الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسار مختلف.. كيف تجرى العملية الانتخابية لبرلمان تونس 2022؟

  • مشاركة :
post-title
انتخابات برلمان نواب الشعب التونسي 2022

القاهرة الإخبارية - د. أبو الفضل الاسناوي

في الـخامس والعشرين من نوفمبر الجاري، انطلقت الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس نواب الشعب التونسي لمدة 20 يومًا، ومقرر لها أن تنتهي وفقًا لقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس يوم 15 ديسمبر، على أن يبدأ الصمت الانتخابي من الساعات الأولى ليوم الجمعة التالي، ومن ثم تستقبل مكاتب الاقتراع ما يقرب من تسعة ملايين ناخب، للتصويت على 161 مقعدًا في 161 دائرة انتخابية يتنافس فيها 1427 مرشحًا من بينهم 214 سيدة.

وعلى ما سبق، ووفقًا لما تضمنه المرسوم بقانون رقم 55 الصادر في 15 سبتمبر عن الرئيس التونسي قيس سعيد بعد حله لبرلمان 2019 وإجرائه للاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، يبقي السؤال، وهو كيف يؤثر تغيير النظام الانتخابي 2022 المنتقل من القائمة النسبية المفتوحة إلى النظام الفردي على مجريات العملية الانتخابية التونسية، خاصة وأن هذا النظام تسبب، لأول مرة منذ عام 2014 في تزايد عدد المرشحين المستقلين عن مرشحي الأحزاب، التي يُقاطع بعضها الانتخابات، خاصة حزب النهضة الذراع السياسية لجماعة الإخوان التونسية، والأحزاب التي تحمل أيديولوجيتها مثل ائتلاف الكرامة، والأحزاب المدنية المتحالفة معها في البرلمان السابق، مثل قلب تونس؟

يُذكر أن الدولة التونسية، تمر بأزمة اقتصادية وسياسية منذ سيطرة حركة النهضة الإسلامية على البرلمان، وتحكمها في عملية اختيار رئيس الحكومة، الذي ظل طوال عشرة سنوات في صراع دائم مع سلطة الرئيس، سواء الحالي "قيس سعيد" أو السابق "الباجي قايد السبسي"، وهو الأمر الذي على أساسه طالب التونسيون في يوليو 2021، الرئيس "قيس سعيد" بالتدخل، وتجميد عمل البرلمان.

نظام انتخابي مؤثر:
الرئيس التونسي قيس سعيد

تمثل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 17 ديسمبر المقبل، اختبارًا حرجًا لكل القوى السياسية على الساحة التونسية، خاصةً بعد تعديل دستور 2014، وتغيير قانون الانتخابات، ومن ثم تغير فرص الترشح أو الوصول للبرلمان؛ وهو ما يرجح حدوث تغيير في تركيبة برلمان تونس 2022، الذي قد يشهد لأول مرة منذ الثورة التونسية في 2011 خروج جماعة الإخوان من التمثيل البرلماني، بل وتزايد عدد النواب المستقلين عن الحزبيين، إضافة إلى اتجاه التغيير في مكانة البرلمان في النظام السياسي التونسي بعد ثورة 2011، وكذلك مستوى التغيير في النخبة التشريعية التونسية التي تشكَّلت بعد أول برلمان تلا دستور 2014. ولتوضيح حدود التغير في طريقة انتخاب البرلمان التونسي وتأثير النظام الانتخابي على العملية الانتخابية التي بدأت إجراءاتها منذ ستة أيام تقريبًا، يقتضي حسن النظر في هذه المسألة المقارنة بين القوانين المنظمة لإجراءات العملية الانتخابية لبرلمان 2022 وبرلمان آخر سبقه، لكنها مقارنة تقتصر على الأساسيات، وتُسهب في انعكاسات ذلك على القوى المتنافسة، خاصة وأن العملية الانتخابية وإجراءات إعدادها وتنفيذها من العوامل المؤثرة بطريقة مباشرة على تشكيل البرلمان الذي يؤثر بالتبعية في أدائه، ويمكن تأكيد هذا على النحو التالي:

