الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تنهي خسارة إقليم "كاراباخ" علاقة روسيا وأرمينيا؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء أرمينيا

القاهرة الإخبارية - محمد سالم

حتى وقت قريب كانت موسكو، هي الضامن الوحيد لأمن أرمينيا، حليفها القريب، قبل أن تدب الخلافات مع تحركها تجاه واشنطن، عبر خطوات انتقدتها موسكو، منها مثلًا إجراء تدريبات مشتركة، قبل أن يؤكد، نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا صراحة أنه أدرك أن اعتماده على روسيا كان خطأً استراتيجيًا، لينتهي به الأمر، ليعلن أمس الأحد، أنه سيبدل تحالفاته ويبتعد عن موسكو، بعد سيطرة أذربيجان على إقليم ناجورنو كاراباخ، معيدًا خلط أوراق النفوذ الروسي في القوقاز.

وفي كلمة متلفزة، قال "باشينيان"، إن تحالفات بلاده الحالية "غير مجدية"، في إشارة إلى روسيا، التي تمتلك أرمينيا علاقة طويلة الأمد معها، منذ كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، قائلًا إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي تحتها أرمينيا أثبتت أنها غير مجدية لحماية أمنها ومصالحها.

ورغم انتقاد رئيس الوزراء الأرميني لموقف روسيا، فإن يريفان نفسها لم ترسل جيشها إلى كاراباخ للتصدي للهجوم الأذربيجاني، تاركة الانفصاليين الأرمن وحدهم في مواجهة نيران باكو.

وأكمل باشينيان قائلًا إن أرمينيا لم تتخل يومًا عن التزاماتها ولم تخن حلفاءها، إلا أن تحليل الوضع يظهر أن الأنظمة الأمنية والحلفاء الذين نعتمد عليهم منذ فترة طويلة قاصدًا "روسيا"، حددوا لأنفسهم مهمة إظهار ضعفنا وعدم قدرة الشعب الأرميني على أن تكون له دولة مستقلة.

معاهدة الأمن الجماعي

وأرمينيا عضو في معاهدة الأمن الجماعي، وهو تحالف عسكري ترأسه روسيا، إلا أن هجوم الجيش الأذربيجاني على إقليم ناجورنو كاراباخ، قد يؤدي إلى تسريع خروجها من دائرة النفوذ الروسي، ومن التحالف الذي يضم جمهوريات سوفيتية سابقة، هي أرمينيا وبيلاروسيا وروسيا، ودول في آسيا الوسطي، هي كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، خاصة أنه يأتي في وقت توجهت فيه أرمينيا بالفعل نحو واشنطن، وحتى قبل العملية العسكرية الأخيرة للقوات الأذربيجانية في الإقليم، وهو ما أثار غضب موسكو.

قاعدة روسية

يُذكر أن روسيا لها قاعدة عسكرية في مدينة جيومري، فيما قال الباحث في الشأن الأرميني، بنيامين ماتيفوسيان، إن خطاب باشينيان " تعمد تصعيد التوتر مع روسيا"، ووصفه بأنه ابتزاز أكثر منه تغييرًا في السياسة الخارجية.

وأضاف أن رئيس الوزراء الأرميني، يقول لروسيا صراحة إنها ملامة وانتقد إدارتها للأزمة، بعد تظاهرة أُقيمت في العاصمة يريفان للتنديد بإدارة روسيا للأزمة وعدم تدخلها عسكريًا.

أما الباحث المستقل هاكوب باداليان، فيرى أن خطاب باشينيان يهدف لحشد حلفائه السياسيين وتثبيت مكانته في مواجهة الاحتجاجات.

تاريخ أزمة كاراباخ
رئيس أذربيجان

تقع كاراباخ، والتي يطلق عليها الأرمن اسم آرتساخ، داخل أراضي أذربيجان، وسيطر عليها على مدى قرون الفرس والروس والسوفيت، وطالبت كل من أرمينيا وأذربيجان بالسيادة عليها، بعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917، وتم تصنيفها على أنها منطقة تتمتع بالحجم الذاتي.

مع انهيار الحكم السوفيتي، دارت معركة، وتخلص الأرمن من سيطرة أذربيجان، الصورية، واستولوا على أراضٍ مجاورة، فيما عرف باسم "حرب كاراباخ الأولى"، وقتل نحو 30 ألفًا وشرد أكثر من مليون شخص معظمهم من أذربيجان، بين عامي 1988 و1994.

وفي عام 2020، انتصرت أذربيجان بعد مناوشات استمرت لعقود، فيما عرف باسم "حرب كاراباخ الثانية"، والتي استمرت 44 يومًا، واستعادت خلالها السيطرة على مناطق في كاراباخ ومحيطها، قبل أن تنتهي باتفاق سلام بوساطة روسية، اتهمت أرمينيا روسيا بالفشل في تنفذه.

