الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحديات وازنة.. ما فرص دعم قمة الفرنكوفونية المنعقدة بتونس لدولها؟

  • مشاركة :
post-title
قمة الفرنكوفونية الثامنة عشرة بجربة

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

ناقشت قمة الفرنكوفونية، المنعقدة في الفترة من 18 إلى 19 نوفمبر 2022، بمدينة جربة التونسية، تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على أسعار الطاقة والغذاء، وجاء انعقاد تلك القمة في ظل توالي انعقاد عدد من القمم الدولية، التي تبحث في كيفية خروج العالم من أزماته الممتدة، فمدينة شرم الشيخ المصرية استضافت قمة المناخ، خلال الفترة من 6- 18 نوفمبر الجاري، في محاولة للتوصل لصيغة مناسبة بين دول الشمال المتقدم والجنوب النامي لمواجهة تغيرات المناخ الحادة، كما استضافت مدينة بالي الإندونيسية قمة العشرين، خلال الفترة من 15 -17 نوفمبر الجاري، وتعد بمثابة منتدى رئاسي لمناقشة الاستقرار الاقتصادي والمالي الدولي، إذ يُشكل أعضاء المجموعة ما يقرب من 80 % من إجمالي الناتج العالمي.

وتشكل الأزمة الروسية الأوكرانية بندًا رئيسيًا على أجندة تلك القمم، لا سيما وأن تداعياتها أسهمت في تأزيم الوضع الاقتصادي العالمي، وتهديد السلم والأمن الدوليين، بما سببته من معاناة لكل المجتمعات بلا استثناء التي عانت من ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، والتهديد باستخدام السلاح النووي لحسم الصراع. لذلك وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من شرم الشيخ، خلال كلمته الافتتاحية لقمة المناخ، نداءً بضرورة توقف تلك الحرب، كما طغت الحرب الروسية الأوكرانية على مناقشات قادة قمة العشرين وعلى بيانها الختامي، الذي أدان تلك الحرب، واعتبر النزاع الروسي الأوكراني يقوض الاقتصاد العالمي، وطالب بالالتزام بالقانون الدولي، مؤكدًا عدم قبول التهديد باستخدام الأسلحة النووية.

فرص متنوعة:

تشهد القمة الـ18 للفرنكوفونية التي تستضيفها تونس لأول مرة، مشاركة نحو تسعين وفدًا، وأكثر من ستين رئيس دولة وحكومة، وأكثر من عشرين وزير خارجية، وعدد من كبار القادة في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والرئيس التونسي قيس سعيد، وشارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، فضلًا عن رؤساء الدول الإفريقية للسنغال وساحل العاج والجابون وموريتانيا والنيجر وبوروندي. كما يشارك عدد من الدول غير المنضوية في الفرنكفونية، مثل "مصر، الإمارات، صربيا، ومولدوفا". وتركز جدول أعمال القمة على قضايا التعاون الاقتصادي وفي مقدمتها قضية الرقمنة. لذلك جاء عنوان القمة تحت شعار "التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكوفوني.

ووفقًا للأمينة العامة للمنظمة، الرواندية لويز موشيكيوابو، بإمكان المنظمة أن يكون لها تأثير في عالم ممزق بأزمات متعددة. وهو ما يعني التأكيد أنه بإمكان منظمة الفرنكوفونية أن تلعب دورًا مؤثرًا لحل الأزمات الراهنة، سواء تلك التي تعانى منها دول المجموعة أو على النطاق الدولي. وتتمثل الفرص المحتمل تحققها من خلال تلك القمة، فيما يلي:

(*) تعزيز التعاون الاقتصادي: يمثل التعاون الاقتصادي أحد الفرص الواعدة التي تسعى من خلالها دول المجموعة لتعزيز الروابط فيما بينها، وطرحت فكرة الفرانكوفونية الاقتصادية عام 2014، في قمة المنظمة التي عُقدت في دكار بالسنغال، وتبنت فكرة وجوب تقييم الدول الناطقة بالفرنسية على أساس قدرتها على الحد من الهوة الرقمية في مجتمعاتها، كما اعتمد قادة المنظمة، الاستراتيجية الاقتصادية للفرنكوفونية للفترة بين عامي 2020 و2025. ونظم أول لقاء رواد الأعمال الفرنكوفونيين في 24 أغسطس 2021، بحضور 600 رئيس شركة من نحو 30 دولة، بمبادرة من نقابة أرباب العمل الفرنسيين، ووقعت 27 نقابة أرباب عمل فرانكوفونيين، إعلان باريس بشأن تعزيز الفرانكوفونية الاقتصادية. على خلفية ذلك عقد تحالف أرباب العمل الفرنكوفونيين، في مارس 2022، اجتماعهم بتونس. وهدف التحالف إلى تسريع وتيرة المبادلات والشراكات التجارية بين الدول الفرنكوفونية وتعزيز استدامتها، وتماشيًا مع تعزيز النهج الاقتصادي جاء توقيع الرئيس التونسي قيس سعيد، اتفاقية تمويل مع فرنسا على هامش القمة، بقيمة 200 مليون يورو ستخصص لدعم الميزانية، كما أشار سمير سعيد، وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي، خلال فعاليات القمة إلى أن تونس تسعى لشراكة دولية لإقامة مشروعات استثمارية بقيمة عشرة مليارات دينار تونسي (3.2 مليار دولار).

