لم تتوانَ الدولة المصرية عن نصرة القضية الفلسطينية، وتقديم كل ما في وسعها من أجل حماية الشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته الرامية لإقامة دولة مستقلة على حدود يونيو 1967، عاصمتها القدس الشريف، وهو الدور الذي لطالما برز بشكل واضح مع كل أزمة تتعرض لها فلسطين على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك في أول تعليق على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية فجر السابع من أكتوبر 2023؛ جاء موقف القيادة المصرية برئاسة الرئيس "عبدالفتاح السيسي" واضحًا ومباشرًا، بالتحذير من مخاطر التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومطالبة الاحتلال بوقف اعتداءاته وأعماله الاستفزازية بحق الشعب الفلسطيني والالتزام بقواعد القانون الدولي، وفق ما جاء في بيان الخارجية المصرية.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، شكلت صدمة ومفاجأة للاحتلال الإسرائيلي الذي أطلق بدوره عملية أطلق عليها اسم "السيوف الحديدية"، ما أدى لاشتعال أعمال التصعيد بين الجانبين لدرجة نجم عنها حتى الآن، استشهاد 1200 فلسطيني وأكثر من 5 آلاف مُصاب، إضافة إلى 1008 قتلى إسرائيليين وما لا يقل عن 3418 مُصابًا، وعدد من الأسرى، بل وسيطرة المقاومة الفلسطينية على عدد من المستوطنات الحدودية مع قطاع غزة.
تحركات مصرية
وفي ضوء ما تقدم، فقد تنوعت اتجاهات الدولة المصرية في التعامل مع أحداث التصعيد الجارية بالأراضي الفلسطينية، وذلك على النحو التالي:
(*) تأكيد مصري أردني فلسطيني على "حل الدولتين": في الساعات الأولى من تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد بحث الرئيس "عبدالفتاح السيسي" خلال اتصالات هاتفية مكثفة مع كل من نظيريه الفلسطيني "محمود عباس" وملك الأردن "عبدالله الثاني بن الحسين"، حالة التصعيد الأمني والعسكري وتأثيرها على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي، وخاصة على الأوضاع الأمنية والإنسانية، وشددا على ضرورة وقف التصعيد وضبط النفس لمنع تدهور الأوضاع، وأكدت الأطراف الثلاثة أن إرساء الأمن والاستقرار المستدام بالمنطقة يتطلب التوصل إلى حل عادل وتسوية شاملة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفقًا لمرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة.
(*) اتفاق مصري خليجي على تعزيز التشاور بشأن فلسطين: نظرًا لأهمية الدور المصري في حل القضية الفلسطينية، فقد أجرى عدد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي منذ تصاعد الأوضاع بالأراضي الفلسطينية، اتصالات مكثفة مع القيادة المصرية، وبحث الرئيس "عبدالفتاح السيسي" في مباحثات هاتفية مع كل من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وأمير قطر "تميم بن حمد"، ورئيس الإمارات "محمد بن زايد آل نهيان"، وسلطان عمان "هيثم بن طارق"، خلال الفترة من (7-11 أكتوبر 2023)؛ أهمية خفض التصعيد وتحقيق التهدئة ووقف المواجهات العسكرية حقنًا للدماء وحماية للمدنيين، والدفع بقوة في اتجاه تحقيق السلام العادل في المنطقة، واتفق الرئيس "السيسي" مع قادة الخليج على تعزيز التنسيق والتشاور خلال الفترة المقبلة للتأكيد على أهمية الرؤية العربية بشأن القضية الفلسطينية.
(*) مباحثات مصرية إقليمية لخفض أعمال التصعيد: تلقى الرئيس "السيسي" اتصالات هاتفية من عدد من القادة بمنطقة الشرق الأوسط، منهم الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" حيث أكد الرئيسان على أهمية إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتطبيق حل الدولتين، وحث جميع الأطراف على الوقف الفوري لأعمال العنف وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين وتأمين أوضاعهم الإنسانية، كما أكد الرئيس المصري ونظيره القبرصي "نيكوس خريستودوليدس" على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق التهدئة بل والتعامل مع القضية الفلسطينية من منظور شامل يعالج جذور الأزمة ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
(*) حرص مصري على معالجة الأسباب الجذرية للصراع: خلال المباحثات الهاتفية التي أجريت بين الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، ووزير الخارجية المصري "سامح شكري" مع عدد من الرؤساء والمسؤولين الأوروبيين، على مدار الأيام الخمسة الماضية، فقد أكدت القيادة المصرية على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كحل للتصدي لأعمال التصعيد الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا الهدف كان محور مباحثات "السيسي" و"شكري" مع كل من مستشار النمسا "كارل نيهامر" والمستشار الألماني "أولاف شولتز" ورئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، ووزير الخارجية البريطاني "چيمس كليفرلي"، هذا بجانب تأكيد الرئيس "السيسي" للمسؤولين الأوروبيين، على استمرار مصر في إجراء اتصالات مكثفة مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، من أجل احتواء التصعيد الراهن.
