في 18 يناير 2024، انعقدت الجمعية الاستثنائية الـ42 للهيئة الحكومية والدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، وهي كتلة إقليمية تضم ثماني دول في شرق إفريقيا.
انعقدت هذه القمة الاستثنائية للمنظمة، برئاسة رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، بالتزامن مع التوترات القائمة في الشرق الإفريقي، وتفاقُم الخلافات بين أعضائها، مثل الصومال وإثيوبيا والأزمة في السودان.
يذكر أن حضور القمة تمثل في كلٍ من: رئيس أوغندا، والصومال، وجيبوتي، وجنوب السودان، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس كينيا، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، وقائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني السابق.
تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى القضايا التي تناولتها القمة، وكيفية التعامل معها، وأهم مُخرجاتها، بالإضافة إلى توضيح مواقف المشاركين تجاه نتائجها.
ملفات مطروحة
جاء انعقاد القمة الـ42 الاستثنائية لـ"إيجاد"؛ للنظر في التهديدات الأمنية القائمة في منطقة الشرق الإفريقي، فكانت أبرز الملفات المطروحة على طاولتها، كالآتي:
(*) ملف الأزمة بين الصومال وإثيوبيا: في 1 يناير 2024، وقع اتفاق بين إقليم أرض الصومال (صوماليلاند) مع إثيوبيا مقابل الاعتراف الإثيوبي بإقليم أرض الصومال كدولة إفريقية مستقلة ذات سيادة، مقابل السماح لإثيوبيا بالوصول البحري إلى المواني على طول ساحل أرض الصومال، بتأجير أكثر من 12 ميلًا من الوصول البحري حول بربرة، لمدة 50 عامًا للبحرية الإثيوبية. وأثار ذلك الاتفاق غضب جمهورية الصومال الفيدرالية التي تعتبر إقليم أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وأن الاتفاق يعني الانتهاك بسيادتها. وتسبب ذلك في تفاقم التوترات الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، خاصةً مع نمو حركة شباب المجاهدين الصومالية التي كثفت أعمالها التخريبية مُستغِلًة الأوضاع لتحقيق أهدافها الإرهابية بتجنيد مُجَنَدين جُدَد، حتى باتت تلك الحركة تشكل تهديدًا أمنيًا آخر في الصومال.
(*) ملف الأزمة السودانية: مع نزوح أكثر من 8 ملايين شخص وإبعاد 19 مليون طفل عن المدارس في السودان، كان لابد من إدراج ملف السودان ضمن قائمة مناقشات قمة إيجاد الـ42، حيث تتقاتل القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع المنافسة للسيطرة على السودان منذ أبريل 2023، وتحولت التوترات طويلة الأمد إلى معارك في شوارع العاصمة ومناطق أخرى، بما في ذلك إقليم دارفور بغرب البلاد. كما أن الوضع الأمني بالعاصمة السودانية "الخرطوم" غير مستقر؛ نظرًا لحالة الهلع التي يعانيها الشعب السوداني من أفعال ميليشيا الدعم السريع، وهو مما تسبب في تقديم إدانات من المنظمات الدولية والإقليمية بما فيها الأمم المتحدة؛ بسبب فظائع الميليشيا ضد الشعب السوداني، والتي تسببت في زعزعة أمن واستقرار السودان. وفي سبيل ذلك، دعت "إيجاد" قائد ميليشيا الدعم السريع "حميدتي" للقمة ما تسبب في إثارة غضب السودان وتعليق علاقاته مع دول الشرق الإفريقي.
نتائج قمة إيجاد (42)
مع انتهاء المباحثات خلال القمة الاستثنائية لإيجاد (42)، أسفرت مُخرجاتها عن:
(*) إجراء محادثات سودانية مباشرة: اقترحت الهيئة الحكومية والدولية المعنية بالتنمية "إيجاد" إجراء محادثات مباشرة بين أطراف الأزمة في السودان، بهدف إنهاء الصراع، من خلال ترتيب لقاء يجمع كل من قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول "عبد الفتاح البرهان"، وقائد ميليشيا الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، وجهًا لوجه، خلال 14 يومًا؛ للحوار وحل الأزمة. كما أكدت "إيجاد" على أن النزاع القائم ليس مِلكًا لأطراف النزاع فحسب بل للشعب السوداني أيضًا، ومن ثُم حثّت إلى سَعي الطرفين لإجراء حوار يراعي حق الشعب السوداني في الحصول على وطنٍ آمنٍ خالٍ من الصراعات والحروب.
(*) تشكيل لجنة معنية بالأزمة السودانية: أكدت "إيجاد" استعدادها للتعاون لتعيين لجنة رفيعة المستوى للسودان من قِبل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى جانب الدعوة إلى التعاون الوثيق مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيجاد" وأصحاب المصلحة الآخرين؛ للتغلب على تعقيدات عملية السلام، كما دعت إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار؛ لتمهيد الطريق لإجراء مناقشات سياسية هادفة نحو حكومة ديمقراطية في السودان.
