صراع ممتد منذ عشرات السنين بين أذربيجان وأرمينيا، يتجدد آونة بعد أخرى، بين الجمهوريتين السابقتين بالاتحاد السوفييتي، على إقليم ناجورنو كاراباخ، الذي يقع داخل الأراضي الأذربيجانية وتسكنه أغلبية أرمينية، رفقة مزيج من الأعراف والثقافات، وسط طبيعة جبلية خلابة.
في 1923، حصل إقليم ناجورنو كاراباخ، على وضع منطقة الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية، وفي 1988 مع قرب نهاية الحكم السوفييتي، اندلعت الأزمة عندما بدأت حركة إعادة التوحيد مع أرمينيا في الإقليم، قبل أن يتم إعلان الاستقلال عن أذربيجان في 2 سبتمبر 1991، وتغيير الاسم إلى "جمهورية ناجورنو كاراباخ".
ومنذ عام 1992 وحتى 1994 حاولت أذربيجان السيطرة على الإقليم، بعملية واسعة النطاق قُتل خلالها 30 ألف شخص، قبل أن يتفق الطرفان على وقف لإطلاق النار، لكنهم فشلا في التوصل لمعاهدة سلام دائم حتى اللحظة.
أزمة 2020
في نهاية سبتمبر 2020، تجدد القتال في الإقليم بين أرمينيا وأذربيجان، ما أسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين، قبل أن تعلن روسيا في 10 نوفمبر من العام نفسه، التوصل لاتفاق ثلاثي لوقت إطلاق النار بشكل كامل، والبقاء في المواقع الموجودة لدى الطرفين، ونشرت روسيا قوات حفظ سلام في المنطقة، بما فيها ممر لاتشين.
وفي 2022، عقد البلدان محادثات بوساطة من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمناقشة توقيع معادة سلامة مستقبلية، وفي نهاية مايو الماضي، قال رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إن بلاده مستعدة للاعتراف بسيادة أذربيجان داخل الحدود السوفييتية، أي مع كاراباخ، بحسب وكالة "سبوتينك" الروسية.
وفي سبتمبر الجاري، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن القيادة الأرمينية اعترفت بشكل أساسي بسيادة أذربيجان على كاراباخ، وأشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إلى إمكانية توقيع معاهدة سلام مع أرمينيا قبل نهاية العام "إذا لم تغير يريفان موقفها".
عملية خاطفة
والثلاثاء الماضي، بدأت "باكو" عملية مسلحة في إقليم ناجورنو كاراباخ، انتهت خلال 24 ساعة، بإعلان "استعادة السيادة" عليه، إذ انتهت العملية العسكرية لوقف إطلاق النار وموافقة الانفصاليين على إلقاء أسلحتهم وإجراء محادثات، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وتسببت العملية العسكرية في مقتل 200 شخص على الأقل وإصابة 400 آخرين، بحسب الانفصاليين الأرمن، بينما أشاد رئيس أذربيجان، بعدم تدخل أرمينيا لمساندة الانفصاليين.
وقالت السلطات الانفصالية إنه بوساطة من "فرقة حفظ السلام الروسية"، تم التوصل إلى اتفاق كامل لوقف إطلاق النار، وانسحاب الوحدات والعسكريين من قوات أرمينيا المسلحة، وحل التشكيلات المسلحة لجيش الدفاع عن ناجورنو كاراباخ ونزع سلاحها بالكامل.
إعادة الدمج وحقوق الأرمن
وأشارت السلطات الانفصالية، إلى أنه ستتم مناقشة القضايا أثارها الجانب الأذربيجاني بشأن إعادة الدمج وضمان حقوق وأمن الأرمن في اجتماع بين ممثلي السكان الأرمن المحليين والسلطات المركزية لجمهورية أذربيجان.
ممر آمن
وقال حكمت حاجييف، مستشار الرئيس الأذربيجاني، أن بلاده تريد "إعادة الإدماج السلمي للأرمن في الإقليم، وتدعم عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان"، متعهدًا بتوفير ممر "آمن" للمقاتلين الانفصاليين.
مخاوف من نزوح جماعي
وبعد الانتصار الأذربيجاني، أُثيرت مخاوف من نزوح جماعي للسكان المقدر عددهم بـ120 ألف نسمة، إذ أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام محلية جموعًا في مطار عاصمة الإقليم ستيباناكرت، كما أكدت القوات الروسية إجلاء 3154 شخصًا بينهم 1428 طفلًا إلى مواقعها.
وفي السياق، قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين إنه "لا يوجد أدنى شك بأن كاراباخ شأن داخلي لأذربيجان"، التي "تتصرف في أراضٍ عائدة لها، وهو ما يقرّ به المسؤولون الأرمينيون"، ومن جهته أكّد رئيس الوزراء الأرميني أن بلاده لم تشارك في صياغة اتفاق وقف النار، مذكّرًا بأن يريفان "ليس لديها جيش" في الجيب الانفصالي (كاراباخ) منذ أغسطس 2021.