الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما وراء زيارة عبد الحميد الدبيبة لتونس في هذا التوقيت؟

  • مشاركة :
post-title
زيارة عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايته، تونس نوفمبر 2022

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

أثارت زيارة رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، تونس، أواخر نوفمبر 2022، تساؤلات تتعلق بتوقيت الزيارة، لا سيما أن العلاقات بين الجانبين تشهد فتورًا منذ القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، في يوليو 2021. وأرجعت بعض التحليلات هذه الزيارة إلى الحاجة المتبادلة من الجانبين؛ إذ تسعى تونس لاستعادة العلاقات مع ليبيا للتغلب على نتائج الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد التونسي بفعل ارتفاع أسعار النفط والتضخم العالمي الذي صحب الأزمة الروسية الأوكرانية، ويعمل الدبيبة على تجاوز حالة العُزلة الدولية التي فُرضت على حكومته، منذ منح مجلس النواب الليبي الثقة لحكومة "فتحي باشاغا". يحاول هذا التحليل التطرق إلى أسباب الزيارة في هذا التوقيت وانعكاساتها على مستقبل العملية السياسية في ليبيا، لا سيما في ضوء الحديث عن توافق مرتقب بين مجلسي النواب والدولة بجهودٍ متسارعة تبذلها القاهرة لاستعادة الاستقرار وتوحيد المؤسسات الليبية.

محددات الزيارة:

عكست زيارة الدبيبة تونس رغبة متبادلة بين طرفي الزيارة لتجاوز الخلافات بينهما، والتركيز على آفاق التعاون المشتركة، لا سيما أن تونس تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وربما لديها حسابات تنعكس إيجابيًا على مسار الأزمة بين الحكومتين في ليبيا، فيما يرغب الدبيبة في كسب ثقة جيرانه الإقليميين للبقاء في السلطة في ضوء استمرار الخلافات حول التوافق على القاعدة الدستورية وإجراء الانتخابات. نبرز فيما يلي محددات هذه الزيارة، وانعكاساتها الأساسية:

(*) تحقيق رغبة جزائرية: جاءت زيارة الدبيبة، تونس، بُعيد زيارة خاطفة قامت بها رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن، الجزائر، وربط البعض التقارب بين تونس وحكومة الدبيبة بهذه الزيارة، وما سبقها من زيارة عمل قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الذي سَّلم رسالة خطية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لنظيره التونسي قيس سعيد. تجدر الإشارة إلى أن التحليلات تشير إلى رغبة جزائرية لتحقيق الاستقرار على حدودها المشتركة بين ليبيا وتونس، وهي التي دفعت لتنقية الأجواء بين حكومة الدبيبة وتونس لتجاوز التحديات الأمنية المتعلقة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية، خاصة أن العلاقات التونسية الليبية تشهد حالة فتور منذ القرارات الرئاسية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد لتصحيح المسار السياسي في تونس في يوليو 2021.

(*) ضغوطات ملف الهجرة وغياب التنسيق الكامل بين الحكومتين في ليبيا: تفرض حالة غياب التنسيق بين تونس وليبيا تحديات كبيرة متعلقة بملف الهجرة غير الشرعية؛ حيث تعمل الدولة التونسية جديًّا في الوقت الحالي على التنسيق مع ليبيا، لحل أزمة الهجرة غير الشرعية عبر التعاون في مراقبة الحدود بين البلدين، خاصة أن تونس تعاني من هذه الأزمة؛ إذ يُوقِف خفر السواحل التونسي العديد من قوارب الهجرة، وهو ما يفرض التزامًا تونسيًا بتقديم الرعاية وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم. في هذا السياق، كشفت التقارير الرسمية عن اعتراض السلطات التونسية لأكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية، منذ مطلع عام 2022؛ كان منهم نحو أحد عشر ألفًا من جنسيات إفريقيا جنوب الصحراء.

الهجرة غير الشرعية تطرح تحديات أمنية كبيرة على كل من تونس والجزائر

(*) التنسيق لمكافحة الإرهاب على جانبي الحدود: لم تخفِ تونس تخوفاتها الأمنية من حدودها المشتركة مع ليبيا، التي تمتد لنحو 460 كيلو مترًا؛ حيث انعكست سياسة الحدود المفتوحة بين الجانبين في عهد حكومات حركة النهضة على الوضع الأمني التونسي الذي شهد العديد من الضربات التي ضربت المواسم السياحية التونسية في أكثر من مرة. تجدر الإشارة إلى أن تونس استضافت العديد من المنتديات الدولية لمناقشة هذه المسألة، كان آخرها مؤتمر أمن الحدود الذي نظمه الاتحاد الأوروبي عن أمن الحدود يومي 22 و23 نوفمبر 2022. وساهمت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا في المساعدة على ضبط الحدود بين الجانبين، عبر تدريب الكوادر الليبية في مجالات أمن الحدود والمنافذ البرية والجوية، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب والقدرة على كشف الوثائق المزورة، وكل هذه الوسائل تستخدمها الميليشيات العسكرية المسلحة في عملياتها الإرهابية العابرة للحدود.

