يواصل منفذو عملية الإطاحة بالرئيس في النيجر رفض جميع النداءات الإقليمية والدولية المطالبة بضرورة إعادة رئيس البلاد "محمد بازوم" إلى السلطة؛ ورغم التهديد الذي وجّهته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" إلى قادة المجلس الانتقالي الجديد في النيجر، باللجوء إلى الخيار العسكري في حال لم تتم إعادة النظام الدستوري إلى البلاد، إلا أن رئيس المجلس الانتقالي "عبدالرحمن تشياني" ضرب بهذه التهديدات "عرض الحائط"، واتخذ عدة إجراءات لتأكيد أنه لن يتراجع، جاء أبرزها، في 10 أغسطس 2023، بعد ما وقّع "تشياني" على مرسوم يقضي بتشكيل حكومة انتقالية جديدة، مكونة من 21 وزيرًا من المدنيين والعسكريين، كما أصدر عددًا من المراسيم الأخرى، طالت إجراء حزمة من التغييرات في بعض المناصب العسكرية، كما أجري تعيينات لحكام المقاطعات الثماني في النيجر.
تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن هذه الحكومة جاء في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه القمة الاستثنائية لرؤساء مجموعة "الإيكواس" في العاصمة النيجيرية أبوجا، التي أكد خلالها قادة غرب إفريقيا على ضرورة احترام الديمقراطية في النيجر وإعادة "بازوم" إلى السلطة، وشددوا على أن "الخيار العسكري" لا يزال مطروحًا كـ"ملاذ أخير" في النيجر في حال أصر منفذو عملية الإطاحة على موقفهم.
ملامح الحكومة:
في ضوء ما تقدم، فإن هذا التحليل سيتطرق إلى توضيح أبرز ملامح الحكومة الجديدة، ومدى تأثير تشكيل هذه الحكومة على مسار الأزمة التي اندلعت في 26 يوليو 2023، وذلك على النحو التالي:
(*) رئيس وزراء النيجر الجديد: وفقًا للمرسوم الصادر عن المجلس العسكري الجديد الذي تلاه "أحمدو عبدالرحمن" المتحدث باسم المجلس العسكري الجديد، في بيان له على التلفزيون الوطني، فقد تم تعيين "علي الأمين زين "رئيسًا للوزراء، ووزيرًا للاقتصاد والمالية، وهذه الحقيبة الوزارية سبق وتولاها "زين" في الفترة من (أكتوبر 2003- فبراير 2010) في حكومة الرئيس الأسبق "محمدو تانجا"، الذي أطاح به الجيش في 2010، و"زين" كان يشغل قبل تعيينه رئيسًا لوزراء النيجر، منصب ممثل "البنك الإفريقي للتنمية" في عدد من دول القارة (ساحل العاج والجابون وآخرها تشاد)، وعاد منها إلى العاصمة نيامي عقب الإعلان عن تعيينه لرئاسة حكومة النيجر ، وتجدر الإشارة إلى أن اختيار المجلس العسكري الجديد لـ"زين" يرجع إلى رغبته في تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي وتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية والمالية، خاصة أن رئيس الوزراء الجديد لديه باع في التواصل مع المنظمات الدولية وسبق وخاض بعض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لدعم اقتصاد النيجر.
(*) التمثيل العسكري في الحكومة الجديدة: لم يخلو تشكيل حكومة النيجر الجديدة، التي أعلن عنها قادة عملية الإطاحة، من وضع قادة عسكريين لتولي عدة حقائب وزارية، إذ إنه من بينهم 21 وزيرًا منهم 6 عسكريين، هما الأبرز والأهم داخل المجلس العسكري الحاكم حاليًا، من بينهم، وزير الدفاع الفريق "ساليفو مودي"، وزير الداخلية العميد "محمد طومبا"، والعقيد الرائد "أمادوا عبدالرحمن" المتحدث باسم المجلس العسكري لتولي وزارة الشباب والرياضة، وزير النقل العقيد "ساليسو مهمان ساليسو"، وزير البيئة العقيد "معظمة عبد الله"، ووزير الصحة العامة والسكان الدكتور العقيد "جربا حكيمي"، ورغم أن هذا التمثيل العسكري "ضئيل إلى حد ما" إلا أنه يشير إلى تخوف قادة عملية الإطاحة من تزايد النفوذ العسكري داخل الحكومة الجديدة، والاكتفاء فقط بوضع عسكريين ذات ثقة، خوفًا من تجدد سيناريو الإطاحة بالمجلس العسكري، وهو السبب ذاته، في اجراء "تشياني" تغييرات شملت بعض قادة الجيش النيجري، كالمفتش العام للجيش وقوات الدرك والمستشار العسكري للرئيس، كما تم تعيين اللفتنانت "كولونيل حبيب عثمان" قائدًا للحرس الرئاسي.
(*) التمثيل النسائي في حكومة النيجر: ضم التشكيل الحكومي الجديد أيضًا 4 سيدات، هن "عيساتو عبد الله توندي" وزيرة الخدمة العامة والعمل، و"جيشين أجايشاتا عطا" وزيرة السياحة، و"اليزابيث شريف" وزيرة التر بية الوطنية والتعليم المهني، والدكتورة "سومانا بوبكر" في منصب الوزير مدير مكتب رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن. إن الهدف من وجود نساء بهذه الحكومة، يعكس رغبة قادة عملية الإطاحة في إيصال رسالة مفادها أن الحكومة الجديدة "توافقية" وتضم مختلف الفئات من عسكريين ومدنيين واقتصاديين وأيضًا لم تخلو من تولي النساء لحقائب وزارية، لدرجة أن "تشياني" عيّن الباحثة "بوبكر" رئيسًا لإدارته.
