في 1 يناير 2024، وقّعت منطقة أرض الصومال الانفصالية "صوماليلاند" اتفاقًا مع إثيوبيا، أثار غضب حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية "مقديشو" وبعض القوى الكبرى.
يُذكر أن مذكرة التفاهم التي وقعها أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، وموسى بيهي عبدي، زعيم أرض الصومال، تُعطي الحق لإثيوبيا في الوصول إلى ميناء بربرة على البحر الأحمر وحقوقًا أخرى، وتمثلت أهم بنود المذكرة بين الطرفين في السماح لإثيوبيا بالوصول البحري والتجاري إلى الموانئ على طول ساحل أرض الصومال، بتأجير أكثر من 12 ميلًا من الوصول البحري حول بربرة لمدة 50 عامًا للبحرية الإثيوبية، مقابل اعتراف إثيوبيا بمنطقة أرض الصومال "صوماليلاند" كدولة مستقلة.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى قراءة مستقبل الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، في ظل إدانات واسعة من دول الجوار، كما سيتم توضيح الانعكاسات الإيجابية على إثيوبيا، ومخاطر هذا الاتفاق على أرض الصومال.
أهداف قائمة:
أثار اتفاق أبي أحمد وموسى بيهي، توترات جيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي والدول المجاورة، وفزعًا أمنيًا لجمهورية الصومال الفيدرالية التي تخشى على سيادتها في حال اعتراف إثيوبيا رسميًا بمنطقة أرض الصومال كدولة إفريقية مُستقلة ذات سيادة، فخطوة توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال (صوماليلاند) في حال تنفيذها من المحتمل أن تؤدي إلى تغييرات في الديناميكيات الدبلوماسية وعلاقات دول الجوار، ويمكن توضيح أهم طموحات طرفي الاتفاق فيما يلي:
(*) تهدف إثيوبيا من الاتفاق الحصول على منفذ بحري بساحل البحر الأحمر في منطقة القرن الإفريقي، وبموجب مذكرة التفاهم المشتركة ستتم معالجة ما لا يقل عن 30% من المعاملات التجارية لإثيوبيا مع جيبوتي في ميناء بربرة.
يُذكر أن إثيوبيا تعتمد على ميناء جيبوتي، الذي يمر خلاله قرابة 95% من تجارتها الخارجية، ونظرًا لعبء الرسوم الذي يشكله ميناء جيبوتي على إثيوبيا، والقلق بشأن تهديد المصالح الإثيوبية في منطقة القرن الإفريقي، تسعى أديس أبابا لأن يكون لها منفذ دائم في ساحل البحر الأحمر؛ من أجل حماية سفنها البالغ عددها 11 سفينة تتمركز في البحر الأحمر، خاصًة أن المسافة بين إثيوبيا وساحل البحر الأحمر قرابة 60 كيلومترًا. فالاتفاق سيسمح لإثيوبيا باستئجار 20 كيلومترًا حول ميناء بربرة، الذي يقع على خليج عدن مع إمكان الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 عامًا لقواتها البحرية.
(*) تتمثل طموحات منطقة أرض الصومال الانفصالية "صوماليلاند"، في الحصول على اعتراف دولي، باعتباره هدفًا طال انتظاره لأرض الصومال، التي كانت تسعى -وهي محمية بريطانية سابقة ويبلغ عدد سكانها نحو 4.5 مليون نسمة- إلى إقامة دولة كاملة منذ إعلان استقلالها عن الصومال في عام 1991، ونظرًا لفشل المجتمع الدولي في تحقيق الهوية التاريخية المميزة لجمهورية أرض الصومال وشرعية دولتها، سعت منطقة أرض الصومال "صوماليلاند" إلى اتفاق مع إثيوبيا، ودعت جميع الأطراف المعنية إلى احترام مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون مع إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية في الأول من يناير 2024.
فالاتفاق وفقًا لموسى بيهي، جاء كحماية لأرض الصومال من أي تهديدات يمكن أن تتعرض لها، فالدعم الإثيوبي المُقدم، وفقًا لتقديراته قد يُؤمن أرض الصومال من أي تهديدات إقليمية محتملة، قد تزعزع من وجه نظر موسي بيهي استقرار منطقته. وبُناءً على بنود الاتفاق ووفق نظرة اقتصادية، ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، بالإضافة إلى تدفق الاستثمار في البنى التحتية والدعم المالي لتطوير الطرق والموانئ البحرية. فالخطوط الجوية الإثيوبية ستساعد أرض الصومال في الحصول على ترويج سياحي قوي، يترتب عليه زيادة الواردات، وتعزيز فرصة العاصمة "هرجيسا" لتصبح قوة مستقرة في منطقة القرن الإفريقي.