(*) تغير في شكل النظام الانتخابي:يختلف النظام الانتخابي الذي يطُبّق بتونس في انتخابات 2022 عما قبلها، بسبب اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد نص المرسوم بقانون رقم 55 الصادر في 15 سبتمبر 2022، على أن تجرى الانتخابات بالنظام الفردي، وأن يتساوى عدد المقاعد مع عدد الدوائر الانتخابية، بإجمالي 161 مقعدًا موزعة على 161 دائرة انتخابية، أما برلمان 2019 وما قبله حتى تاريخ إقرار دستور 2014 في تونس، فكانت تجرى الانتخابات وفقًا للقائمة النسبية، حيث اعتمد القانون التونسي رقم 16 لسنة 2014 بعد ثورة، النظام الانتخابي القائم على الاقتراع النسبي على القائمة في تحديد وتوزيع عدد المقاعد؛ أي أن كل قائمة تحصل على عدد من المقاعد يتناسب مع أصوات الناخبين التي يحصل عليها كل حزب في الدائرة الانتخابية مع تطبيق قاعدة أكبر البقايا، التي تعني قسمة عدد الأصوات على عدد المقاعد لتحصيل قيمة المقعد الواحد أو ما يسمى "الحاصل الانتخابي"، ثم تُمنح كل قائمة عدد من المقاعد بحسب عدد مرات تحصيلها لهذا الحاصل، ثم تحصل كل قائمة على المقاعد المتبقية بحسب ترتيب أكبر البقايا إلى أن تتم تعبئة كل المقاعد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظام الانتخابي في عهد "قيس سعيد" اختلف أيضًا على النظام المطبق قبل عام 2011، الذي كان يجمع بين القائمة المغلقة المطلقة والتمثيل النسبي، 152 منهم يتم انتخابهم على مبدأ القائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات في جولة واحدة، و37 منهم يتم انتخابهم على مبدأ التمثيل النسبي الوطني.

(*) اختلاف شروط الترشح: وهنا تجدر الإشارة إلى صعوبة شروط الترشح في انتخابات برلمان 2022 بالمقارنة بما قبله، حيث اشترط القانون المنظم للانتخابات الجارية، ضرورة حصول الراغب في الترشح على 400 تزكية من الناخبين المسجلين في دائرته الانتخابية، على أن يكون نصفهم من الإناث ويكون ربعها من الشباب دون الـ35 سنة. أما في الانتخابات السابقة فكانت تقتصر الشروط على ترشيح الحزب لأعضائه واختياره لعناصر قائمته دون تدخل من القانون الذي يحدد الشروط الجنائية والإدارية للترشح، بالإضافة إلى تحديد سن الترشح الذي يختلف في انتخابات 2022 عن الانتخابات التي تُجرى بتونس منذ 2014، وهو سن الـ 23 عامًا، وإن كان هذا الشرط يختلف كثيرًا عن الانتخابات التي سبقت عام 2011، التي كان بلغ فيها سن المترشح بالنسبة إلى مجلس النواب بـ30 عامًا، وفي مجلس المستشارين بـ40 عامًا.

تاريخ البرلمان التونسي

(*) عدد أعضاء البرلمان: على الرغم من ثبات مسمى البرلمان منذ 2014 حتى الآن، هو مجلس نواب الشعب، إلا أن الدساتير والقوانين التونسية لم تستقر منذ ما يقرب من عشرين عامًا على عدد مقاعد البرلمانات، فقد تراجع عدد مقاعد برلمان 2022 وفقًا للمرسوم بقانون رقم 55 لسنة 2022 إلى 161 مقعدا بدلاً من 217 مقعدًا في البرلمانين 2015 و2019 المُشكلين وفق دستور 2014، أما شكل البرلمان وعدد مقاعده قبل عام 2011، فكان مختلفًا عما تلاه، حيث تشكل من غرفتين بعدد مقاعد مضاعف بلغ 340 مقعدًا، هما مجلس النواب بعدد 214 مقعدًا ومجلس المستشارين بعدد 126 مقعدًا.

