الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حسابات المصالح.. ملامح الموقف الأمريكي من الأزمة في النيجر

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

ارتبط الموقف الأمريكي من أزمة النيجر التي اندلعت في 26 يوليو 2023، بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وتشكيل مجلس انتقالي بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، بالأهمية الاستراتيجية للنيجر في مكافحة الإرهاب بمنطقة غرب إفريقيا، لا سيما بعد اعتبار التنظيمات الإرهابية والمتطرفة أن إفريقيا أضحت ملاذًا آمنًا لها بعد هزيمتها في معاقلها التقليدية، فضلًا عما تمثله التوجهات الأمريكية الجديدة إزاء إفريقيا وسعيها لتعزيز نفوذها في القارة السمراء، لمواجه تمدد النفوذين الصيني والروسي الذي تزايد في الآونة الأخيرة، لدرجة جعلت بعض التحليلات تعتبر أزمة النيجر إحدى ملامح الصراع ما بين الغرب وروسيا.

توجهات أمريكية:

استند الموقف الأمريكي إزاء أزمة النيجر إلى كيفية الموازنة بين الحفاظ على الدعم الأمريكي للنيجر في إطار حربها ضد الإرهاب، والدعوة إلى استعادة النظام الدستوري، لذلك يمكن الإشارة إلى أبرز ملامح الموقف الأمريكي من الأزمة على النحو التالي:

(*) المطالبة بعودة النظام الدستوري: منذ أن وقعت الأزمة فى النيجر طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة عودة النظام الدستوري المتمثل في الحكومة المنتخبة بقيادة الرئيس محمد بازوم الذي انتُخب في أبريل 2021، ودعا الرئيس الأمريكي جو بايدن في 3 أغسطس 2023 للإفراج عن الرئيس محمد بازوم المحتجز مع عائلته، مشددًا على أهمية الدفاع عن القيم الديمقراطية.

ويتماشى ذلك التوجه مع استراتيجية بايدن التي تغلف مصالحها بصبغة ديمقراطية تسعى من خلالها، لدعم النظم الديمقراطية حتى وإن كان من الناحية الشكلية، وهو ما ارتبط بعقد الإدارة الأمريكية قمتين عالميتين عن الديمقراطية في ديسمبر 2021، ومارس 2023، حيث اتجهت الولايات المتحدة لتقسيم العالم ما بين دول ديمقراطية وأخرى استبدادية، ودفعت بالصين لانتقاد مثل ذلك التقسيم واعتبرت أن لكل دولة خصوصيتها في تحقيق تنميتها.

(*) انتهاج الوسائل السلمية: رفضت الولايات المتحدة اتخاذ أي إجراءات عنيفة أو دعم أي تدخل عسكري لإعادة الحكومة المنتخبة، وهو التوجه الذي طالبت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، ولوّحت باستعدادها للتدخل عسكريًا بهدف إعادة النظام الدستوري.

كما لم تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات عقابية وأوقفت "صورة مؤقتة" بعض برامج الدعم التي تقدمها لحكومة النيجر، لا سيما أن القاعدة الجوية للطائرات المسيّرة التي أنشأتها في مدينة أجادير عام 2019، تستهدف مواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، فضلًا عن وجود ما يقرب من 1100 جندي أمريكي يقدم معظمهم المشورة والتدريب للقوات الخاصة في النيجر. كما ينتشر نحو 1500 عسكري فرنسي في النيجر بموجب اتفاقات دفاعية بين البلدين تتعلق بمكافحة الإرهاب.

السفيرة الأمريكية الجديدة في نيامي-أرشيفية

(*) التأني في إجلاء الرعايا الأمريكيين: على عكس ما حدث في حالات مشابهة، شهدتها إفريقيا أخيرًا في مالي وبوركينا فاسو، تأنت الولايات المتحدة في إجلاء رعاياها، وأعلنت وزارة الخارجية عن تقديمها الدعم من خلال سفارتها في نيامي لمواطنيها الراغبين في مغادرة البلاد، فضلًا عن إجلاء الموظفين غير الطارئين وأسرهم من النيجر.

كما خفّضت السفارة من موظفيها مؤقتًا وعلّقت الخدمات الروتينية، غير أنه فى 19 أغسطس 2023 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية وصول السفيرة الجديدة لدى النيجر كاثلين فيتزجيبون إلى العاصمة نيامي، لكنها لن تقدم أوراق اعتمادها رسميًا بسبب الأزمة السياسية الحالية، فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في بيان له إن وصول فيتزجيبون إلى النيجر "لا يعكس تغييرًا فى موقف بلاده لكنه يأتي استجابة للحاجة إلى وجود قيادة عليا للبعثة في وقت صعب".