تحديات الاتفاق
أثار الاتفاق الموقع بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال ردود فعل واسعة، تمثلت في الآتي:
(&) تجدد التهديدات: بمحرد توقع الاتفاق بين طرفيه، حدث توتر سريع في العلاقات الهشة بين كل من أرض الصومال (صوماليلاند) ودولة الصومال، فالصومال يصر على أن "صوماليلاند" جزء من الأراضي الصومالية ذات السيادة، وأكدت حكومة الصومال أن الاتفاق "باطل ولاغٍ" ويُشكل انتهاكًا لحكمها الذاتي وتعتبر هذا العمل عدوانًا، وبالتالي استدعى الصومال سفيره في إثيوبيا احتجاجًا على مذكرة التفاهم. فالصومال لديه موقف مُعادٍ مع إثيوبيا، يعود منذ الغزو الإثيوبي للبلاد عام 2006، فالانتهاك الإثيوبي للصومال آنذاك كان كارثيًا، ونتج عنه بداية ظهور بعض الحركات الإرهابية المسلحة مثل "حركة شباب المجاهدين الصومالية"، حتى صارت تلك الحركة الأكثر عنفًا في الصومال، وبالتالي سعت جمهورية الصومال لمنع أي تنفيذ للاتفاق؛ لأن ذلك يشكل خطرًا كبيرًا للصومال واضطرابًا لاستقراره الأمني.
(*) حياد غير محسوب: في الثالث من يناير 2024، دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه إلى ضرورة الاحترام المتبادل بين إثيوبيا والصومال، كما صرّح بضرورة الامتناع عن أي عمل عدائي بدوره يعيق تنفيذ هذا الاتفاق، وتدهور العلاقات بين الطرفين.
(*) تحركات للحفاظ على سيادة الصومال: أعربت مصر عن دعمها لجمهورية الصومال الفيدرالية، واحترامها الكامل لوحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيه ومعارضتها لأي أعمال من شأنها المساس بالسيادة الصومالية، ويذكر أن الموقف المصري من هذا الاتفاق ينطلق من ثوابت في السياسة الخارجية المصرية التي تؤكد دائمًا سيادة الدول والحفاظ على مؤسساتها الرسمية والتصدي لأي مخاطر تهدد الأوضاع الداخلية، إذ أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أن مصر ستحافظ على موقفها الثابت إلى جانب الصومال ودعم أمنه واستقراره، كما أكد الرئيس المصري أهمية العمل على الاحتفاظ بحق الصومال في الاستفادة بالموارد الاقتصادية به، مع التشديد على الالتزام بأهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.
(*) رفض مُسبب: رفضت كينيا الاتفاق بين منطقة أرض الصومال الانفصالية "صوماليلاند" في الصومال وإثيوبيا، باعتباره يهدد استقرار أمنها، إذ حذّرت السلطات في كينيا من النتائج المترتبة على هذا الاتفاق في حال التدخل العسكري. فكينيا تعترف بأن أرض الصومال (صوماليلاند) حكومة إقليمية ضمن السيادة الصومالية، وبررت قيامها بفتح قنصلية لها في عاصمة إقليم أرض الصومال (هارجيسا) بأن ذلك على غرار إثيوبيا، يُذكر أن إثيوبيا سعت إلى إقامة علاقات مع كينيا، بهدف الاستفادة من موانئها البحرية.
(*) اتجاهات متعاكسة: اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا معاكسًا للاتحاد الإفريقي، ففي حين دعم الاتحاد الإفريقي لفكرة استقلال أرض الصومال (صوماليلاند) إلا أن الاتحاد الأوروبي، اعتبر هذا الاتفاق بمثابة أعلى درجات الانتهاك لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية. فمن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، الاتفاق يُعد اعتداءً على حق جمهورية الصومال الفيدرالية، وفقًا لدستورها وميثاقي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وعليه دعا الاتحاد الأوروبي إلى العمل من أجل استعادة احترام جمهورية الصومال الفيدرالية؛ حتى يتحقق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
(*) الولايات المتحدة الأمريكية: رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق الموقع بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال (صوماليلاند)، وتؤكد اعترافها بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها، ضمن حدودها منذ عام 1960، وتخشى الولايات المتحدة الأمريكية تصاعد التوترات في منطقة القرن الإفريقي، بما يهدد مصالح الدول المجاورة، وتحث على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي يمنع نشوب الصراع في المنطقة.
