شهدت الساحة الصومالية تطورات متسارعة خلال اليومين الماضيين، وذلك باستمرار تصاعد القتال بين الحكومة الفيدرالية وحركة "شباب المجاهدين" الصومالية (فرع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا)، التي تتخذ من الأراضي الصومالية مركزًا رئيسيًا لعملياتها الإرهابية، إذ أعلن الجيش الصومالي في بيان له، 9 يوليو 2023، مقتل أكثر من 40 من مقاتلي الحركة الإرهابية في هجوم جوي وبري شنته القوات الصومالية على القواعد السرية لـ"الشباب" في بلدة ويلمرو بإقليم جوبا السفلى جنوبي البلاد، وهو ما نجم عنه مساء اليوم ذاته، زرع مسلحو "الشباب" لعبوة ناسفة على الطريق بين مديرية بولا بورتي وجيسيبو في إقليم هيران وسط الصومال، أدت إلى مقتل 8 أشخاص بينهم 6 أطفال، ودفعت تلك الواقعة، القيادة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" في 10 يوليو الجاري، بناء على طلب من الحكومة الصومالية؛ لشن ثلاث غارات جوية استهدفت أعضاء من الحركة الإرهابية.
وفي ضوء ما تقدم، فإن هذا التحليل سيجاوب على جملة من التساؤلات، عن ماهية أهداف "شباب المجاهدين" من شن هجمات داخل الصومال؟، وما هي التداعيات الناجمة عن الصراع الدائر بين الحكومة الصومالية وحركة "شباب المجاهدين"؟، وهل تنجح الصومال في محاربة الجماعة الإرهابية بعد الدعم الأمريكي والدولي والإفريقي لها؟
دوافع إرهابية
تجدر الإشارة أن هناك بعض الأسباب التي دفعت "شباب المجاهدين" لشن هجمات إرهابية خاصة خلال الربع الثاني من العام 2023، يأتي من أبرزها، ما يلي:
(*) الضغط على "أتميس" للانسحاب من الأراضي الصومالية: تحاول الجماعة الإرهابية جاهدة الضغط على بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس" (ATMIS)، التي تضم نحو 20 ألف جندي وشرطي ومدني، للانسحاب من الأراضي الصومالية، وهو ما دفعها لشن عدة هجمات إرهابية ضد قوات الوحدة نذ دخولهم إلى البلاد في أبريل 2022، وكان من أبرز تلك الهجمات التي وقعت خلال الربع الثاني من العام الجاري، تفجيرات انتحارية في 27 مايو الماضي، استهدفت قاعدة "بولو مارير" التابعة لـ"اتميس" جنوب غرب العاصمة مقديشو ، وهو ما نجم عنه مقتل حوالي 54 جندي من قوات "أتميس"، وبعد أقل من شهر على هذا الهجوم فقد أعلنت "أتميس" في 21 يونيو الماضي، بدء سحب قواتها المتمركزة في الصومال، ولكن في 28 يونيو الماضي، فقد وافق مجلس الأمن الدولي على تفويض عمل "أتميس" في الصومال لمدة ستة أشهر إضافية بحيث تنتهي في 31 ديسمبر المقبل، وبعد ذلك تسلم القوات الدولية التي تضم عناصر من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا وبوروندي، المسؤوليات الأمنية للجيش والشرطة الصوماليين بحلول عام 2024، وهو الأمر لذي دفع بحركة الشباب، لإعادة نشاطها بشن هجمات مرة أخرى في البلاد.
(*) محاولة استعادة المناطق الصومالية المحررة: لقد شن مقاتلو الحركة الإرهابية في 22 يونيو الماضي، تفجيرين انتحاريين في مدينة بارطيري بإقليم غدو في ولاية جوبالاند جنوب الصومال، استهدف التفجير الأول، قاعدة للجيش الصومالي، أما التفجير الثاني، فقد وقع بالقرب من مطار جنوب البلاد، وهو ما نجم عنه مقتل 8 أشخاص، وإصابة 19 آخرين، والهدف من هذه الأعمال الإرهابية الموجهة نحو القوات الصومالية، هو محاولة الحركة الإرهابية لاستعادة المناطق التي نجحت القوات الصومالية في تحريرها من قبضة الجماعة الإرهابية وتكبيدها خسائر فادحة، خاصة منذ إعلان الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" منذ تسلمه مقاليد الحكم في مايو 2022، عن الاستراتيجية الأمنية والعسكرية التي تعهد فيها بهزيمة حركة الشباب الإرهابية، بل والتعاون مع دول القارة لتخليص دول منطقة شرق إفريقيا من خطر الإرهاب الدامي، وهو ما نجم عنه خسارة الحركة الإرهابية لأكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية منذ (يوليو 2022- يناير 2023)، وفقًا لما أعلنته ووزارة الإعلام الصومالية، التي أفادت بأن أبرز المناطق الشاسعة التي خسرتها الحركة الإرهابية كانت من أقاليم جلدود ومدغ بولاية غملدغ وجدو بولاية جوبالاند، وغيرها.