أزمة التدريبات المشتركة

وأثارت المناورات المشتركة بين أرمينيا وأمريكا، الشهر الجاري، غضب موسكو، والتي اعتبرتها إجراء غير ودي من حليفها التقليدي، إذ شارك 85 جنديًا أمريكيًا، و175 جنديًا أوكرانيًا، في التدريبات، التي تهدف إلى إعداد الأرمن للمشاركة في بعثات حفظ السلام.

ورغم صغر حجم التدريبات، ثار غضب الكرملين، وقال المُتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، "من الواضح إن إجراء هذه التدريبات لا يسمح باستقرار الوضع في المنطقة ولا يعزز مناخ ثقة متبادلة"، بحسب "سي إن إن".

ولم تتحرك موسكو عسكريًا، لاحتواء التحرك العسكري الأخير لأذربيجان، والتحرك السابق في 2020، وكانت كانت روسيا غير قادرة على التدخل أو غير راغبة فيه، رأت حكومة أرمينيا أن موسكو لم تعد تفي بالتزاماتها الأمنية التي تدعي أنها تقدمها من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وقال رئيس الوزراء الأرميني، إن روسيا أخفقت في ضمان أمن أرمينيا في مواجهة ما قال إنه اعتداء من أذربيجان، فيما يتعلق بمنطقة ناجورنو كاراباخ، مُشيرًا إلى أن موسكو التي يربطها اتفاق دفاعي مع أرمينيا، لم تعد بلاده موالية لها بما يكفي، وأنه يعتقد أن بلاده في ظل ذلك تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة فيما يبدو لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومحاولاتها توثيق العلاقات مع دول أخرى في المنطقة.

وقال إنه يرى أن روسيا نفسها تحتاج إلى أسلحة وذخيرة في الوقت الحالي، بسبب حرب أوكرانيا، وبالتالي لن تتمكن من الوفاء باحتياجات أرمينيا، وبالتالي الاعتماد على شريك واحد فقط في الأمور الأمنية هو خطأ استراتيجي، وتحدث عن أن بلاده في ظل ذلك تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة لمحاولاتها توثيق العلاقات مع دول أخرى، وخاصة أمريكا.

يُذكر أن أذربيجان، تمكنت في يوم واحد فقط، من إجبار الأرمن المقيمين في الإقليم، على نزع سلاحهم، بعد أن كان الأرمن يتطلعون إلى روسيا طلبًا للمساعدة، إلا أن قواتها بقيت متحفظة في الصراع الأخير، ليوافق قادة إقليم ناجورنو كاراباخ، المعروفة باسم "جمهورية آرتساخ" غير المعترف بها دوليًا، والذين يحكمون الإقليم منذ عام 1991، على سحب قواتهم مع تعهد أذربيجان بتوفير ممر آمن لهذه القوات.

ووصف المُتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأزمة بأنها "شأن داخلي خاص بأذربيجان"، فيما أعرب بوتين "عن ارتياحه من إمكانية التغلب على هذه المرحلة بالغة الحساسية من الصراع"؛ لذا طرح مراقبون تساؤلات حول السبب الذي دفع روسيا للتخلي عن دعم أرمينيا، مرجحين أن السبب هو موقف يريفان حيال الإقليم، حيث أعلن رئيس الوزراء في وقت سابق من هذا العام الجاري أن بلاده تعترف بسيادة أذربيجان عليه.

سر موقف روسيا

يرى آخرون، أن موقف روسيا جاء ردًا على التقارب الأرميني مع الغرب، وتحدي الكرملين، وهو ما بدا جليًا في رفضها للمناورات المشتركة بين أرمينيا وأمريكا، إلى جانب تصاعد التوتر بين البلدين، عقب تسليم أرمينيا مساعدات إنسانية لأوكرانيا، وزيارة زوجة رئيس الوزراء للعاصمة كييف، حتى وصل الأمر إلى تصريحات رئيس الحكومة الأرميني، بأن اعتماد بلاده الأمني على روسيا "خطأ استراتيجي".

في المقابل قال شتيفان مايستر، الخبير في شؤون جنوب القوقاز في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إن أذربيجان قدمت على ما يبدو عرضًا لروسيا لتسهيل وصول ممر إلى إيران، وأن باكو أصبحت في موقف تفاوضي جيد، بسبب بحث روسيا عن طرق تجارية بديلة للتغلب على العقوبات الغربية.

ورغم توتر العلاقات مع روسيا، يرى روبن إنكوبولوف، الباحث في معهد برشلونة للاقتصاد السياسي، أن أرمينيا ستظل بحاجة إلى الحفاظ على العلاقات مع موسكو باعتبارها الشريك التجاري الأكبر.