تصاعد النشاط الإرهابي في مناطق متفرقة من ليبيا

(*) رغبة تونسية في تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة: تمر تونس بأزمة اقتصادية خانقة بفعل الأزمة المالية العالمية، وتعطل سلاسل الإمداد العالمية فيما يتعلق بالغذاء والطاقة؛ إذ تستورد تونس نصف احتياجاتها الغذائية والنفطية تقريبًا. يتأكد ذلك من اصطحاب الدبيبة في زيارته تونس، عددًا من كبار المسؤولين على رأسهم محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ورئيس ديوان المحاسبة. وتوصل الطرفان في نهاية الزيارة إلى إلغاء القيود على حركة السلع بين البلدين، وافتتاح خط الشحن البحري، والتوافق على تسوية الديون المستحقة على ليبيا في قطاعات الصحة، والكهرباء، والطيران المدني، وبدء إجراءات توحيد المتطلبات الجمركية في معبر رأس جدير المرتقب افتتاحه. ورغم أن تونس تعول كثيرًا على الدعم الليبي في هذا الجانب إلا أن التحليلات تعتبر أن حكومة الدبيبة ليس لديها ما تُقدمه إلى تونس، خاصة أنها حكومة مشكوك في شرعيتها، ومتفق عالميًا على أنها جاءت فقط لتسيير الأعمال وليس لاتخاذ قرارات اقتصادية كبرى.

رئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا

(*) رغبة تونسية في التزام الحياد: ذهب البعض إلى تفسير زيارة الدبيبة، تونس، برغبة تونسية بتأكيد الحياد في الأزمة الليبية، لا سيما أنها استقبلت في وقت سابق رئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا. ومن الممكن أن تكون هذه الزيارة خطوة من أجل التوافق حول الاستحقاقات الانتخابية والقاعدة الدستورية الحاكمة لها، لا سيما في سياق الحديث عن التوافق العربي الذي تم في قمة الجزائر، أوائل نوفمبر 2022، حول ضرورة حل الأزمة في إطار البيت الليبي الواحد، وخروج المرتزقة من الأراضي الليبية ومنع التدخلات الخارجية، وكذلك عند الأخذ في الاعتبار النتائج الإيجابية التي توصلت إليها لجنة الـ24 المكونة من مجلس النواب حول التوافق على القاعدة الدستورية، التي اجتمعت بالقاهرة تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة وقطعوا شوطًا مهمًا في الوصول لتوافق حول القاعدة الدستورية، وفق تصريحات إعلامية للمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب.

انعكاس الزيارة على العملية السياسية:

(*) محاولة لكسر العزلة الدولية: يعيش الدبيبة حالة من العزلة الداخلية والخارجية منذ منح "باشاغا" الثقة من قِبل مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح، بالتالي وصف البعض الزيارة بزيارة فك العزلة المفروضة على الدبيبة، وأنها تأتي لإظهار نفسه كحاكم فعلي ووحيد لليبيا، في ضوء تنازعه لكسب شرعية حكومته خاصة أنه التقى خلال هذه الزيارة الرئيس قيس سعيد.

(*) تملص حكومة الدبيبة من الالتزامات الدستورية: يعتبر المتابعون أن تحركات حكومة الدبيبة مؤخرًا تأتي رغبةً في الحصول على الدعم السياسي، خاصة من دول الجوار الليبي حتى يستطيع الاستمرار في السلطة، لا سيما في ضوء الحديث عن الضغوطات الدولية والإقليمية لتسليم السلطة وإجراء الانتخابات، وافتقاد حكومته للشرعية بعد فشلها الذريع في تحقيق الأهداف التي اُختيرت لأجلها في جنيف فبراير 2021؛ وهي إجراء الانتخابات والتوافق حول القاعدة الدستورية. جدير بالذكر أن الدبيبة استبق مشاورات القاهرة بالتوافق حول القاعدة الدستورية بإعلانه التمسك بالسلطة.

رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح

(*) التخوف من الجمود السياسي في ليبيا: تشير النتائج إلى وجود تخوف إقليمي ودولي من حالة الجمود السياسي في ليبيا؛ إذ لم يتمكن رئيس الوزراء المكلف باشاغا من الدخول إلى طرابلس لعقد اجتماعات حكومته فيما يبدو الدبيبة محصورًا في طرابلس مع فقده مزيدًا من السيطرة على مناطق الغرب الليبي، وانحساره في طرابلس. في هذا السياق، تصب جهود القاهرة بجمع الفرقاء السياسيين من مجلسي النواب والدولة في العمل على كسر حالة الجمود نظرًا لخطورتها على ما تم التوصل إليه في سبيل حل الأزمة الليبية، إضافة إلى خطورة تجدد الاشتباكات بين الأطراف العسكرية من الطرفين، وهو ما سيصب في صالح المرتزقة الذين يعملون على تأجيج الأوضاع لاستمرار الصراع باعتبارهم أكبر الرابحين.

في الختام، يتطلع الليبيون إلى تجاوز حقبة الانقسامات والثنائيات التي اُبتليت بها السياسة الليبية منذ 2011، التي نتج عنها حالة الفوضى السياسية وانقسام البلاد إلى شرق وغرب، وما اتصل بذلك من تعدد السلطات وانتشار كبير للمرتزقة والميليشيات العسكرية المدعومة خارجيًا. ويُمثل التوافق حول القاعدة الدستورية والوزارات السيادية مدخلًا نحو تحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات.