منذ الـ 7 من أكتوبر الماضي، يعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن قيامه بتنفيذ "عملية الاجتياح البري" لقطاع غزة، وهو القرار الذي لم تٌقدم إسرائيل على تنفيذه حتى الآن، إلا أنها تؤكد دومًا أنها ستلجأ إليه خلال الفترة المقبلة.
فقد دعا وزير دفاع الاحتلال "يوآف جالانت" في 20 أكتوبر 2023، جنوده على حدود غزة إلى البقاء دومًا في مرحلة الاستعداد لحين استصدار الأوامر من القيادة بالتوغل برًا في غزة، قائلًا، "ابقوا جاهزين... الأوامر ستصدر.. والحرب ستكون طويلة وستستغرق شهورًا وربما سنوات".
وتجدر الإشارة إلى أن هدف الاحتلال المعلن من تنفيذ عملية الاجتياح البري لقطاع غزة، هو القضاء على حركة "حماس" وجميع مقاتليها وبنيتها العسكرية والسياسية والتنظيمية في غزة، بعدما نجحت الأخيرة في كسر مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم"، وبجانب رد الفعل الإقليمي الرافض لعملية التدخل البري لما لها من تداعيات جمة على المدنيين بقطاع غزة بجانب التأثير السلبي على أمن واستقرار المنطقة بأكملها؛ فإن ردود الفعل الغربية الإسرائيلية حيال هذه العملية، انقسمت ما بين مؤيد ومعارض.
وفي ضوء ما تقدم سيسلط هذا التقرير الضوء على ردود فعل مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية بشأن عملية الاجتياح البري في غزة، وذلك على النحو التالي:
(1) إبراز دور القدرات العسكرية للاحتلال في إنجاح العملية البرية: سلطت بعض المراكز ومعاهد الأبحاث الدولية خاصة الأمريكية، الضوء على أن الاحتلال الإسرائيلي يتمتع بقدرات عسكرية ستمكنه من تحقيق انتصار على حماس في نهاية الأمر حتى لو حققت الأخيرة بعض "المكاسب"، وأن تنفيذ إسرائيل لعملية برية –جوية واسعة النطاق خلال الفترة المقبلة، سينتهي بحسم القتال لصالح إسرائيل، وستنجم عنها وفقًا للباحث الأمريكي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS))Center for Strategic and International Studies، "أنتوني كوردسمان" ثلاثة احتمالات، أولهما، احتلال إسرائيلي دائم ووجود أمني مكثف لقوات الاحتلال بقطاع غزة، وثانيهما، فرض إسرائيل لمجموعة من القيود على سكان غزة من خلال تدشين الحواجز الحدودية، والاحتمال الثالث هو زيادة عملية الانقسام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مما يعرقل أي مساعي للتوصل إلى تسوية سلمية، وأفاد "كوردسمان" بأن إسرائيل قادرة على هزيمة حماس وإنشاء أي هيكل أمني جديد تريده في غزة.
(2) تسليط الضوء على استعدادات الاحتلال للعملية البرية: رغم أن بعض مراكز الإعلام الغربية، أشارت إلى أن التدخل البري سيكون عملية "محفوفة بالمخاطر"، إلا أنهم في الوقت ذاته، سلطوا الضوء على استعدادات الاحتلال بشأن هذه العملية بالقول، إن إسرائيل بعد الانتهاء من عمليات التشكيل اللازمة فإنها ستكون مستعدة لشن "هجوم بري" كبير داخل غزة، ووفقًا للباحث الأمريكي بمعهد الحرب الحديثة "MWI"Modern War Institute"جون سبنسر"، فإنه في الوقت الحالي تتحرك إسرائيل على ثلاثة مستويات من أجل الاستعداد للعملية البرية، الأول، دفع جيش الاحتلال بأكثر من مائة ألف جندي إسرائيلي لحصار غزة، والثاني، فرض بحرية الاحتلال لحصار بحري كاملاً لضمان عدم إعادة تزويد "حماس" بالأسلحة والإمدادات عن طريق البحر، أما الثالث تمثل في قيام حكومة الاحتلال بقطع المياه والكهرباء عن المنطقة التي يسكنها 2.1 مليون شخص.