(*) الحفاظ على أماكن تمركزها وتعزيز الوجود بالعاصمة مقديشو: تحاول الجماعة الإرهابية من خلال شن هجمات إرهابية متنوعة من إقليم إلى آخر وبين فترة وأخرى، التأكيد على أنها لا زالت موجودة وأن هناك مناطق وأقاليم حيوية تحت سيطرتها، يأتي من أبرزها، إقليم جوبا الوسطى بولاية جوبالاند، ويقع هذا الإقليم تحت سيطرة الجماعة الموالية لتنظيم القاعدة نظرا لكونه يتمتع بتضاريس ويضم غابات تتحصن بها قيادات الحركة، ومن جهة، فإن الجماعة الإرهابية تعلن أنها تنشط على 10 أقاليم من أصل 18، والهدف من ذلك، هو إيصال رسالة مفاداها أنها متوغلة وذات نفوذ بمختلف الأراضي الصومالية، وأن ذلك قد يكون مقدمة للعودة بقوة والسيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو، وهو الهدف الذي لطالما سعت إليه "شباب المجاهدين" خاصة منذ سيطرة حركة "طالبان" الأفغانية على مقاليد الحكم بأفغانستان في أغسطس 2021.
(*) دحر جهود التعاون بين الصومال وحلفاؤها الإفارقة للقضاء على الإرهاب: تحاول "شباب المجاهدين" من خلال هجماتها التي لم تعد تقتصر على الداخل الصومالي بل على عدة دول بمنطقة القرن الإفريقي، التغلغل في مختلف دول القارة وخاصة بشرق إفريقيا من خلال "شبكة قاعدية" تسعى لتدشينها بهذه المنطقة، وهو ما أدركه الرئيس الصومالي "شيخ محمود" لذلك كثف جهوده لتعزيز التعاون مع مختلف دول القارة للقضاء على هدف الحركة الإرهابية، واكن قد أعلن في مطلع مايو الماضي، أن "المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة الشباب ستشمل ولايتي جنوب غرب وجوبالاند بمشاركة قوات من دول الجوار في عملية مكثفة ستستمر 3 أشهر بقيادة الصومال"، وذلك بعد القمة التشاورية لدول الجوار الإفريقي التي انعقدت بالعاصمة مقديشو مطلع فبراير الماضي، وجمعت الرئيس الصومالي ونظيره الكيني "وليام روتو"، ورئيسي وزراء جيبوتي "إسماعيل عمر جيله"، وإثيوبيا "أبي أحمد"؛ وكان هدفها الرئيس، تنسيق الجهود المُشتركة للقضاء على حركة "شباب المجاهدين" ومحاولتها للتغلغل بشرق إفريقيا.
جهود صومالية
في ضوء الدوافع الإرهابية سالفة الذكر، يمكن القول إن الحكومة الفيدرالية الصومالية ستسعى من جهتها إلى الرد على تلك الدوافع من خلال عدة إجراءات، يمكن إبرازها على النحو التالي:
(&) حشد الدعم الإقليمي للقضاء على "شباب المجاهدين": سيعمل الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمد" خاصة في ضوء استعداد قوات "اتميس" للانسحاب تدريجيا من البلد، على تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية من أجل دحر إرهاب حركة الشباب الصومالية، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الصومالي عن نجاح عمليته الأخيرة في تصفية أكثر من 40 عناصر من مقاتلي الحركة الإرهابية، فقد أجرى وزير الدفاع الصومالي "عبدالقادر محمد نور" في 11 يوليو الجاري زيارة إلى الأردن، عقد خلالها مباحثات مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية "يوسف الحنيطي"، أكدا خلالها الطرفان على تعزيز التعاون المشترك وتقوية العلاقات بين جيشي البلدين بما يسهم في تعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وعليه، فإن هذا الزيارة في هذا التوقيت تعكس رغبة الدولة الواقعة بشرق إفريقيا، لمواجهة "فيروس الإرهاب" الذي يشكل تحديا خطيرا لعملية الاستقلال بالأراضي الصومالية، والرغبة في الاستفادة من تجربة الأردن في مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عن تطوير قدرات الجيش الصومالي بالتعاون مع دول الإقليم.
