطار خطة لمحاربة عدم الاستقرار ما يرفع إجمالي التمويل بموجب البرنامج الذي بدأ قبل عام إلى 300 مليون دولار تقريبًا، كما أشاد بلينكن بالنهج الذي اتبعته كوت ديفوار في العمل مع المجتمعات المحلية، والإصغاء إليها، والتأكد من أن قواتها الأمنية تتفهم احتياجات واهتمامات المجتمعات المحلية.

وأشار الرئيس الإيفواري الحسن وتارا من جانبه إلى أن الأمن لا يزال يمثل تحديًا في المنطقة (غرب إفريقيا)، مقدرًا جهود الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، ومبديًا قلقه إزاء عدد من التغييرات غير الدستورية في غرب إفريقيا، ومعبرًا عن التزامه بالديمقراطية والعدالة على غرار النهج الأمريكي، وتعهد بأن تبذل حكومته كل ما بوسعها لتحسين حياة الناس.

وسعى بلينكن لإظهار الجانب الودي خلال الزيارة بحضوره مباراة كرة القدم بين كوت ديفوار وغينيا الاستوائية على هامش منافسات كأس الأمم الإفريقية التي تستضيفها كوت ديفوار، وللمفارقة فإن الاستاد الذي أقيمت المباراة على أرضه وتابعها بلينكن شيدته الصين بتكلفة تصل 200 مليون دولار، كما خرجت كوت ديفوار من المنافسة بعد هزيمتها من غينيا الاستوائية بأربعة أهداف نظيفة.

(*) نيجيريا: جاءت نيجيريا المحطة الثالثة في جولة بلينكن الإفريقية، إذ التقي الرئيس النيجيري بولا تينوبو، ووصف بلينكن الولايات المتحدة الأمريكية في تصريحات له بأنها الحليف الاقتصادي والتنموي والأمني الرئيسي للقارة في أوقات الأزمات الإقليمية والدولية، كما تعهد بتقديم تمويل إضافي بقيمة 45 مليون دولار للمساعدة في مكافحة النزاعات، وإحلال الاستقرار في منطقة الساحل، حيث تنشط الجماعات المتطرفة والإرهابية.

(*) أنجولا: جاءت أنجولا المحطة الأخيرة في جولة بلينكن الإفريقية، إذ التقى الرئيس الأنجولي جواو لورنسو، كما زار أحد المتاحف العلمية بأنجولا والمشيدة في إطار البرنامج الأمريكي للتعاون في مجال الفضاء، والمبادرة الجديدة التي تهدف إلى جلب البذور المُعدلة جينيًا إلى الدول النامية، قائلًا: "عندما نلقي نظرة على بعض البذور التقليدية التي اعتمد الأفارقة عليها، منها الكاسافا والدخن والذرة البيضاء، إنها مغذية جدًا ويمكن أيضًا الآن جعلها أقدر على مقاومة تداعيات التغير المناخي بغية الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الغذائي الذاتي في إفريقيا بل واحتمال تمكنها من توفير الغذاء لأجزاء أخرى من العالم. وتكتسب أنجولا أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إذ تشكل مُشاركًا رئيسيًا في أحد أهم مشروعات البنى التحتية في القارة الإفريقية، من خلال ممر لوبيتو الذي يربط بين زامبيا غير الساحلية، التي تعدها الولايات المتحدة نموذجًا ديمقراطيًا، والكونغو الديمقراطية الغنية بمواردها المعدنية، اتصالًا بميناء أنجولي مطل على المحيط الأطلنطي، كما لعبت أنجولا دورًا محوريًا في التوسط لوضع حد للاضطرابات بالكونغو المجاورة لها.

جولة وزير الخارجية الأمريكي الإفريقية
دوافع متعددة

هناك العديد من الدوافع التي تعكس أهمية جولة بلينكن الإفريقية، وهو ما يمكن الإشارة إليها في التالي:

(&) استعادة زخم الاهتمام الأمريكي بإفريقيا: جاءت جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، بالتزامن مع جولة تجريها ليندا جرينفيلد، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، في ثلاث دول أخرى غرب إفريقيا هي غينيا بيساو وسيراليون وليبيريا، لتشكل مثل تلك الجولات امتدادًا لاستعادة زخم الاهتمام الأمريكي بالقارة، فقد شهد عام 2023 ذروة ذلك الزخم، من خلال الزيارات المتتالية لكبار مسؤولي إدارة بايدن، أبرزهم نائبة الرئيس كاميلا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد، بالإضافة إلى قرينة الرئيس الأمريكي جو بايدن السيدة جيل بايدن.

وتأتي تلك الزيارات في إطار الترويج للرؤية الأمريكية الجديدة لمستقبل إفريقيا، التي عبر عنها الرئيس الأمريكي بايدن بتطلعه للعمل مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات الأمريكية، لمواصلة تعزيز رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.