(3) تأثير العملية البرية على عملية إنقاذ الرهائن: سلط بعض الباحثين بمراكز الأبحاث الأمريكية والفرنسية وأيضًا الإسرائيلية، الضوء على تأثير العملية البرية على الرهائن المحتجزين لدى حماس ويبلغ عددهم وفقًا لما أعلنته حكومة الاحتلال، الـ 230 أسيرًا، ومنهم 138 يحملون جوازات سفر أجنبية، خاصة من (أمريكا، فرنسا، روسيا، الفلبين، تنزانيا، الأرجنتين، الصين، سريلانكا)، ورغم أن بعض الإسرائيليين، طالبوا بضرورة تنفيذ العملية البرية بشكل عاجل لتحرير الرهائن، كالمحلل السياسي الإسرائيلي "أفيتال ليبوفيتش" بالمؤسسة اليهودية الأمريكية American Jewish Committee (AJC)، الذي رأى أن إسرائيل نجحت في فرض حصارًا وقيودًا على قطاع غزة لإضعاف حماس، وسبق وقامت باغتيالات استهدفت شخصيات بارزة في حماس متورطة في احتجاز الرهائن، وعليه-، فإن تنفيذ العملية البرية مرتبط بتحرير الرهائن.
على جانب آخر، رأى بعض الباحثين الغربيين أن أزمة الرهائن تعد سببًا رئيسيًا في تعقيد العملية البرية بشكل كبير، وأن هذه العملية ستؤثر على الرهائن، وينبغي التفكير جيدًا في تنفيذها، فوفقا للباحث بالمؤسسة الأمريكية The Atlantic Council "أليكس بليتساس"، ستكون عملية إنقاذ الرهائن صعبة إذ تم تنفيذ العملية البرية، لرؤيته أن قوات الاحتلال سيكون من الصعب عليها القيام بمهام إنقاذ سرية في مواقع متعددة في جميع أنحاء غزة من خلال قوات الرد السريع لإنقاذ الرهائن.
إضافة لذلك، فإن المحلل العسكري بإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي "أمير بار شالوم"، أفاد بأن تحرير الرهائن في حال تم تنفيذ العملية البرية سيكون خارج نطاق قدرات قوات الكوماندوز التابعة لوحدة النخبة الإسرائيلية، لرؤيته أن حركة حماس قد تستخدم الرهائن كعامل ضغط لردع أي هجوم إسرائيلي.
(4) تأثير العملية البرية على الرأي العام الإسرائيلي: ركز بعض المحللين والباحثين بالمراكز البحثية الغربية على إبراز دور العملية البرية في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، إذ أكد البعض أن هذه العملية سينجم عنها وقوع أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، نظرًا لعدة أمور منها، طبيعة التضاريس التي يتمتع بها قطاع غزة وعدم معرفة قوات الاحتلال بها، فضلا عن أن حركة حماس التي تمتلك أنفاق على دراسة بهذه التضاريس بشكل أفضل من إسرائيل، ولذلك يكونوا قادرين على استهداف قوات الاحتلال، وهو ما سيؤدي وقتها لرد فعل سلبي من قبل المجتمع الإسرائيلي تجاه الحكومة، وفقًا للباحث "باراك بارفي" بمؤسسة "أمريكا الجديدة "New America Foundation"، وعلى سبل المثال تسببت آخر عملية برية شنتها إسرائيل بغزة عام 2014 أطلقت عليها وقتها "الجرف الصامد" في فقدان الاحتلال لـ 66 جنديًا.
(5) فشل الهدف الإسرائيلي المعلن بالقضاء على "حماس": قلل بعض المحللين السياسيين من نجاح الهدف الإسرائيلي المعلن من العملية البرية بالقضاء على "حركة حماس" سواء على صعيد الأشخاص أو العقيدة القتالية والتنظيمية، فوفقًا للمحلل العسكري الإسرائيلي "أمير بارشالوم"، لن تتمكن إسرائيل من القضاء على جميع أعضاء الحركة، مرجعًا السبب إلى أن رؤية حركة "حماس" مبينة على عقيدة الاستمرار في القتال حتى تحقيق الانتصار، ودلل على ذلك بـ"الحروب الأربعة" التي وقعت بين حماس وإسرائيل على مدار السنوات الماضية، والتي أثبتت فشل جميع الهجمات الصاروخية الإسرائيلية في القضاء على الحركة الفلسطينية.
