الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد جولة وزير الخارجية الصيني فى إفريقيا

  • مشاركة :
post-title
الرئيس التونسي قيس سعيد ووزير الخارجية الصيني وانج يي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتى جولة وزير الخارجية الصيني وانج يي الإفريقية، والتي يزور خلالها كل من مصر وتوجو وكوت ديفوار، في الفترة من 13-18 يناير 2024، استمرارًا لتقليد دبلوماسي مستقر يتبعه وزراء خارجية الصين على مدار العقود الماضية ببدء العام الجديد بجولة إفريقية، وهو التقليد الذي يعكس الأهمية الاستراتيجية للقارة السمراء بالنسبة لبكين، في ظل ما تزخر به دول القارة من موارد ضخمة، تمثل سوقًا استهلاكية للمنتجات الصينية، والتي تقع ضمن مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى ربط الصين بأقاليم العالم الرئيسية، فضلًا عن المستقبل الواعد لقطاع إنتاج الطاقة الذي تسعى الصين للاستحواذ على عمليات التنقيب به، بهدف توفير إمدادات الطاقة من الدول الإفريقية لمشروعها التنموي الضخم، كما تسعى الصين أيضًا للانخراط السياسي لمواجهة الأزمات المعقدة، ومحاولة طرح تصورات لحلها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأمن البحر الأحمر وتداعيات التصعيد الغربي على التفاعلات الاقليمية والدولية.

محطات الزيارة:

جاءت محطات وزير الخارجية الصيني وانج يي، في عدد من الدول الإفريقية، وهي كالتالي:

(*) مصر: جاءت مصر المحطة الأولى من جولة وزير الخارجية الصيني بعدد من الدول الإفريقية في 14 يناير 2024، والذي يعكس الأهمية التي توليها الصين للتنسيق والتعاون مع مصر في جميع الملفات الشرق أوسطية والعربية والإفريقية، في ظل تماثل موقفي البلدين من القضايا المطروحة على الساحة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ تتبنى الدولتان ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، والرفض التام والقاطع للنقل الجبري الفردي والجماعي، والتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم، وضرورة معالجة جذور الأزمة من خلال التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقًا لمقررات الشرعية الدولية.

والتقى "وانج" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أكد- وفقًا للمتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية- على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة لحماية المدنيين وإغاثتهم مما يعيشون فيه من أوضاع إنسانية كارثية، وكذلك نزع فتيل التوتر في المنطقة وتجنب إذكاء عوامل عدم الاستقرار الإقليمي، واتفق وانج مع الموقف المصري مثمنًا دور مصر المشهود له عالميًا على المسارين السياسي والإنساني، وتم في هذا الإطار استعراض ما قامت به مصر وما تحملته من مسؤولية تاريخية وإنسانية، في التصدي لحشد واستقبال وتجميع المساعدات الإنسانية من جميع أنحاء العالم، ثم بذل الجهود اللازمة للتغلب على العقبات والتعقيدات أمام إيصال تلك المساعدات، وذلك بالإضافة إلى المساعدات المصرية المقدمة من مصر حكومًة وشعبًا، والتي تمثل الأغلبية العظمى لما يتم تقديمه من إجمالي المساعدات، مع تأكيد ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في هذا الصدد لإنقاذ المساعدات إلى غزة، اتساقًا مع قرارات مجلس المن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة

(*) تونس: مثلت تونس المحطة الثانية في جولة وزير الخارجية الصيني وانج يي، والتي استمرت من 14 إلى 16 يناير 2024، لتتزامن مع احتفالات تونس بالذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتجسيدًا لتلك الروابط، شهد "وانج" وبحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، ونظيره التونسي نبيل عمار افتتاح أعمال الأكاديمية الدبلوماسية الدولية لإعداد الدبلوماسيين، والتي مولتها بكين بنحو 29 مليون دولار أمريكي، والتي وصفت كرمز جديد للصداقة بين البلدين، التي تتجه علاقاتهما نحو الشراكة، حيث انضمت تونس إلى مبادرة الحزام والطريق في يوليو 2018 بتوقيعها مذكرة تفاهم، وهو ما يفتح لها آفاق واسعة للتعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والاستثماري.

(*) توجو: جاءت توجو كمحطة ثالثة في جولة وزير الخارجية الصيني وانج ويي 18 يناير 2024، والذي تعهد خلال لقائه وزير خارجيتها روبرت دوسي بتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين في جهودهما المشتركة نحو التحديث، مشيرًا إلى أنه في إطار سعي الدول الإفريقية نحو التنمية والنهوض، يمكن لتوجو والدول الإفريقية الأخرى الاعتماد دائمًا على الصين كشريك استراتيجي طويل الجل، مؤكدًا دعم الصين الكامل لإفريقيا في استكشاف المسار الإفريقي نحو التحديث. ومن جهته أكد وزير خارجية توجو تمسك بلاده بمبدأ صين واحدة، ودعمها في حماية سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها.