عملية انتخابية منضبطة:
أحد مؤيدي الرئيس التونسي قيس سعيد

لا تتوقف دقة نتائج الانتخابات التشريعية على شكل النظام الانتخابي، بل هناك عوامل أخرى مؤثرة في تحديد شكل البرلمان وتركيبته الداخلية، تتمثل في إجراءات العملية منذ بدايتها حتى إعلان نتائج الفرز، من تقسيم الدوائر الانتخابية، وعملية التسجيل في القوائم المتنافسة، وتنقية سجلات الهيئة الناخبة، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بسير عملية الترشح والفصل فيها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

(&) عملية تقسيم الدوائر: اتفق المرسوم بقانون رقم 55 لسنة 2022 مع قانون الانتخابات والاستفتاء الصادر في عام 2014، على إحالة عملية تقسيم الدوائر إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وعليه، حددت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات العدد الإجمالي للدوائر الانتخابية التونسية في الانتخابات الجارية 2022 بعدد 151 دائرة انتخابية للداخل التونسي، منها مخصص لها 151 مقعدًا، من إجمالي 161 مقعدًا، وعشرة دوائر للخارج مخصص لها 10 مقاعد، في حين أنه في انتخابات 2014 و2019 قسمت هيئة الانتخابات دولة تونس إلى ثلاث وثلاثين دائرة انتخابية: سبع وعشرون دائرة انتخابية للداخل التونسي، مخصص لها 199 مقعدًا من إجمالي 217 مقعدًا (عدد مقاعد مجلس نواب الشعب التونسي)، وست دوائر للخارج مخصص لها 18 مقعدًا. أما قبل عام 2011، فقد أعطى القانون إدارة تقسيم الدوائر لجهة إدارية متمثلة في وزارة الداخلية والوالي (المحافظ)، وتم تقسيم الدوائر في مجلس النواب على أساس مقعد لكل اثنين وخمسين ألفًا وخمسمئة ساكن، ويُسنَد مقعد إضافي إذا أفضت العملية إلى بقية تفوق نصف القاعدة السكانية المعتمدة لضبط العدد الإجمالي. أما مجلس المستشارين فقد تم تحديد دوائره الانتخابية على أساس عدد الأعضاء على كل ولاية، فأعطى القانون عضوًا واحدًا إذا كان عدد سكان الولاية أقل من 25 ألف مواطن، وعضوين إذا كان عدد السكان بالولاية يساوي أو يفوق 250 ألف مواطن.

(&) إجراءات الترشح وفرز الأصوات: ترك المرسوم الصادر عن الرئيس قيس سعيد، كسابقه دستور 2014، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الحق في تحديد انطلاق قبول الترشيحات لعضوية مجلس نواب الشعب، وتاريخ غلق باب الترشيحات والأجل النهائي لسحب الترشيحات ". كما ألزمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، المرشحين بضوابط وإجراءات كان لها تأثير بالغ في تركيبة مجلس نواب الشعب، لم تتضمنها مرحلة ما قبل 2011؛ وأيضًا الانتخابات الحالية التي تُجرى بالنظام الفردي، حيث اشترطت الهيئة على القائمة في انتخابات 2014 و2019، أن تتشكل بحسب مبدأ التناصف بين النساء والرجال، والتناوب بينهما داخل القائمة الأصلية والقائمة التكميلية.

انعكاسات متعددة:
جانب من المظاهرات الشعبية الرافضة لبرلمان الإخوان

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تغير النظام الانتخابي في العملية الانتخابية الحالية، بالإضافة إلى انضباط إجراءات العملية الانتخابية، سيكون له انعكاسات متعددة على مخرجات العملية الانتخابية، يمكن تحديدها على النحو التالي:

