الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد الجولة الإفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

  • مشاركة :
post-title
وزير الدفاع الأمريكي " لويد أوستن" و " إسماعيل عمر جيله" رئيس جيبوتي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

عكست الجولة الإفريقية لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والتي زار خلالها كل من جيبوتي وكينيا وأنجولا، خلال الفترة من 24 حتى 28 سبتمبر 2023، استمرارًا للنهج الأمريكي الرامي إلى إعادة الاهتمام بالقارة الإفريقية بعد فترة من التهميش خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي اعتبرها قارة المشكلات المعقدة، في حين وصفها الرئيس الحالي جو بايدن بأنها مستقبل العالم، بما جعل زيارة دول القارة السمراء محل اهتمام من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية من أبرزهم نائبة الرئيس كاميلا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، وصولًا إلى قرينة الرئيس جيل بايدن.

دوافع متعددة

تنوعت دوافع الجولة الإفريقية لوزير الدفاع الأمريكي لكل من كينيا، وجيبوتي، وأنجولا. والتي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) ترجمة التوجه الجديد إزاء إفريقيا: تشكل القارة الإفريقية مرتكزًا رئيسيًا في التوجه الأمريكي للحفاظ على علاقات استراتيجية بأقاليم العالم المختلفة. لذلك فإن قمة القادة الأمريكية الإفريقية الثانية في ديسمبر 2022، والتي استضاف خلالها بايدن 42 رئيس دولة وحكومة إفريقية، بعد ثماني سنوات من انعقاد القمة الأولى في أغسطس 2014 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، مثلت نقطة تحول في الإدراك الأمريكي لحيوية القارة، وإعادة الاعتبار للتعاون والشراكات الاستراتيجية مع دولها في مجالات: التنمية والأمن الغذائي، والتغيرات المناخية، وقضايا الصراع، ومكافحة الإرهاب. وهو الإدراك الذي عزز من جولات أركان الإدارة الأمريكية في دول القارة.

(*) مكافحة الإرهاب: تشكل مكافحة الإرهاب بندًا رئيسيًا في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما وأن القارة الإفريقية أضحت الملاذ الآمن لعدد من التنظيمات الإرهابية بعد هزيمتها في معاقلها الرئيسية. وهو ما جعل وزير الدفاع الأمريكي يبدأ جولته الإفريقية بجيبوتى حيث توجد قاعدة ليمونيه، وهي القاعدة العسكرية الأمريكية الرئيسة في القارة الإفريقية، والتي كان لها دورها المباشر في الآونة الأخيرة في المساعدة في إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين من السودان بعد اندلاع المواجهات بين الجيش وميليشيا "الدعم السريع" في إبريل 2023، وهو الأمر الذي كان محل إشادة من جانب أوستن الذي التقى بالمسؤولين الجيبوتيين وفي مقدمتهم الرئيس عمر جيله ووزير الدفاع حسن البرهان، كما التقى أوستن أيضًا بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال تواجده بجيبوتى، وأشاد بالنجاحات التي تحققها القوات الصومالية في مواجهة "حركة الشباب" الإرهابية، لكنه حذر أيضًا من أن الحركة لا تزال لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

(*) تعزيز الأمن الإقليمي: تشكل حماية المصالح الأمريكية في إفريقيا أحد دوافع جولة أوستن الإفريقية، وهو ما يرتبط بالأساس بتعزيز الأمن الإقليمي وعقد الشراكات الأمنية مع الدول الحليفة في القارة السمراء، لذلك كانت كينيا هي المحطة الثانية في جولة أوستن، والتي وقّع خلالها مع وزير الدفاع الكيني على اتفاقية دفاعية مدتها خمس سنوات تهدف إلى تعزيز القدرات الكينية، لمواجهة التهديدات المتنامية في شرق إفريقيا وفي مقدمتها مواجهة التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن مساندة كينيا في مهمة قيادة قوات متعددة الجنسيات، لاستعادة الاستقرار في هاييتي بعد اندلاع أعمال العنف بين العصابات المحلية والإقليمية منذ اغتيال الرئيس الهاييتي جوفينيل مويز في يوليو 2021.