(*) التصدي لمخطط إخواني إسرائيلي بتوطين الفلسطينيين في سيناء: إضافة للتحركات الإقليمية والدولية التي أجرتها القيادة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية، فقد حذرت في الوقت ذاته، من محاولات إخوانية إسرائيلية لإعادة إحياء مخطط توطين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة في سيناء، وهو المخطط الذي لطالما رفضته الدولة المصرية، وقد كشفت عنه مصادر أمنية مصرية لقناة "القاهرة الإخبارية" في 10 أكتوبر الجاري، بإجبار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الفلسطينيين بين خيارين، إما الموت تحت القصف أو النزوح خارج أراضيهم، وذلك في ضوء محاولاتها المستمرة منذ اندلاع الصراع لتوطين أهالي غزة في سيناء، كما سبق وكشف الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" في تصريحات له في مايو 2018، بإجهاضه لمخطط الإخوان إبان حكمها لمصر في 2012، الرامي لتوطين جزء من الفلسطينيين في سيناء، في إطار مشروع دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
وقد رد الرئيس "السيسي" على هذه المحاولات، في كلمة له خلال لقائه مع عدد من الإعلاميين عقب حضوره حفل تخرج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة في 10 أكتوبر الجاري، بالتأكيد على أن "مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى.. ومشددًا على أهمية أمن مصر القومي وعدم التفريط فيه تحت أي ظرف"، والهدف الرئيسي هو رغبة مصرية في عدم ترك الفلسطينيين لأراضيهم للقوى المحتلة.
دعم إنساني
بجانب التحركات الخارجية سالفة الذكر، فإن مصر كعادتها لم تتأخر عن تقديم وسائل الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، وذلك على النحو التالي:
(&) استعداد الهلال الأحمر المصري لدعم الفلسطينيين: فور تصاعد الأحداث في قطاع غزة، عمل الهلال الأحمر المصري على تجهيز المساعدات الطبية والإنسانية اللازمة لتقديمها للفلسطينيين، وفقًا لما أعلنه رئيس مجلس إدارة الهلال الأحمر بشمال سيناء "خالد زايد"، الذي كشف أيضًا أن الهلال الأحمر المصري جهز المستلزمات كافة من أدوية وبطاطين، وتجهيز غرفة كاملة لوحدة الدعم النفسي بالمستشفى العام بالعريش، في حال بدء توافد الفلسطينيين للجانب المصري عن طريق معبر رفح، هذا بجانب استمرار أعمال التنسيق بين الهلال الأحمر المصري ونظيره الفلسطيني من أجل توفير المساعدات اللازمة، ومن جهته، فقد كشف "محمود فريد" مدير فرع شمال سيناء في جمعية الهلال الأحمر المصري، في تصريحات له في 10 أكتوبر الجاري، عن "تقديم الهلال شحنة مساعدات سريعة كدفعة أولى للمساعدات بلغت نحو طنّين من المستلزمات الطبية للهلال الأحمر عبر معبر رفح قبل توقف حركة المرور في المعبر".
(&) مبادرة "حياة كريمة" لدعم الفلسطينيين: وفي ضوء محاولات مختلف المؤسسات والجمعيات الأهلية المصرية لدعم الفلسطينيين، فقد أطلقت مؤسسة "حياة كريمة" بعد إعلان تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم والمساندة لهم، للتصدي لهذه الظروف العصيبة، مبادرة أطلقت عليها اسم "كتفنا في كتف أهلنا في فلسطين"، وبموجبها نشرت المؤسسة عددًا من حسابات مؤسسة حياة كريمة في البنوك المصرية للتبرع لدعم الشعب الفلسطيني، كما أعلن "التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي في مصر" في بيان له في 10 أكتوبر الجاري، بأنه يعمل بتوجيهات من الرئيس "السيسي"، على تجهيز قافلة محملة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة.
(&) التعاون مع أطراف خارجية لتأمين وصول المساعدات للفلسطينيين: في ضوء الاتصالات المصرية مع الأطراف الخارجية لتأمين الممرات الإنسانية في غزة من أجل وصول المساعدات للفلسطينيين، فقد كشف الديوان الملكي الأردني في بيان له مساء 10 أكتوبر الجاري، بأن الملك "عبدالله الثاني" وجه بإرسال مساعدات إنسانية وطبية للفلسطينيين بقطاع غزة، وهو ما دفع المملكة الأردنية للتنسيق مع مصر لإرسال هذه المساعدات عبر معبر رفح البري، كما أجرت الأمم المتحدة وعدد من الوكالات الإغاثية محادثات مع مصر من أجل إرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر المعبر .
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مصر لطالما أثبتت من خلال مواقفها المتعددة على الصعيدين الإقليمي والدولي، على أهمية دورها في تسوية الأزمة الفلسطينية وهو الدور الذي جعل مصر في محور اهتمامات قادة دول العالم، لإدراكهم أنها الدولة العربية التي تستطع إقناع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على خفض أعمال التصعيد والتوصل لتهدئة، نظرًا لجهود الوساطة التي سبق وقامت بها منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تكثف مصر خلال الأيام المقبلة من جهودها وتحركاتها على المستويات كافة من أجل احتواء التصعيد الراهن بالأراضي الفلسطينية المحتلة.