(*) إرسال مبعوثين للنيجر: وفقًا لبيان المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية في 7 أغسطس 2023 فإن القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية فيكتوريا نولاند توجهت إلى عاصمة دولة النيجر نيامي لتعرب عن قلق واشنطن البالغ "إزاء التطورات التي تشهدها البلاد، وتشدد على التزامها الحازم بدعم الديمقراطية والنظام الدستوري"، وأكد المتحدث مواصلة دعوة بلاده لـ"الإفراج الفوري عن الرئيس محمد بازوم وأسرته وكافة المعتقلين".

واجتمعت نولاند بأعضاء من المجتمع المدني النيجري، فيما التقت بشكل منفصل مع أعضاء بالمجلس الانتقالي، الذي رفض طلبها بمقابلة محمد بازوم.

وأعلنت المبعوثة الأمريكية أن بلادها قررت تعليق مساعدات معينة لحكومة النيجر فيما لا يزال الوضع متقلبًا، وشددت على أن الولايات المتحدة ستبقى على تواصل وثيق مع الحلفاء والشركاء، بما فيهم مجموعة "إيكواس".

مواقف متباينة:

تعكس المواقف المتباينة ما بين الدول الغربية الأكثر حضورًا من الناحية العسكرية في النيجر؛ وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وألمانيا وإيطاليا)، تمايزًا في التوجهات ما بين موقفين أساسيين:

(&) الموقف الأول: وهو موقف متشدد تمثله فرنسا التي ترفض الاعتراف بنتائج الأزمة، وتتخذ موقفًا صارمًا داعمًا للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" وعدم ممانعتها من استخدام الحل العسكري لإعادة النظام الدستوري، والإفراج عن الرئيس محمد بازوم.

وهدف فرنسا من هذا السلوك إلى عدم حدوث انتكاسة استراتيجية ثالثة تتمثل في أن تجبرها التطورات الأخيرة في النيجر إلى سحب قواتها كما حدث عقب أزمتي مالي وبوركينافاسو.

(&) الموقف الثاني: يقوده الجانب الأمريكي الذي يتماشى معه الموقفان الألماني والإيطالي وتعتبره باريس استكمالاً لسياسة الطعن في الظهر من واشنطن، بعد اتفاق "أوكوس"، حيث تتعامل الدول الثلاث مع سياسة الأمر الواقع، بعد أن أعلن رئيس المجلس الانتقالي الحاكم في النيجر عبد الرحمن تشياني في 19 أغسطس 2023 أن الفترة الانتقالية للسلطة لن تتجاوز ثلاث سنوات، محذرًا من أن أي هجوم يستهدف بلاده لن يكون سهلًا على المشاركين.

وفي مقابل التشدد الفرنسي تدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني الحل السياسي، فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ذكر فى بيان له بعد الأزمة أن الولايات المتحدة تقدر إصرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" على استكشاف جميع الخيارات من أجل حل سلمى للأزمة.

وتماشيًا مع الموقف الأمريكي جاء الموقف الألماني، حيث دعت وزيرة التنمية في ألمانيا سيفينيا شولتسه قبيل جولتها في غرب إفريقيا إلى ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة الحالية، مشيرة إلى أن الاحتجاج على الأزمة في النيجر يجب ألا يعني إعلان حرب واقترحت الاعتراف بسلطة الأمر الواقع، لكن من خلال الحصول على ضمانات كافية لإجراء انتخابات جديدة ونزيهة والإفراج عن الرئيس المنتخب ديمقراطيًا محمد بازوم، وضمان عدم تعرضه للأذى.

أما الموقف الإيطالي من الأزمة فجسدته تصريحات وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بضرورة الحل السلمي، داعيًا لإيجاد حل غير عسكري للأزمة، مطالبًا أوروبا ألا تسمح بحدوث مواجهة مسلحة، حتى لا يُنظر للأوروبيين كـ"مستعمرين جدد".

مجمل القول؛ إن الموقف الأمريكي من أزمة النيجر يقوم بالأساس على الحفاظ على المصالح الأمريكية الرامية إلى مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا وفي منطقة الساحل والصحراء بشكل عام، ودعم استعادة نفوذها داخل القارة الإفريقية الذي تراجع في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وأن الديمقراطية وشعاراتها البراقة لا تخدم سوى تلك المصالح، وهو ما تعكسه تعزيز مجالات الدبلوماسية في التعامل مع أزمة النيجر والانحياز لسياسة الأمر الواقع، وتبني سياسة الحل السلمى التي تضمن لواشنطن التعامل مع كل الأطراف المعنية بالأزمة وتطوراتها داخليًا وخارجيًا.