(&) استمرار التعاون مع شيوخ القبائل في الأقاليم الصومالية: سيواصل الرئيس الصومالي عملية التعاون مع زعماء القبائل الذين يمتلكون معلومات عن أماكن تمركز العناصر الإرهابية في الأراضي الصومالية، خاصة بعدما نجح هذا التعاون خلال العام الماضي، في تحرير قوات الجيش الصومالي بفضل مساندة ودعم شيوخ القبائل، لعدة مناطق ببعض الأقاليم خاصة في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي التي كانت تحت قبضة "شباب المجاهدين" وخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022، وهو الأمر الذي دفع بالحركة الإرهابية لتوعد القبائل المتنوعة مع الحكومة بالاستهداف في حال لم تتوقف عن تقديم معلومات عن الجماعة، وجاء هذا على لسان "عبد العزيز أبو مصعب" المتحدث باسم "شباب المجاهدين" قائلًا في تصريحات له في سبتمبر الماضي، "نقول لجميع القبائل الصومالية، إننا لا نهاجم عائلة معينة، فقط كل عائلة وكل جماعة وكل أسرة تقرر الانضمام لصفوف العدو وتحمل السلاح.. نقول ابتعدوا وتوبوا، لا تكونوا وقود الكفار لتأجيج الصراع في هذا البلد"، وفي ضوء ذلك، فإن الفترة المقبلة ستشهد تكثيف للتعاون بين الحكومة الصومالية والقبائل، وذلك لمحاولة اتجاه الحركة الإرهابية إلى القرى والمناطق النائية واتباع نهج "حرب العصابات"، وهو ما سيتطلب من الحكومة في الوقت ذاته توفير الحماية للقبائل لعدم استهدافهم من قبل الحركة الإرهابية.
(&) تجفيف منابع تمويل الحركة الإرهابية: تعد الموارد المالية من أبرز العناصر الرئيسية لاستمرار أي حركة إرهابية، وشن المزيد من الهجمات، ولذلك منذ ظهور "شباب المجاهدين" عام 2004 وتأسيسها الرسمي عام 2006، ثم إعلانها الولاء لتنظيم القاعدة عام 2009؛ وهي تكثف جميع جهودها لتحصيل أكبر قدر ممكن من الموارد المالية لرفع قدرات الحركة، وقد نجحت بالفعل في ذلك، لدرجة أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت في أكتوبر الماضي، أن حركة الشباب الصومالية (تصنفها واشنطن كمنظمة إرهابية) تدر نحو 100 مليون دولار سنويًا من خلال طرق متنوعة كالابتزاز والسرقة وفرض رسوم واتاوات وضرائب على المواطنين بمناطق سيطرتها، وهو ما يدركه الرئيس الصومالي، ولذلك أعلن أن استراتيجية لهزيمة "الشباب" تتضمن في جزء منها، تتبع حركة أموال الحركة الإرهابية وتجفيف مصادرها، وذلك من خلال تطوير وحدة استخبارات المالية، وإعداد قوانين للحد من عمليات تهريب الأموال، فضلًا عن إنشاء وكالات حكومية لمراقبة التدفقات المالية.
(&) تعزيز التعاون الأمني مع القوات الأمريكية بالصومال: ستتجه الحكومة الفيدرالية الصومالية لتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في الصومال، لمواجهة الحركة الإرهابية، وقد بدأت ملامح هذا بعد العملية التي شنها الجيش الصومالي على إقليم جوبا، إذ أرادت الحكومة الصومالية استكمال نجاح هذه الجهود، لذلك طلبت من القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" شن غارات جوية لاستهدف أعضاء من الحركة الإرهابية، فضلا أنه في 13 يونيو الماضي، قد عقد الرئيس "حسن شيخ محمود" اجتماعًا مع الجنرال "مايكل لانجلي" قائد أفريكوم، إلى العاصمة الصومالية مقديشو، بحث خلاله سبل تعزيز التعاون والتنسيق الأمني بين القوات الصومالية و "أفريكوم"، إذ تقدم الأخيرة مختلف وسائل الدعم العسكري واللوجيستي والاستخباراتي لوحدات الجيش الصومالي.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الحكومة الصومالية بحاجة إلى مزيد من الدعم الإقليمي والدولي لمساندتها في دحر إرهاب حركة "شباب المجاهدين" التي لن تستسلم بسهولة، بل من المتوقع أن تشن مزيدًا من الهجمات خلال الفترة المقبلة، للرد على استهداف القوات الصومالية والأمريكية لعناصرها، وعليه، فإن القوات الأمنية الصومالية ينبغي عليها الحفاظ على ما حققته من نجاحات ضد الحركة الإرهابية بل والسعي لاستعادة باقي المناطق الواقعة تحت سيطرة "شباب المجاهدين".