وهو ما أيده "مايكل ميلشتاين" رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان التابع لجامعة تل أبيب Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies (MDC)، الذي أفاد بصعوبة القضاء على "حماس" واقتلاع أفكارها، خاصة أنها "تتمتع بقوة عسكرية كبيرة، إذ يزيد عدد أفرادها عن 25 ألف شخص، فضلا عن انتشار عناصرها داخل المؤسسات الفلسطينية".
(6) القلق من رد فعل الدول الحدودية مع إسرائيل: سلطت بعض مراكز الأبحاث الدولية الضوء على رد فعل الدول الحدودية في حال نفذت إسرائيل العملية البرية، إذ أفاد البعض، بأن هذه العملية قد تؤدي إلى تفعيل مبدأ "وحدة الساحات" وتوسيع الحرب واندلاع "صراع إقليمي" بالمنطقة، وذلك في حال تدخلت أطراف أخرى لدعم المقاومة الفلسطينية وتوجيه ضربات ضد إسرائيل، خاصة من خلال "حزب الله اللبناني" الذي يمتلك صواريخ قادرة على ضرب القدس المحتلة وتل أبيب، وهو السبب في فرض جيش الاحتلال "رقابة مشددة" على حدوده الشمالية مع لبنان، كما أن ميليشيا الحوثي في اليمن قد توجه هي الأخرى ضربات إلى إسرائيل لامتلاكها منظومة متطورة من الصواريخ والمسيرات القادرة على الوصول لأهداف بعيدة المدى، إضافة إلى الجماعات الموالية لإيران في سوريا والمستعدة للدخول بمواجهة مع إسرائيل.
وهذا السيناريو، هو ما ركز عليه الباحث "أوفير وينتر" بالمعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي The Institute for National Security Studies "INSS"، قائلًا، "ما يمكن أن يؤثر على مدة ونتائج الهجوم البري، هو كيف سيكون رد فعل جيران إسرائيل"، مشيرًا إلى أن حكومة الاحتلال قد تواجه طلبات متزايدة من مصر، التي لها حدود مشتركة مع قطاع غزة، بوقف الحرب والسماح بمرور المساعدات عبر معبر رفح الحدودي، وأنه في الوقت ذاته لن تسمح مصر بعبور جماعي لسكان غزة إليها أو العمل عسكريًا ضد إسرائيل نيابة عنهم.
(7) تدمير المصالح الأمريكية في المنطقة: رغم حديث معظم الخبراء والمحللين عن تأثير العملية البرية على إسرائيل ومدى نجاحها أو فشلها، ورد فعل الجماعات الموالية لإيران وتأثيرها على الدول الحدودية، فإن هناك من اتجه للتحذير من تنفيذ هذه العملية، وذلك لتأثيرها السلبي على واشنطن التي تدعم إسرائيل منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، إلا أن الكاتب الأمريكي "توماس فريدمان" كان له وجهة نظر مغايرة حيث حذر في مقاله له بصحيفة نيويورك تايمز، الاحتلال من الاجتياح البري لقطاع غزة، قائلًا بأنه سيكون "خطأ فادح" ترتكبه إسرائيل، لرؤيته أنه سيؤدي لتدمير مصالحها ومصالح أمريكا وتفجير "هيكل التحالف" المؤيد لأمريكا بالمنطقة، والإضرار بجميع معاهدات السلام بداية من "كامب ديفيد واتفاقيات أوسلوا والاتفاق الإبراهيمي".
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن رؤية مراكز الفكر والدراسات والأبحاث الغربية والإسرائيلية لما ستؤول إليه التطورات في المنطقة في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ عملية الاجتياح البري لقطاع غزة، ينبع من مجريات الأحداث على الأرض، التي تشير إلى أن حركة حماس استطاعت بلا شك رغم سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين بقطاع غزة، في إثبات فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأن الاحتلال كل ما يطمح إليه في الوقت الراهن هو محاولة تحقيق أي انتصار على الحركة الفلسطينية على الأقل لإعادة الاعتبار لقواته بالداخل والخارج.