الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

توقيت حاسم.. دلالات زيارة وزير الخارجية الجزائري لأمريكا

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الجزائري أحمد عطاف

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

زار أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 أغسطس 2023، لمدة يومين، تلبية لدعوة من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، وتعد الأولى منذ توليه منصبه في مارس 2023، وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة موسكو لحضور القمة الروسية الإفريقية في 27 يوليو الماضي، والتي كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتكثيف الحوار السياسي بما يحقق تطلعات البلدين في بناء شراكة استراتيجية تنعكس بشكل إيجابيًا على علاقاتهم الثنائية التي من جهة وعلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك من جهة أخرى.

تجدر الإشارة إلى أنه في 12 يوليو الماضي، وجّه وزير الخارجية الأمريكي دعوة رسمية إلى نظيره الجزائري، لزيارة واشنطن في أقرب فرصة ممكنة، بهدف تقييم وتعزيز وتطوير واقع التعاون متعدد الأبعاد بين البلدين، لمناقشة فرصة عقد الدورة السادسة للحوار الاستراتيجي الجزائري-الأمريكي، ولبحث القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والشراكة الاقتصادية بين البلدين، وفقًا لما أعلنته وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان لها.

دلالات التوقيت

في ضوء ما تقدم، فإن زيارة "عطاف" الولايات المتحدة تكتسب "أهمية خاصة" في هذا التوقيت، إذ تأتي بالتزامن مع جملة من التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، من أبرزها ما يلي:

(*) اتجاه جزائري إلى روسيا والصين: إن توجه الوزير "عطاف" إلى أمريكا، يأتي مع تحركات متزايدة للقيادة الجزائرية لتعزيز علاقاتها مع مختلف القوى الخارجية، وما يبرز أهمية هذه التحركات أنها جاءت على المستوى الرئاسي، فكانت البداية في 17 يونيو الماضي، بتوجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا، في زيارة استمرت خمسة أيام، وقع خلالها الرئيسان الروسي والجزائري، على إعلان شراكة استراتيجية معمقة بين البلدين، وفي 13 يوليو الماضي، أجرى "تبون" زيارة إلى الصين استمرت عدة أيام، تلبية لدعوة من نظيره الصيني شي جين بينج، وهذه التحركات أثبتت نجاح جهود الدولة الإفريقية في تعزيز علاقاتها الخارجية مع أبرز القوى على الصعيد العالمي، وعليه فإن توجيه "بلينكن" دعوة إلى نظيره الجزائري بالتزامن مع هذه التحركات، يعكس رغبة أمريكية في الدفع بعلاقاتها مع الجزائر نحو مستوى أعلى، وللتأكيد على أن تحركات الجزائر نحو روسيا والصين لن تؤثر بأي شكل على علاقاتها مع واشنطن.

(*) مساعٍ جزائرية للانضمام إلى "البريكس": تأتي زيارة "عطاف" مع اقتراب انعقاد القمة الـ15 لمجموعة "البريكس" التي تضم (جنوب إفريقيا، الصين، روسيا، الهند، البرازيل) المقرر في الفترة من (22-24 أغسطس الجاري) بجنوب إفريقيا، حيث تسعى الجزائر للانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي العالمي، وقدمت طلبًا أواخر يوليو الماضي، لكي تكون عضوًا مساهمًا في بنك بريكس بمبلغ 1.5 مليار دولار، وعلقت المتحدثة باسم البيت الأبيض "كارين جان-بيير" في 2 أغسطس الجاري على رغبة الجزائر، قائلة: "أمريكا لا تطلب من شركائها الاختيار بين واشنطن والدول الأخرى.. بل تريد أن يكون للبلدان خيار حول كيفية تحقيق النتائج المرجوة لمواطنيها".

(*) استمرار التحركات الأمريكية نحو الجزائر: تأتي زيارة وزير الخارجية الجزائري مع استمرار زيارات المسؤولين الأمريكيين للجزائر، والتي كان آخرها زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المنظمات الدولية "ميشيل سيسون" في 25 يوليو الماضي، في زيارة هي الثانية لها في أقل من عام، حيث جاءت الأولى أواخر يناير الماضي، وخلال هذه الزيارات اجتمعت "ميشيل" مع الوزير "عطاف" ووزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، وركزت هذه الاجتماعات على بحث سبل تعزيز مجالات التعاون الثنائي والحوار الاستراتيجي بين البلدين، وكذا زيارة بريت ماكجورك، منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي في ديسمبر الماضي، فضلًا عن الزيارة البارزة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 30 مارس العام الماضي، حيث جاءت هذه الزيارة بعد شهر على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وخلالها بحث "بلينكن" مع الرئيس "تبون" سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، كما ناقش قضايا أخرى حول الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي وقضايا متعلقة بالنهوض بحقوق الإنسان.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