(*) الصين: أبدت الصين موقفًا رافضًا لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال، فالصين لديها موقف مشابه مع جمهورية الصين الفيدرالية، إذ تسعى الصين بأن يتم الاعتراف بتايوان جزءًا من أراضيها، وكذلك جمهورية الصومال الفيدرالية بأن يتم الاعتراف الدولي بمنطقة أرض الصومال (صوماليلاند) جزءًا من أراضيها. فكلا البلدين يرفض الاستقلال الذاتي للمناطق الانفصالية الخاصة بهما، لذلك تسعى تايوان لإقامة علاقات دبلوماسية مع أرض الصومال الانفصالية.
تداعيات الاتفاق
(&) تحقيق انفصال منطقة أرض الصومال "صوماليلاند": تتمتع الدول الإفريقية بصلاحية الاعتراف بدولة إفريقية أخرى، فمع احترام كلا الطرفين لمذكرة التفاهم المشتركة، سيمنح ذلك الفرصة لأرض الصومال بأن تتمتع باستقلال ذاتي، وتكون إثيوبيا أول دولة إفريقية تمنح الاستقلال الذاتي لأرض الصومال (صوماليلاند)، في حال فشل جمهورية الصومال الفيدرالية بإيجاد حل وسط، يحتفظ بحق الصومال في أرض الصومال، ما يشجع دولًا أخرى بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.
(&) زيادة التعاون المُشترك: مع إصرار جمهورية الصومال الفيدرالية على أن أرض الصومال (صوماليلاند) جزء من أراضيها، ومع الاعتراف من قبل عدد من دول الجوار بهذا الأمر، من المرجح تطور علاقات الصومال مع الجهات الفاعلة المهمة التي تبدي رفضًا لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال في منطقة القرن الإفريقي.
(&) احتفاظ الصومال بحقه في أرض الصومال: مع إعلان الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، من المرجح عدم اكتفاء الصومال باستدعاء سفيره في إثيوبيا بل تصاعد الاحتجاجات في مختلف المحافل، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ما يُسهم في إبقاء الصومال على الوضع الحالي على الأقل في علاقته مع أرض الصومال (صوماليلاند)؛ حتى يتسنى له تحقيق رغبته في الاعتراف الدولي بأحقيته في أرض الصومال.
(&) عُزلة الصومال: في حال نجاح الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال وتوتر العلاقات الصومالية الإثيوبية، من المرجح زيادة العداء بين الصومال وإثيوبيا، وبالتالي سيكون الصومال مجبرًا على قطع علاقاته مع الدول التي تؤيد مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا، فمن المرجع أن تسعى تلك الدول للاعتراف أيضًا بأرض الصومال؛ حتى تصبح جمهورية الصومال الفيدرالية في حالة عُزلة مع الجهات المؤيدة.
ختامًا؛وعلاوة على أن مذكرة التفاهم تمثل خرقًا لسيادة جمهورية الصومال، سبق أن خالفت إثيوبيا وعودها مع منطقة أرض الصومال عام 2018، عند توقيع إثيوبيا صفقة مع "صوماليلاند"، مقابل الاستحواذ على حصة في ميناء بربرة بحصة تصل 19%، لكن بعد مرور أربع سنوات لم تستوفِ إثيوبيا الشروط المالية اللازمة لتنفيذ الصفقة، لكن وفق التغيرات في منطقة القرن الإفريقي، فاحتمالية أن يبشر هذا الاتفاق باستقرار وتعاون غير مسبوقين في منطقة القرن الإفريقي الديناميكية، هو احتمال ضئيل، ويبقى مستقبل الاتفاق ضبابيًا إلى حدٍ ما، خاصة بالتزامن مع توقيع جمهورية الصومال قانونًا يبطل مذكرة التفاهم المثيرة للجدل التي أبرمتها منطقة أرض الصومال الانفصالية وإثيوبيا.