(*) توظيف المكون الثقافي: يمثل هدف ترويج اللغة الفرنسية والتنوع الثقافي واللغوي أحد مجالات عمل المنظمة بين الدول والحكومات الأعضاء البالغ عددها 88 دولة. وتشير التقديرات الحالية إلى أن الفضاء الفرانكوفوني يشمل على ما يقرب من 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية 2050. في هذا السياق جاء تأكيد الرئيس الفرنسي "ماكرون"، خلال زيارته تونس، في فبراير 2018، بأن تونس ستكون خلال سنتين، قاعدة جديدة لتعليم اللغة الفرنسية، مشيرًا إلى أن الفرانكوفونية ستساعد التونسيين والتونسيات على النجاح في عدة مجالات وبدول مختلفة، معتبرًا أن الفرانكوفونية ليست مشروعًا قديمًا، بل هي مشروع مستقبلي، فتحدث اللغة الفرنسية تعد فرصة حقيقية، على المستويات اللغوية والاقتصادية والثقافية.

(*) تحقيق الأمن الغذائي: يشكل تحقيق الأمن الغذائي أحد أهم القضايا المدرجة على أجندة القمة، لا سيما وأن الأزمة الروسية الأوكرانية أسهمت في تزايد معاناة الدول المستوردة للغذاء، في ظل إنتاج روسيا وأوكرانيا لما يقرب من ثلث الحبوب على المستوى العالمي. وتعد الدول الإفريقية ومنها دول الفرنكوفونية من أكثر البلدان تأثرًا بعملية توقف سلاسل الإمداد الغذائية، بعد جائحة كورونا واندلاع الصراع الروسي الأوكراني، لا سيما وأن معظمها مستورد صافي للغذاء، مما يزيد من الضغوط التي تتعرض لها تلك الدول، بالتزامن مع تأثرها بتغيرات المناخ الحادة وزيادة ديونها. وهو الأمر الذي يحتاج إلى آلية واضحة لمساعدة الدول الإفريقية ومنها الدول الناطقة بالفرنسية في القارة السمراء، لمواجهة معضلة الأمن الغذائي وارتفاع نسب الجوع في تلك المجتمعات.

تحديات ماثلة:

تتنوع التحديات التي تواجه قمة منظمة الفرنكوفونية، ويمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:

(&) ضعف تمويل المنظمة: وفقًا للويز موشيكيوابو، الأمينة العامة لمنظمة الفرنكوفونية، فإن المنظمة تعاني من تواضع إمكاناتها المالية، حيث لا تزيد موازنتها على 100 مليون يورو. ويؤثر تراجع القدرات المالية للمنظمة في الحد من قدرتها على تحقيق أهدافها التي نشأت من أجلها، وتتمثل في أربعة مجالات رئيسية هي: ترويج اللغة الفرنسية والتنوع الثقافي واللغوي، ترويج السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، دعم التعليم والتدريب والتعليم العالي والبحوث، وتطوير التعاون الاقتصادي من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

(&) مخاطر التبعية: وجهت بعض الاتجاهات العديد من الانتقادات الرافضة لعقد قمة الفرنكوفونية ولدور المنظمة بشكل عام، لربطها بخبرة الاستعمار الفرنسي واعتبرتها نوعًا من الوصاية الفرنسية بنمط جديد من العلاقة المؤسسية، في ظل احتفاظ فرنسا بقواعد عسكرية في عدد من الدول الإفريقية. ويخشى هذا التيار بأن تصبح الفرنكوفونية مدخلًا لمأسسة علاقات التبعية بين فرنسا والدول الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية. ويدلل هذا التيار على موقفه، برفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقديم الاعتذار عن جرائم الاحتلال الفرنسي في حق الشعوب الإفريقية، عندما أكد في أكتوبر 2021، خلال لقاء مفتوح مع مجموعة من شباب القارة الإفريقية على هامش القمة الفرنسية الإفريقية، بمدينة مونبيليه الفرنسية، أن الاعتذار لن يحل المشكلة، وأنه مجرد طريقة للتخلص من ذلك التاريخ والمرور إلى أمر آخر، لكنه أكد في المقابل أهمية الاعتراف، الذي يقود إلى الحقيقة عبر عمل المؤرخين. وحذر "ماكرون" مما وصفه بخطر سرد كاذب للتاريخ يقدم روايات غير صحيحة، مؤكدًا أن هناك قوى أخرى تريد التركيز على دور فرنسا السابق لتشتغل هي باستغلال جديد للقارة.

(&) تراجع دور المنظمة دوليًا: ثمة اتجاه يرى أن المنظمة، وهي تحتفل بعيدها الخمسين تعاني من غياب واضح لتبني أي أجندة تطرح رؤى أو سياسات لمواجهة الأزمات المتفجرة على المستوى الدولي. وعبر الكاتب السنغالي أمادو لمين، في مقال له حول الفرانكوفونية، بأنها منظمة لا ترى ولا تسمع على المستوى الدولي.

مجمل القول، إن منظمة الفرنكوفونية، التي تعقد قمتها الـ18 بتونس، وهي تحتفل بمرور خمسين عامًا على نشأتها عام 1970 -بعد تعذر الاحتفال في العامين السابقين لظروف جائحة كورونا- في ظل عالم يموج بتحديات مربكة، تحتاج إلى استعادة الدور المؤسسي للمنظمة عبر تطوير هياكل الفرنكوفونية، في ظل ضعف قدرات الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، لمواجهة تلك التغيرات الحادة ومنها أزمات الغذاء والطاقة، وهو الدور الذي سيضع عمل المنظمة في مفترق طرق حقيقي.

وسوم :