(*) تصاعد عدد من الأزمات الإقليمية والدولية: تأتي هذه الزيارة في ضوء استمرار عدد من الأزمات على الصعيدين الإقليمي والدولي، كالحرب الروسية الأوكرانية التي لم تضع أوزارها حتى الآن، بل تشهد أعمالًا تصعيدية من قبل الطرفين، والتي كانت سببًا في ممارسة عدد من نواب الكونجرس الأمريكي ضغوطًا على وزير الخارجية "بلينكن" لفرض عقوبات على الجزائر وإدراجها على قائمة "أعداء أمريكا"، على خلفية امتناع الدولة الإفريقية عن التصويت على قرار فرض عقوبات على موسكو، وارتفعت هذه الأصوات عقب الزيارة التي أجراها سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي إلى الجزائر في 10 مايو 2022، أي بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب الأوكرانية، ووقتها رد "لافروف" على الضغوط الأمريكية على الجزائر، قائلًا: "لدينا مقولة شعبية مفادها (هاجمتم الشخص الخطأ)".

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف

وعلى الصعيد الإقليمي، تأتي الزيارة بالتزامن مع اندلاع أزمة النيجر في 26 يوليو الماضي، جراء قيام أفراد من الحرس الرئاسي الجمهوري في النيجر، بالإطاحة برئيس البلاد محمد بازوم ثم إعلان تنحيته، وهو ما أدانته عدة دول بالعالم منها أمريكا والجزائر، اللتان طالبتا منفذي عملية الإطاحة بالإفراج عن "بازوم" وإعادة نظام الحكم الدستوري بالبلاد، فضلًا عن عقد رؤساء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" قمة استثنائية في 10 أغسطس الجاري، لبحث إمكانية التدخل العسكري في النيجر، وذلك بعدما رفض قادة المجلس العسكري الجديد التنحي عن السلطة وإعادة الرئيس "بازوم" رغم تهديد "إيكواس" باستخدام القوة لاستعادة الديمقراطية بالدولة الإفريقية.

أهداف الزيارة

في ضوء التطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الجزائري الولايات المتحدة الأمريكية، تحمل جملة من الأهداف، يمكن إيضاحها على النحو التالي:

(&) رغبة جزائرية - أمريكية لتوسيع آفاق الشراكة: تعكس هذه الزيارة رغبة كلا الطرفين "الأمريكي والجزائري" في توسيع آفاق الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، لتشمل تعزيز وتطوير التعاون بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، إذ لا يخفى على أحد أن الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تسعى في الوقت الراهن لحث دول المجتمع الخارجي على تعزيز استثماراتها في الأراضي الجزائرية وعدم اقتصار علاقاتها مع الجزائر على قطاع الطاقة، ولذلك في ختام مباحثات "عطاف" و"بلينكن" أكدا أنهم سيعملان على استكشاف الآفاق الواعدة للشراكة الجزائرية الأمريكية، خاصة بعد انتخاب الجزائر مطلع يونيو الماضي عضوًا غير دائم بمجلس الأمن لعام 2024، وفي الوقت ذاته يمكن القول إن زيارة الوزير الجزائري، قد تكون بمثابة "رسالة طمأنة" للجانب الأمريكي، مفادها أن علاقات الجزائر مع أطراف المجتمع الخارجي وخاصة قوى محور الشرق لن تؤثر على مسار العلاقات الجزائرية الأمريكية.

(&) حشد الدعم الأمريكي لحلحة عدد من الأزمات الإقليمية: يسعى الطرفان الأمريكي والجزائري لتعزيز التعاون المشترك في بعض الأزمات الجارية على الساحة الإقليمية، خاصة في ليبيا ومالي والنيجر وفلسطين، وهي القضايا التي كانت محور مباحثات "عطاف" و"بلينكن"، اللذين أكد استمرار مساعيهما الرامية لتفضيل حلول سلمية لهذه الأزمات بما يجنب المنطقة مخاطر الخيار العسكري. وبالنظر إلى ليبيا نجد أن كلًا من واشنطن والجزائر تحاولان دفع أطراف الصراع في ليبيا للتوصل لحل سياسي ينهي الأزمة التي دخلت عامها الـ13، هذا بجانب الأزمة في مالي، إذ تعي واشنطن أن الجزائر لها باعٌ في التوسط لحل هذه الأزمة وذلك باستضافتها خلال السنوات الماضية لأطراف النزاع في مالي على أراضيها ونجاحها في إقناعهم بالتوصل لاتفاق سلام عام 2015، وعليه، فإن الجزائر تحاول في الوقت الراهن تكثيف جهودها من أجل إنقاذ هذا الاتفاق من الانهيار، لذلك تعوّل على موقف الدول الغربية لمساندتها من أجل توفير الأمن والاستقرار بالدول الإفريقية، وفيما يخص النيجر، فإن واشنطن تعّول على التعاون مع الجزائر، للتوصل لحل ينهي هذه الأزمة، وذلك لمنع أي محاولة من قبل روسيا أو "مجموعة فاجنر الروسية" للانتشار في الدولة الواقعة غرب إفريقيا.