(&) تعزيز المصالح الأمريكية في القارة: ناقش أنتوني بلينكن النمو الاقتصادي وكيفية تعزيز الشراكات الأمنية القائمة على القيم المشتركة مثل احترام حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية وتوسيع نطاق القانون، كما يبحث الوفد الأمريكي خلال الجولة شراكات في التجارة والمناخ والبنية التحتية والصحة والأمن، والتحديات الأمنية في غرب إفريقيا، وتداعيات أحداث النيجر، العام الماضي (2023)، ونفوذ الصين وروسيا، وغيرها من القضايا التي تقع في إطار الاهتمام المشترك بين الجانبين الأمريكي والإفريقي، وفقًا لماثيو ميلر، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، والعديد من التصريحات الأمريكية، لذلك تعهد بلينكن بتقديم تمويل إضافي قدره 45 مليون دولار؛ للمساعدة في التصدي للصراعات وتحقيق الاستقرار بمنطقة ساحل غرب إفريقيا.

وأعلن بلينكن تقديم 150 مليون دولار مساعدات إنسانية جديدة لمنطقة الساحل الإفريقي خلال زيارته للنيجر العام الماضي.

(&) مواجهة النفوذ الصيني: تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكي عقب جولة لوزير الخارجية الصيني وانج يي، التي زار خلالها كلًا من مصر، توجو، وكوت ديفوار، في الفترة من 13-18 يناير 2024، لذلك تمثلت أحد دوافع جولة بلينكن في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي بإفريقيا، إذ تعد الصين أكبر شريك تجاري لقارة إفريقيا، وهو ما تقره بيانات الهيئة الوطنية العامة للجمارك بأن التجارة بين الصين وإفريقيا وصلت 254.3 مليار دولار في 2021، بزيادة 35.3% على أساس سنوي، وصلت نحو 282 مليار دولار، خلال عام 2022. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمار الصيني المباشر في إفريقيا يصل نحو 44 مليار دولار، كما تمتلك الصين نحو 12% من ديون الدول الإفريقية، التي تضاعفت أكثر من 5 مرات بين عامي 2000 و2020، لتصل نحو 696 مليار دولار.

وتسعى الصين إلى توظيف علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية، لتعظيم مكاسبها الاستراتيجية كقطب اقتصادي دولي يهدف للوصول إلى قمة النظام الدولي، لذلك تم تأطير تلك العلاقات بشكل مؤسسي، من خلال تدشين منتدى التعاون الصيني الإفريقي منذ عام 2000، الذي يعقد بشكل سنوي، لتعزيز الشراكة بين الجانبين في مجالات البنية الأساسية والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية والإنسانية، وهو ما عزز من الوجود الصيني في إفريقيا، الذي تعتبره الولايات المتحدة تهديدًا لنفوذها بالقارة السمراء.

(&) الحد من التمدد الروسي في إفريقيا: تهدف الجولة في أحد أبعادها لمواجهة التمدد الروسي بإفريقيا، في ظل توالي أزمات الحكم في عدد من دول الغرب الإفريقي، التي تتجه نحو التعاون الاستراتيجي مع روسيا. ويأتي ذلك التمدد الروسي ترجمة لما نصت عليه وثيقة السياسة الخارجية، التي وقعها الرئيس فلاديمير بوتين، عام 2016، على أن روسيا ستتوسع في علاقاتها مع دول قارة إفريقيا في مختلف المجالات، سواء على المستوى الثنائي، أو المستوى الجماعي، وذلك من خلال تحسين الحوار السياسي، وتكثيف التعاون الشامل السياسي والتجاري والاقتصادي والعسكري والفني وفي مجال التعاون الأمني.

وعبّرت الولايات المتحدة الأمريكية علنًا عن قلقها الشديد من التزايد السريع للنفوذ الروسي في إفريقيا، خصوصًا بالبلدان التي سعت للاستعانة بمجموعة "فاجنر" من أجل الحصول على خدماتها الأمنية مقابل امتيازات واسعة في مجال استخراج وتجارة الذهب وعدد من المعادن الثمينة والصناعية الأخرى، ونقل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للقادة الأفارقة الذين شاركوا في القمة الأمريكية الإفريقية الثانية ديسمبر 2022، قلق بلاده من الوجود الروسي في عدد من دولهم، مشيرًا إلى أن مقاتلي "فاجنر" يهددون استقرار الدول الإفريقية، ويسرقون الثروات المعدنية وينتهكون حقوق الإنسان.

مجمل القول تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إفريقيا لتعكس التنافس الدولي على مقدرات القارة التي توصف بأنها مستقبل العالم، إذ يقع أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم بالقارة، كما أن عدد سكانها يبلغ 1.421 مليار نسمة في نوفمبر 2022، بما يمثل 17.8% من عدد سكان العالم، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان القارة 2.5 مليار نسمة معظمهم من الشباب بحلول عام 2050، وتعتبر القارة مركزًا للثروات الطبيعة، إذ تختزن إفريقيا في باطن أرضها 40% من ذهب العالم، و90% من معدني الكروم والبلاتين، فضلًا عن احتياطات الماس واليورانيوم والمياه العذبة، وتمثل كل تلك المقومات الاقتصادية الدافع الرئيسي لتكالب القوى الدولية على ثروات إفريقيا ومواردها بما يتطلب من قادة القارة النأي بها عن المنافسة الدولية، وتجنب الاستقطابات بين القوى الكبرى.