(*) كوت ديفوار: تأتى كوت ديفوار كمحطة رابعة وأخيرة في جولة وزير الخارجية الصيني وانج يي في إفريقيا 18 يناير 2024، حيث التقي نظيره الإيفواري كاكو هواجا ليون أدوم، وتعهد الجانبان بتعزيز التعاون الشامل لتحقيق مكاسب مشتركة، كما أشار أدوم إلى أن كون ديفوار تلتزم بمبدأ صين واحدة، وتدعم الصين في الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة في بحر الصين الجنوبي. أما وانج فأكد على أن الصين ستدعم إفريقيا بقوة في حماية سيادتها الوطنية واستقلالها وكرامتها الوطنية، وستدعم الدول الإفريقية في السعي إلى القوة من خلال الوحدة، وفي استكشاف طريق تنمية ذي خصائص إفريقية، يُسرّع من تنميتها ويحافظ على استقلالها، وأن الصين تثق في تنمية إفريقيا، وتدعمها في نضالها للحصول على وضعها المستحق في النظام العالمي متعدد الأقطاب، والاستفادة من مكاسب العولمة الاقتصادية.

دوافع متنوعة:

تتنوع دوافع جولة وزير الخارجية الصيني وانج ويي، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها في الآتي:

(*) تعزيز الشراكة الصينية الإفريقية: تشكل الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإفريقيا أحد ركائز السياسة الخارجية للصين في إطار تفاعلها مع أقاليم العالم الصاعدة. وتجسيدًا لذلك الاهتمام، سعت الصين لجعل علاقتها مع الدول الإفريقية على أسس مؤسسية، وهو ما تجلى في تدشين العديد من الفعاليات التي تعقد بشكل دوري ومنتظم، أهمها: منتدى التعاون الصيني الإفريقي، والقمة الصينية الإفريقية، ومنتدى السلام والأمن الصيني الإفريقي. وهو الأمر الذي انعكس على تنامي التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا الذي وصل إلى 7.4% على أساس سنوي خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2023، بما جعل الصين تحافظ على مكانتها كأكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدى العقد الماضي، فوفقًا لبيانات الجمارك الصينية بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين الجانبين نحو 263.3 مليار دولار عام 2022، أي بزيادة 14.8% على أساس سنوي.

وفي هذا السياق، تعد جولة وزير الخارجية الصيني تجسيدًا للزخم المتنامي في العلاقات بين الصين وإفريقيا، لاسيما وأن جولات وزراء خارجية الصين في بداية كل عام جديد كانت تتجه نحو التنويع ما بين أقاليم إفريقيا الجغرافية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا ووسطًا.

(*) تفعيل التعاون العربي الصيني: تتزامن جولة وزير الخارجية الصين مع مرور عقدين على تأسيس منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، لذلك جاء لقاء وانج يي خلال زيارته مصر مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي أشار إلى تقدير الصين لدعمها العدالة في القضية الفلسطينية، ومساهماتها المهمة في الدعوة لوقف إطلاق النار ووقف العنف والتصعيد وحماية المدنيين في غزة، معتقدًا أن الصين ستواصل لعب دور لا غنى عنه.

(*) إرساء ركائز السلام والتنمية: في إطار المبادرات الصينية الداعمة للاستقرار والتنمية في العالم، والتي انعكست كمحددات رئيسية لجولة وانج يي وزير الخارجية الصيني الإفريقية، طرحت الصين رؤيتها لحل القضية الفلسطينية من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر سلام دولي أوسع نطاقًا وأكثر موثوقية وفعالية، وصياغة جدول زمني محدد وخريطة طريق لتنفيذ حل الدولتين. لذلك جاء البيان المشترك المصري الصيني عقب لقاء وزيري خارجيتهما، خلال زيارته مصر، ليطرح العديد من التوافقات بين الجانبين، أهمها ضرورة الوقف الفوري والكامل لإطلاق النار، ووقف جميع أعمال العنف والقتل واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية، ورفض وإدانة كل انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك النقل الجبري الفردي والجماعي والتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم، وضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته للبدء في تنفيذ رؤية حل الدولتين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام لإيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، من خلال إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة والمتواصلة الأراضي على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة. أما فيما يخص تطورات الأوضاع في البحر الأحمر، دعا الجانبان إلى أهمية قراءة تلك التطورات ارتباطًا بالأوضاع في غزة باعتبارها مسببًا رئيسيا لها، كما أعربا عن القلق إزاء اتساع رقعة الصراع بالمنطقة، مع التشديد على أهمية تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل الوقف الفوري للاعتداءات على قطاع غزة والعمل على خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، كذلك أكدا على أولوية تأمين سلامة وأمن الملاحة في البحر الأحمر.

مجمل القول: تأتى جولة وزير الخارجية الصيني وانج يي كتقليد مستقر لوزراء خارجية الصين منذ عقود لزيارة أقاليم إفريقيا بتنوعها شرقًا وغربًا ووسطًا وشمالًا وجنوبًا، في بداية العام الجديد، وهو التقليد الذي يعكس الأهمية الاستراتيجية للقارة السمراء لدى القوى الكبرى الرامية لتعزيز مكانتها في النظام الدولي الجديد، لاسيما وأن ثمة إدراك لدى تلك القوى بما تزخر به القارة من مقومات طبيعية وبشرية، جعلت الرئيس الأمريكي جو بايدن يصرح بأن إفريقيا هي المستقبل، بما يعني أن تكالب القوى الكبرى على مقدرات القارة في تزايد مستمر، بما يحتاج من دول القارة إدراك مخاطر الاستقطاب الدولي على استقرار وتنمية القارة، التي لن تنهض إلا بسواعد أبنائها واعتمادًا على تعزيز قدراتهم الوطنية وتحفيز الطاقات الخلاقة التي تزخر بها القارة السمراء.