ومن جهة، فإن القضية الفلسطينية تعد محورية للجزائر التي ترفض أي محاولة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتعي أن مفتاح حل هذه القضية سيكون من خلال البوابة الأمريكية، ولذلك فإن الجزائر تسعى لاستغلال نفوذها الدولي بعد انتخابها عضوًا بمجلس الأمن، وفي ضوء علاقاتها المتنامية مع القوى الخارجية، للتوصل لحل للقضية الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

(&) تعزيز التعاون المشترك بالمجال الأمني ومكافحة الإرهاب: تهدف هذه الزيارة إلى توطيد أواصر التعاون الأمني بين الجزائر وواشنطن خاصة بمجال مكافحة الإرهاب، وهو التعاون الذي سبق ووصفه الوزير "بلينكن" خلال زيارته الأخيرة الجزائر بـ"حجر الزاوية" في علاقات البلدين الثنائية، كون أن الجزائر تعد عنصرًا فاعلًا بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، وتسعى بشكل دائم لتعزيز جهودها من أجل مكافحة الإرهاب المتفشي بهذه المنطقة، وهو ما يتطلب وجود تعاون دولي قوى يساند جهود الجزائر هذه، وهو ما تدركه واشنطن جيدًا، وقد يكون هذا السبب في إرسال واشنطن -يومي 5و6 يونيو الماضي- وفدًا من كبار المسؤولين الأمريكيين من وزارت الخارجية والمالية والدفاع إلى الجزائر، بهدف "إجراء حوار أمني من أجل تعزيز الأهداف الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في القارة"، وعليه، فإن الجزائر تسعى بالتعاون مع واشنطن إلى الحد من توسيع وتأثير نفوذ نشاط التنظيمات الإرهابية المتفشي في المنطقة، والذي يؤثر بما لا يدع مجالا للشك على المصالح الاقتصادية والاستثمارية لأمريكا والجزائر وغيرها من بلدان المجتمع الخارجي التي لها أنشطة في القارة، وهو ما أكدته السفيرة الأمريكية لدى الجزائر إليزابيث مور أوبين، خلال زيارة الوفد الأمريكي، قائلة: "الجزائر شريك طبيعي في هذا الصدد.. بلدكم رائد إقليمي مع سجل حافل بالنجاح في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة".

(&) تعميق الروابط في العلاقات الاقتصادية والتجارية: ركزت هذه الزيارة على تأكيد الوزيرين الجزائري والأمريكي على تعزيز علاقات البلدين الاقتصادية في الفترة المقبلة، ولذلك فقد شهدت هذه الزيارة انعقاد الحوار الاستراتيجي السادس بين أمريكا والجزائر، وأيضًا "مجلس الأعمال الجزائري- الأمريكي"، الذي شارك فيه "عطاف" وأكد خلال لقائه رجال أعمال أمريكيين أن بلاده لديها ما وصفه بـ"الترسانة القانونية" في العديد من المجالات كالمحروقات والاستثمارات والنقد والقرض وغيرها، التي تهدف لتعزيز مناخ الأعمال بالجزائر واستقطاب الاستثمارات الأجنبية"، وهو ما يفسر الرغبة الجزائرية وأيضًا الأمريكية في تعميق علاقاتهما الاقتصادية والاستثمارية في مختلف القطاعات ورفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين، الذي يبلغ 3.1 مليار دولار، وفقًا لما أعلنه رئيس وزراء الجزائر أيمن بن عبد الرحمان في ديسمبر 2022، مضيفًا أن الجزائر هي الشريك التجاري الثالث للولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا.

"عطاف" خلال مشاركته في مجلس الأعمال "الجزائري-الأمريكي"

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تلبية وزير الخارجية الجزائري دعوة نظيره الأمريكي لزيارة واشنطن، تأتي في ظل مساعي القيادة الجزائرية لتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي والاستفادة من علاقاتها مع مختلف القوى الخارجية بشكل ينعكس على تحسن أوضاعهم الثنائية من جهة وعلى القضايا الإقليمية والدولية من جهة، وفي الوقت ذاته، فإن توقيت هذه الزيارة يحمل رسالة مفادها أن الجزائر تريد التأكيد على أهمية علاقاتها مع أمريكا، والتصدي لمحاولات البعض التقليل من هذه العلاقة، خاصة بعد توجه الدولة الإفريقية لتعزيز علاقاتها مع كلٍ من موسكو وبكين، وهذا الهدف ذاته الذي أرادت واشنطن إثباته مما دفعها لدعوة الوزير "عطاف" لزيارتها، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الجزائرية الأمريكية التي تعود إلى العام 1795 منحنى متصاعدًا خلال الفترة المقبلة، بما تتطلبه مقتضيات المرحلة الراهنة محليًا ودوليًا.