(*) دعم الديمقراطية: تمثل قضية الديمقراطية أحد الشعارات التي توظفها الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها العالمية، بهدف تعزيز مصالحها بصرف النظر عن مدى التزامها بمعايير تلك الديمقراطية، وهو الأمر الذي تجلى في إخفاقها في نشرها بالعديد من الدول، كان في مقدمتها العراق وأفغانستان، وما لحق بهما من انكسار لركائز الدولة وتفشي التيارات الإرهابية والمتطرفة بعد الغزو الأمريكي لهما. واستمرارُا لنفس شعارات دعم الديمقراطية جاء تأكيد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال محطته الثالثة من الجولة الإفريقية، والتي كانت لأنجولا -والتي استقبلت أول زيارة لوزير دفاع أمريكي- على دعم السياسات الحكومية التي تعزز السلام والأمن والحكم الديمقراطي معًا.

تداعيات التوجه الأمريكي

تأتي الزيارة في إطار سعى الولايات المتحدة الأمريكية، لاستعادة مكانتها ونفوذها داخل القارة الإفريقية، لذلك من المحتمل أن يكون للزيارة تأثيرها على بعدين أساسيين:

(&) مواجهة النفوذين الروسي والصيني: لا سيما وأن روسيا عمقت علاقاتها بدول القارة الإفريقية، عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك للحد من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن توظيف قدرات مجموعة فاجنر، لتعزيز ذلك النفوذ، وهو الأمر الذي جعل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يؤكد خلال زيارته لجيبوتى على أن "مجموعة فاجنر الروسية المرتزقة لا تزال تتمتع بحضور كبير في القارة، ـوأن إفريقيا تستحق أفضل من الحكام المستبدين الذين يبيعون الأسلحة الرخيصة ويدفعون بقوات المرتزقة مثل مجموعة فاجنر".

يضاف إلى ذلك مساعي الولايات المتحدة من خلال جولات كبار مسؤوليها للحد من النفوذ الصيني الذي أضحى أكثر مؤسسية وداعمًا للتنمية بدول القارة من دون شروط سياسية، وهو ما جعل العديد من الدول الإفريقية تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع بكين بما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في حجم التبادل التجاري بين الجانبين ليصل إلى 283 مليار دولار بما جعلها أكبر شريك تجارى لإفريقيا. لذلك تسعى واشنطن للحد من الصعود الصيني في إفريقيا، وربما تمثل زيارة وزير الدفاع لجيبوتي رسالة في هذا الاتجاه لا سيما وأن جيبوتي هي الدولة الإفريقية التي تستضيف أول قاعدة عسكرية للصين في الخارج منذ عام 2017.

(&) إعادة التموضع الأمريكي: البعد الثاني وربما الأهم، يرتبط برغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة التموضع داخل القارة الإفريقية من خلال التأكيد على حضورها في مكافحة الإرهاب وعقد الشراكات الأمنية والعسكرية مع حلفائها من الدول الإفريقية، كما حدث مع كينيا خلال جولة أوستن، فضلًا عن تعظيم المكاسب الأمريكية من الموارد الطبيعية والبشرية التي تمتلكها القارة وتسعى القوى الكبرى للتكالب عليها، وربما يشكل الموقف الأمريكي الحذر في التعامل مع قضية الإطاحة بالحكام في دول الغرب والوسط الإفريقي في تشاد، وغينيا، وبوركينا فاسو، والنيجر، والجابون. وهو ما تجلى على سبيل المثال في التحفظ الأمريكي على التدخل العسكري في النيجر، لإعادة النظام الدستوري، والذي طالبت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في 26 يوليو 2023.

كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 19 أغسطس 2023 عن وصول السفيرة الأمريكية الجديدة لدى النيجر كاثلين فيتزجيبون، معللةً ذلك بالاستجابة للحاجة إلى وجود قيادة عليا للبعثة في وقت صعب.

مجمل القول إن الجولة الإفريقية لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن والتي زار خلالها كل من جيبوتي وكينيا وأنجولا، تأتي في إطار سلسلة زيارات كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، وذلك لتعزيز الشراكات الدفاعية والأمنية والتنموية مع دول القارة الإفريقية التي أضحت تشهد نوعًا من التنافس الدولي ما بين الدول الكبرى في إطار إعادة توزيع مناطق النفوذ والسيطرة بهدف خدمة مصالح تلك القوى سواء تلك الراغبة في الحفاظ على طبيعة النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أو تلك القوى الرامية إلى الانتقال إلى التعددية القطبية مثل روسيا والصين، بما سيجعل من القارة بؤرة لتوازنات القوى الكبرى، وهو ما سيعمق من أزماتها التي تتفاقم على المستوى الداخلي وتحتاج إلى تحييد التجاذبات الدولية في لعبة الأمم.