(1)- تغيير واضح في خريطة المتنافسين: يمكن القول إن النظام الانتخابي الفردي المُطبَّق في الانتخابات الحالية، سيؤدى إلى صعوبة المنافسة بين المرشحين، ومن المحتمل أن ينتهي بتفوق المرشحين المستقلين على الحزبيين، وبالتالي قد يصاحب ذلك حدوث تراجع واضح في خريطة الأحزاب المتنافسة، حيث أعلن عدد من الأحزاب، أغلبهم غير راغبين في الإصلاحات السياسية الراهنة عن مقاطعة الانتخابات الجارية، وجاء على رأسهم حزب النهضة الذراع السياسية لجماعة إخوان تونس (53 نائبًا بالبرلمان السابق)، وحزب قلب تونس الحليف المدني الرئيسي لحركة النهضة في مجلس نواب الشعب التونسي (28 مقعدًا)، وائتلاف الكرامة وهو تيار ديني داعم لحركة النهضة (18 نائبًا) وحراك تونس الإرادة، وحزب الأمل، والجمهوري، والعمال، وحزب القطب، والتيار الديمقراطي (22 نائبًا) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والحزب الدستوري الحر (16 نائبًا) وآفاق تونس (نائبان). وفي المقابل يشارك في هذه الانتخابات مجموعة من الأحزاب الكبيرة، منها حزب التيار الشعبي، وحركة الشعب، وحزب حراك 25 يوليو، وحركة تونس إلى الأمام، والحزب الوطني التونسي، بالإضافة إلى عدد كبير من المرشحين المستقلين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام الانتخابي المطبق حاليًا، قد يقطع الطريق على تغول أي ائتلاف حزبي على البرلمان والحكومة، ذلك الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان منذ عام 2011، حيث أدى نظام التمثيل النسبي المطبق بعد 2011 إلى سيطرة حركة النهضة الإخوانية وحليفها قلب تونس على البرلمان مما شل حركته وجعله في نزاع دائم مع الرئيس.

(2)- تغيير كبير في مشاركة المرشحين من حيث العدد والنوع: بتصفح الموقع الرسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، تلاحظ وجود تراجع كبير في عدد المرشحين من الذكور والإناث بالمقارنة بانتخابات 2019، فقد بلغ إجمالي عدد المرشحين في انتخابات الجارية 1427 مرشحا، منهم 1213 من الذكور و214 من الإناث، بينما في انتخابات 2019 التشريعية، بلغ عدد المرشحين 15 ألفًا و886 مرشحًا، موزعين على 1503 قوائم: منها 673 قائمة حزبية، و518 قائمة مستقلة، و312 قائمة ائتلافية، وتصدَّرت النساء 14% من القوائم.

وبالتالي، من المرجح أن يصاحب تراجع نسبة مشاركة المرشحين، حدوث تراجع في نسبة مشاركة الناخبين، التي من المتوقع أن تقل عن 40%، وبالتالي قد تكون هذه الانتخابات، هي الأقل في تونس منذ عام 2011 من حيث عدد المشاركين في عملية التصويت، فقد وصلت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس 2014 إلى 63.8% ، حيث أدلى 3 ملايين و266 ألفًا و214 ناخبًا بأصواتهم في صناديق الاقتراع من أصل كتلة ناخبة مسجلة بلغت 5 ملايين و285 ألفًا و136 ناخبًا عام 2014، وفي انتخابات 2019 بلغت نسبة التصويت 41.7% ؛ حيث صوَّت مليونان و946 ألفًا و628 ناخبًا من أصل 7 ملايين و65 ألفًا و885 ناخبًا في آخر انتخابات أجريت عام 2019.

في النهاية، يمكن القول إن تغيير النظام الانتخابي المنظم للانتخابات التشريعية التونسية 2022، مع استمرار دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في ظل عدم مشاركة حركة النهضة الإخوانية، وائتلافاتها المدنية والدينية في برلماني 2014 و2019، قد يؤدى كل ذلك إلى تحقيق نسبة مشاركة واقعية معبرة عن رغبة حقيقية في الإصلاح السياسي، متمثلة في تشكيل برلمان متزن، وحكومة مستقرة تحقق التوازن مع الرئيس دون صدمات بين الطرفين (الرئيس والحكومة) شهدتها تونس على مدى عشرة أعوام ماضية. وبالتالي تراجع مساحة خريطة الأحزاب السياسية المشارِكة في الانتخابات الحالية مع زيادة عدد المرشحين المستقلين، قد ينتهي بتركية برلمانية متوافقة تساعد الرئيس على تحقيق الإنجاز السياسي والاقتصادي خلال المرحلة المقبلة.