تداعيات محتملة
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن إعلان "تشياني" رئيس المجلس العسكري الجديد، عن حكومة جديدة رغم تحذير "الإيكواس" بالتدخل العسكري، يحمل جملة من الرسائل والتداعيات، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
(&) توطيد النظام العسكري في النيجر: إن الإعلان عن هذه الحكومة يبعث برسالة لأنصار الرئيس "بازوم" ورؤساء "الإيكواس" والقوى الخارجية خاصة فرنسا وأمريكا، وباقي المنظمات الدولية والإفريقية؛ مفادها، أن المجلس العسكري لن يتراجع عن خطواته الرامية إلى إجراء تغييرات على جميع مؤسسات البلاد، ويشير إلى أن البداية بالمؤسسة التنفيذية، بعد ما تم الإطاحة بكل من رئيس البلاد "محمد بازوم" ورئيس الوزراء "حمودو محمدو"، الأمر الذي يعد بمثابة تحديًا رئيسيًا لمطالب دول المجتمع الدولي بضرورة إعادة الحكم السابق إلى النيجر، وهي الخطوة التي تشير أيضًا إلى أن "تشياني" سيكثف عمل الحكومة الجديدة من أجل محاولة إثبات جدارتها على الأقل بالداخل للحصول على ثقة شعب النيجر وتأكيد أن "المجلس العسكري" الأحق بحكم البلاد.
(&) منح حكومة "الأمين زين" صفة الشرعية: قد تتجه حكومة النيجر الجديدة إلى محاولة الحصول على الشرعية بالداخل والخارج، وتأكيد أن رئيسها هو الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق "علي الأمين زين"، وذلك من أجل نفي ما أعلنه "حمودو محمدو" أنه لا يزال رئيس حكومة النيجر، ونفي أيضًا ما أعلنه "حسومي مسعودو" وزير الخارجية في حكومة "بازوم" (والموجود حاليًا خارج البلاد) بأنه الرئيس المؤقت لحكومة النيجر، وهو ما يؤكد عزم منفذي عملية الإطاحة على البقاء في الحكم ورفض التنازل عما وصلوا إليه.
(&) مزيد من الاعتقالات والقبضة الأمنية على أنصار "بازوم": من المتوقع أن يعمل المجلس العسكري بالنيجر على تثبيت أركان حكومته الجديدة، وذلك بزيادة قبضته الأمنية، من خلال شن حملة من الاعتقالات التعسفية بحق أنصار الرئيس "بازوم" وهو ما بدأ بالفعل بعد أيام قليلة من عملية الإطاحة برئيس البلاد، ففي 31 يوليو الماضي، أعلن "الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية" (حزب محمد بازوم)، بأن المجلس العسكري ألقي القبض على رئيس اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب" فورماكوي غادو"، إضافة إلى أربعة وزراء ووزير سابق، وهما وزير النفط"مهامان ساني محمدو" ووزيرة المناجم "أوسيني حديزات"، ووزير الداخلية "أمادو سولي"، ووزير النقل "عمارو مالام"، ونائب وزير الدفاع السابق "كالا موتاري"، وأخيرًا تم اعتقال وزير التعليم المهني "قسوم مختار"، وهذه الاعتقالات تعني تخوف المجلس العسكري من قيام الوزراء السابقين بحشد الشعب وخاصة أنصار "بازوم" ضد المجلس الجديد وعرقلة عمل الحكومة الجديدة.
(&) إعادة النظر في علاقة النيجر مع القوى الغربية: من المتوقع أن تبدأ الحكومة الجديدة في إعادة النظر في علاقة النيجر مع القوى الخارجية، وكانت البداية في 4 أغسطس الجاري، بإعلان المجلس العسكري، إنهاء مهمات سفراء البلاد لدى فرنسا والولايات المتحدة ونيجيريا وتوجو من جهة، وإلغاء عدد من الاتفاقيات الموقعة بين باريس ونيامي في المجالين العسكري والأمني، وعليه، فإن الحكومة الجديدة قد تتجه إلى محاولة حشد الدعم الدولي لها، بالتأكيد على أنها الحكومة الشرعية وأن تعاون أية قوى خارجية مع النيجر لن يكون إلا من خلال هذه الحكومة، كما قد يعمل رئيس هذه الحكومة "الأمين زين" باستغلال خبرته الاقتصادية وتواصله مع المنظمات الاقتصادية الدولية في حشد الدعم لإصلاح الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن قائد المجلس العسكري الجديد بالنيجر "عبدالرحمن تشياني" يريد التأكيد على أن جميع التهديدات التي يطلقها قادة "الإيكواس" ومطالبات القوى الغربية بإعادة الحكم الديمقراطي في النيجر، لن تلقي أي تجاوب، وأن المجلس لن يتراجع وسيواصل حكم البلاد، وسيعمل على "شرعنة" مؤسسات البلاد وإجراء التغييرات اللازمة، بالإضافة إلى إخراج جميع القوات الغربية التي تريد السيطرة على ثروات النيجر، واللافت للنظر، هو رد المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا على حكومة النيجر الجديدة بعد يومين من الإعلان عنها، إذ كشفت وكالة "فرانس برس" في 12 أغسطس الجاري، أن اجتماع قادة جيوش "الإيكواس" الذي كان مقرر في 12 أغسطس الجاري في غانا، بشأن مواجهة أزمة النيجر، تأجل بسبب "عدم جاهزية القوات"، ونقلت الوكالة الفرنسية عن المتحدث باسم الإيكواس، قوله"إن الاجتماع سيُعقد الأسبوع المقبل"، الأمر الذي قد يستغله قادة عملية الإطاحة بالنيجر في استكمال عملية إعادة هيكلة مؤسسات النيجر وإبعاد أنصار "بازوم" خاصة عن البلاد.