(*) إجراء حوار بَنّاء: دعت "إيجاد" خلال قمتها الـ42 كلًا من الحكومة الصومالية والإثيوبية إلى إجراء حوار بنّاء يساعد على تهدئة التوترات القائمة بينهما بشأن إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، وضرورة الامتناع عن أي أعمال تنم عن عدم احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه. ويتضح من البيان الذي أصدرته (إيجاد) أنها لم تعترف بمذكرة التفاهم الأخيرة الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال.
ضبابية المشهد
عقب انتهاء القمة، أعرب المشاركون فيها عن آرائهم حول الكيفية التي تعاملت بها مع التهديدات الأمنية الممثلة في أزمتي السودان، ومذكرة التفاهم حول إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، مما جعل المشهد ضبابيًا حول مصير تلك الأزمات، فنلاحظ:
(*) الصومال: أعرب الصومال كونه دولة عضو بمنظمة "إيجاد" عن ترحيبها بانعقاد القمة، وأنها على أتم الاستعداد للاستفادة من المداولات والنقاشات القائمة. لكن بشأن أزمته مع إثيوبيا، أكد الصومال أنه لم يقدم على أي خطوة وساطة مع إثيوبيا ما لم تلغ أديس أبابا الاتفاق البحري مع إقليم أرض الصومال؛ نظرًا لانتهاك الاتفاق سيادة الصومال وأراضيه.
(*) إثيوبيا: جاء غياب إثيوبيا عن حضور القمة مؤشرًا على احتمالات فشل "إيجاد" في الوصول إلى حل للأزمة القائمة بين إثيوبيا والصومال، وبررت إثيوبيا الغياب بعدم مناسبة توقيت انعقاد القمة، وأنها على استعداد لمناقشة مواعيد بديلة بما يتماشى مع النظام الداخلي الذي يحكم اجتماعات المنظمة. وكانت نتائج القمة غير مرضية لإثيوبيا؛ نظرًا لعدم اعتراف القمة بمذكرة التفاهم المشتركة بشأن إقليم أرض الصومال.
(*) السودان: في 16 يناير 2024، جمدت حكومة السودان عضويتها في "إيجاد"، وبالتالي عدم الانخراط بمناقشات المشاركين في القمة. كما نوهت الخارجية السودانية بأن رئاسة القمة ارتكبت خطأ فادحًا عند دعوتها لقائد ميليشيا الدعم السريع "محمد حمدان دقلو" للحضور، مع تعَنُتها وعدم استجابتها إجراء مفاوضات مباشرة مع "حميدتي"، مُعرِبًة عن استيائها من مشاركته.
(*) جامعة الدول العربية: نوه الأمين العام المساعد السفير "حازم زكى"، خلال كلمته عقب انتهاء القمة، عن موقف جامعة الدول العربية من الملفات المطروحة، مُصَرِحًا بأن "الجامعة العربية تعتبر إقليم أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية. وبالنسبة للوضع في السودان، شدد الأمين العام المساعد على ضرورة التكاتف الإقليمي والدولي لإعادة أمن واستقرار الداخلي.
(*) الولايات المتحدة الأمريكية: أعربت واشنطن عن ترحيبها بنتائج قمة إيجاد (42)، مؤكدة أن انعقاد القمة هو الحل الدبلوماسي الأمثل لحل الأزمات الراهنة في منطقة القرن الإفريقي، خاصة الأزمة السودانية؛ نظرًا لأن الحل العسكري سيؤدى بالفعل إلى تأجُّج الصراع. وأكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الإفريقي "مايكل هامر" أنه لابد من التزام الفصائل السودانية بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والوفاء بالالتزامات الأخيرة بوقف القتال.
إجمالًا لما سبق، يمكن القول إن القمة الاستثنائية لإيجاد رقم (42) فقدت زخمها السياسي؛ نظرًا للأوضاع المُعقدة في منطقة القرن الإفريقي والتعَنُت الصومالي والسوداني الذي تسبب في اكتفاء القمة بإجراء محادثات بروتوكولية. وبالتالي، أخفقت القمة في تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع خاصة الأزمة القائمة بين الصومال وإثيوبيا؛ نظرًا لتركيز أكثر من ثلثي وقائع الاجتماع على الحرب في السودان. فتنفيذ القرارات سيظل عقيمًا، ما دامت الفجوة مُتسعة بين محاولات الوصول إلى حلول منطقية تغيب عن مشهد الحل العسكري، وبين تنفيذ تلك الحلول واقعيًا بما يخدم المصلحة العامة للقارة.